قميص عثمان - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قميص عثمان

نشر فى : الإثنين 7 مايو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 مايو 2012 - 8:25 ص

اخترع المصريون تعبيرات مضللة، للتغطية على الفشل الذريع الذى منيت به الثورة فى المرحلة الانتقالية التى تكفل المجلس العسكرى بإدارتها.. وبعد سلسلة من المذابح والمصادمات الدامية والانفلات الأمنى، أصبح الحديث عن «اللهو الخفى» أحيانا أو «الطرف الثالث» أحيانا أخرى أو «الفوضى الخلاقة» مرة ثالثة.. هو التفسير الوحيد الذى يلقى به المسئولون فى وجوهنا لتبرير ما يحدث من مآسٍ.

 

وكانت معارك العباسية هى الطبعة الأخيرة فى سلسلة عنف دامٍ لم تتوقف، حتى بعد أن جرى انتخاب هيئات دستورية من الشعب، ممثلة فى مجلسى الشعب والشورى. وأصبح البناء الدستورى على وشك الاكتمال بانتخاب رئيس مدنى تنتقل إليه السلطة من المجلس العسكرى.. فى غضون أسابيع قليلة!

 

ولكن.. وهنا تظهر حقيقة ما يقال عن اللهو الخفى. فقد بدا وكأن الخلاف العميق الذى أشعلته الأغلبية البرلمانية، بدعوى أن من حقها تشكيل الحكومة وإقالة الوزارة التى فرضها العسكرى برياسة الجنزورى، هو السبب وراء تعطيل الحياة السياسية عن عمد، لإجبار المجلس العسكرى على الانصياع للأغلبية. وهكذا وقعت الحياة السياسية بين صراع إرادتين: المجلس العسكرى المسئول عن حكم البلاد حتى يتم تسليم السلطة، وإرادة الأغلبية البرلمانية صاحبة السلطة التشريعية والطامعة إلى انتزاع السلطة التنفيذية.

 

لم يبد مجلس الشعب أدنى اهتمام بتقصى الأسباب التى أدت إلى سفك الدماء فى العباسية. فهو يتستر وراء جلساته المرفوعة، ويتخذ من الدعوة إلى «تسليم السلطة» ذريعة لتجميد النشاط التشريعى وعرقلة الأداء التنفيذى وإصابة الحكم بالشلل. مع أن الكل يعرف أن موعد تسليم السلطة لن يتجاوز نهاية شهر يونيو!

 

ولكن هذه الحجة.. حجة الضغط لتسليم السلطة.. التى تتكرر على ألسنة الجميع دون وعى، المثقفين والدهماء، والصغار والكبار، والثوريين والفوضويين، أضحت مثل «قميص عثمان» مدعاة للقتل والاقتتال على نحو ما حدث أيام الفتنة الكبرى. وجرى تعبئة الأنصار والمتظاهرين فى ميدانى التحرير والعباسية، إضافة إلى أتباع الشيخ حازم أبوإسماعيل (الحازميون) الذين أقسموا بالانتقام لشيخهم الذى أبعد عن الانتخابات الرياسية. فانضموا إلى القوى التى حاولت اقتحام وزارة الدفاع. ولا أحد يعرف الهدف من ذلك غير افتعال صدام مع الجيش يقع فيه ضحايا تلوث أيدى القوات المسلحة بدماء المصريين!

 

كل البيانات الرسمية التى أصدرها المجلس العسكرى والمتحدث باسمه، كانت تؤكد على دخول أسلحة بيضاء وأسلحة نارية إلى ميدان المعركة وأن بعض المعتصمين استخدم هذه الأسلحة. وأكد مصدر عسكرى أن بعضهم كان يختبئ فى مئذنة مسجد النور وجرى القبض عليهم!

 

ولكن كما استخدم البعض اعتسافا حجة تسليم السلطة مبررا للاعتصام ومقاومة إدارة الدولة.. استخدم آخرون عبارة «الحق فى الاعتصام» لإيجاد موقف مرتبك ومحتقن، يتم فيه تحريض أدعياء الثورة لاقتحام  وزارة الدفاع وإسقاط الجنرالات.. والحقيقة أننا أسأنا فهم معنى «الحق فى الاعتصام» وحولناه بمرور الوقت إلى الحق فى التخريب والتدمير والاعتداء على المنشآت العامة للدولة وإكراه أصحاب الدكاكين على إغلاق محالهم التجارية، وإحراق المركبات والسيارات ورفع الأعلام السوداء، وتعطيل مصالح البلاد والعباد وقطع أرزاقهم.

 

الاتهام الذى يوجه إلى المجلس العسكرى هو استخدام العنف المفرط فى تفرقة المتظاهرين وفض المعتصمين.. وفى هذه المرة تحركت قوات الجيش حين اقتربت جموع المعتصمين من وزارة الدفاع وحطمت الأسلاك الشائكة حولها، وبان لكل ذى عينين أن ثمة قوى تريد أن تجعل منها معركة فاصلة مع الجيش دون إدراك لتداعياتها. ولكن الثابت أن رد المجلس العسكرى غالبا ما يأتى متأخرا ومترددا. وبينما يفكر المجرمون والبلطجية والمحرضون.. فالأبرياء من الشباب وصغار السن الذين تستهويهم المسيرات والهتافات، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، هم الذين يقعون فى قبضة الشرطة العسكرية وقوات الأمن غير المدربة. ويجرجرون وراءهم آباءهم وأمهاتهم الذين انقطعت صلتهم بثقافة الشارع، وبما تحيكه القوى السياسية والأحزاب من مؤامرات.

 

اعتصامات العباسية وما تم سفكه فيها من دماء، لم تكن غير محصلة صدام بين قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة من ناحية. وبين المجلس العسكرى من ناحية أخرى، وصل إلى درجة تصعيد غير مسبوقة، يراهن فيها كل طرف على أوراق القوة التى يملكها والتى يدفع ثمنها من دماء الشعب المصرى وحده. الحقيقة المؤكدة أن كلا الطرفين يتحمل مسئولية متساوية.. لا يمكن أن تقع على عاتق القوى الإسلامية وحدها، ولا المجلس العسكرى بمفرده!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات