من أين تأتى السياسات البديلة؟ - محمد القرمانى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أين تأتى السياسات البديلة؟

نشر فى : الثلاثاء 21 مارس 2017 - 11:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 مارس 2017 - 11:35 م
اتضح خلال الفترة الماضية أن صبر العديد من المسئولين بالدولة قد أوشك على النفاد فى مواجهة المختلفين والمعترضين على قرارات وسياسات الحكومة، وثمة رسالة نستخلصها من تصريحات المسئولين وترددها أيضا وسائل الإعلام المؤيدة للنظام فى معرض تأييدها وتبريرها لسياسات الحكومة، تلك الرسالة مفادها أنه لا يوجد حلول غير ما قامت وتقوم به الحكومة ومن لديه البديل فليأت به.

لا خلاف على أن الحكومة فى مصر تواجه مشكلات كثيرة ومتشابكة ومعقدة وهو ما يجعل من الصعب إيجاد حلول سريعة وفعالة لها. فعلى سبيل المثال مشكلة ارتفاع معدل الدين الداخلى والخارجى تتسبب فى تخصيص جزء ضخم من ميزانية الدولة لسداد أعباء الدين وذلك على حساب تحسين برامج الحماية الاجتماعية للفقراء والتوسع فيها، وكذلك انخفاض الإنفاق على الصحة والتعليم وما يتبع ذلك من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والجريمة. وما يزيد من صعوبة مهمة الحكومة هو أنها تقع تحت عامل ضغط وقت كبير حيث إنها مطالبة بتحقيق إنجازات سريعة وملموسة يشعر معها المواطن بتحسن فى حياته اليومية، ولكنها فى الوقت نفسه مقيدة بما تملكه من إمكانيات وموارد وطاقات بشرية، وبالتالى يصبح اتخاذ القرار وتحديد مسار السياسات العامة عملية ليست سهلة أو مثالية. الأمر الأهم هو أنه مع تعدد المشكلات وضعف الموارد وضغط الوقت يكون على صانع القرار تحديد أولويات للمشكلات التى سيتم التعامل معها والتى ستركز عليها الدولة طاقتها ومواردها واهتمامها لأنه لا يمكن التعامل مع جميع المشكلات فى نفس الوقت. وعليه فمن الوارد أن يتجاهل صانع القرار أحد المشكلات التى قد تكون على قدر كبير من الأهمية أو يكون تقديره خاطئا فى إعطاء أسبقية لمشكلات على حساب أخرى.

وبالتالى فمن المهم بل من الضرورى أن يكون هناك دائما عدة بدائل وحلول تعكس أفكارا ورؤى غير نمطية للتعامل مع المشكلات المختلفة. وإذا كنا جادين بالفعل فى محاولة ايجاد سياسات بديلة فعلينا معرفة أن عملية صناعة السياسات ليست سهلة فهى عملية مؤسسية تقوم بها مؤسسات تتوافر لديها مصادر مالية وبشرية وقدرات تنظيمية بالإضافة إلى ضرورة توافر قدر كبير من المعلومات والبيانات للمساعدة فى تحديد المشكلة وحجمها وخطورتها وأبعادها والمتضررين منها ومدى تأثيرها على غيرها من المشكلات الأخرى وعلى الاقتصاد والسياسة والمجتمع بشكل عام على المدى القصير والبعيد. وبعد ذلك يتم طرح حلول مختلفة للمشكلة بحيث تكون تلك الحلول واقعية وقابلة للتطبيق وتزيد مكاسبها على خسائرها الاجتماعية والاقتصادية وتعالج أساس المشكلة وليس أعراضها أو المشكلات المنبثقة عنها وتكون قابلة للقياس للحكم على مدى نجاحها فيما بعد. يلى ذلك اختيار الأنسب من تلك البدائل لتنفيذه وهنا يتم تحديد توقيت التنفيذ وآلياته ونطاقه وأنواع البرامج والمشروعات المطلوبة وأساليب التقييم والمراجعة.

***

ففى الأنظمة الديمقراطية، عملية صنع السياسات العامة عملية تشاركية ديناميكية تتم فى إطار ما يعرف بـ شبكات السياسات policy networks والتى تتكون من العناصر المؤثرة فى سياسة معينة وعادة ما تشمل الأجهزة الحكومية المعنية والسلطة التشريعية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى المهتمة بسياسة معينة مثل جماعات البيئة وحماية المستهلك وحقوق الإنسان، كما تشمل تلك الشبكات أيضا مراكز الأبحاث والدراسات وشخصيات عامة تكون قريبة من الرأى العام وقادرة على تفهمه والتأثير فيه بالإضافة إلى أكاديميين وخبراء يقدمون آراء فنية فى مجالات تخصصاتهم. وبطبيعة الحال يعتبر الرأى العام مؤشرا مهما ورئيسيا وبالتالى يعتبر المواطنون أعضاء أيضا فى هذه الشبكات بصورة غير مباشرة. وأهم ما يميز تلك الشبكات هى أن المشاركين فيها لديهم رؤى وأفكار ومقترحات وحلول مدروسة للتعامل مع المشكلات حيث يتم النقاش والتفاوض الجاد حول مختلف البدائل المطروحة للوصول فى النهاية إلى أفضل السياسات التى تكون معبرة عن أكبر عدد من المواطنين فضلا عن اكتسابها للشرعية التى تساهم فى تقبل المواطنين لها.

فى ضوء ما سبق، وعلى الرغم من أننا فى مصر نعانى من ضعف الحياة الحزبية والمدنية والبحثية، فإنه لا مانع من أن تبدأ الدولة فى الانفتاح على المجال العام بحيث تعطى الفرصة للمؤسسات «القليلة» القادرة على لعب دور جاد وفاعل للمساهمة فى صناعة سياسات بديلة للتعامل مع المشكلات العديدة التى لا تقوى أى حكومة مهما كانت قدرتها على الاضطلاع بها منفردة. من ناحية أخرى على الأحزاب ــ وعلى الأخص تلك الممثلة فى مجلس النواب باعتبارها صانع قرار بمعنى الكلمة decision maker ــ أن تمارس دورها ككيانات سياسية تدرس المشكلات وتستمع للمواطنين وتستعين بالخبراء والمتخصصين لتصميم سياسات متكاملة وحلول مدروسة وواقعية وقابلة للتطبيق. كما أن الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بمجال التنمية مثل جمعيات تنمية المشروعات الصغيرة وجمعيات حماية المستهلك والبيئة وغيرها يمكنها أن تلعب دورا مهما فى إيجاد حلول لمشكلات كثيرة من واقع تعاملها مع المواطنين وإدراكها لمشكلاتهم واحتياجاتهم. على الجامعات ومراكز الأبحاث أيضا أن تشجع باحثيها على انتقاء موضوعات بحثية تمس المشكلات الاجتماعية وسبل معالجتها فى مجالات تطوير التعليم والرى وتوليد الكهرباء والتنمية الصناعية والهندسة الطبية والاقتصاد والعلوم الاجتماعية وغيرها فى مختلف مجالات العلوم التى يحتاجها واقعنا الاجتماعى.

يسبق ذلك كله أن تسمح الدولة، بل وتشجع على مزيد من الحرية فى جمع وتداول المعلومات فضلا عن نشر البيانات والمعلومات الرسمية التى تحتكر الدولة إنتاجها على المستوى الوطنى ويصعب على أى جهة أخرى الحصول عليها ــ مع الاحتفاظ بالطبع بسرية بعض المعلومات ــ ذلك إذا أردنا أن يساهم المجتمع السياسى والمدنى فى إيجاد حلول وسياسات بديلة مدروسة وليس مجرد آراء ومقترحات عامة.

 

محمد القرمانى مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون
التعليقات