تحويل مصر إلى مركز إقليمى لوجيستى للغاز.. علامات استفهام وقضايا! - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحويل مصر إلى مركز إقليمى لوجيستى للغاز.. علامات استفهام وقضايا!

نشر فى : الجمعة 7 مايو 2021 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 7 مايو 2021 - 10:20 م

تتردد فى أوساط صنع القرار الاقتصادى فى مصر فكرة محورية تتمثل فى تحويل مصر إلى مركز إقليمى لوجيستى للغاز الطبيعى. وتتضمن هذه الفكرة المعانى الآتية:
1ــ جعل تجارة الغاز أحد المصادر الرئيسية المستحدثة للنمو الاقتصادى، كمصدر من مصادر توليد الناتج المحلى الإجمالى خلال العقود القادمة، وذلك مع التوسع فى اكتشافات الغاز قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط بصفة أساسية ودلتا النيل بصفة فرعية. 2
ــ تكوين جماعة اقتصادية أو تكتل إقليمى للبلدان المتوسطية المتشاطرة لحقول الغاز الكبيرة، بحيث يضم محور (قبرص ــ اليونان) ومحور (لبنان ــ الأردن ــ فلسطين)، بالإضافة إلى مصر وإسرائيل: منتدى شرق المتوسط للغاز.
3ــ جعل مصر بمثابة مركز الثقل الرئيسى فى الجماعة الاقتصادية المذكورة، من خلال استغلال مرافق إسالة الغاز المصرية، من جهة أولى، والاستفادة من الموقع الجغرافى لمصر فى تسويق الغاز المسال المجمّع من البلدان أعضاء المنتدى المذكور، فى أوروبا عموما، وأوروبا المتوسطية خصوصا، من جهة ثانية.
والحقّ أن موضوع تحويل مصر إلى (مركز إقليمى لوجيستى للغاز)، يثير عدة أسئلة جدّ مهمة، وقضايا ذات بالٍ. السؤال الأول، وقضيته الأولى، يتعلقان بموقع الغاز الطبيعى من «تشكيلة الطاقة» فى مصر فى المستقبل (الأجل المتوسط والطويل)، وحيث يمثل نصيب الغاز الطبيعى حاليا نحو 85% من إجمالى مصادر الطاقة الكهربائية. فهل أن «عصر البترول» الذى آذن بالنهاية منذ وقت طويل، وكثر الحديث عنه فى الأعمال البحثية والدراسات المستقبلية، قد آذن فعلا بالأفول..؟ وماذا عن الاقتصاد المصرى الذى هو مُصدِّر ومستورِد للبترول ومنتجاته فى نفس الوقت، يصدّر الخام، ويستورد شطرا مهمّا من الاحتياجات المحلية من المنتجات البترولية وخاصة للأغراض المنزلية وتشغيل المركبات..؟
وما أثر الاكتفاء الذاتى من الغاز، على الميزان التجارى وميزان المدفوعات المصرى، بعد أن تحول الميزان البترولى المصرى من العجز إلى الفائض، ولو جزئيا..؟ وإلى أيّ حد يسهم ذلك فى حلّ ما يسمّى بالمشكلة الاقتصادية المصرية التى تنحلّ فى النهاية إلى الندرة النسبية العالية للموارد، طبيعية كانت أم مالية أم بشرية، بالمقارنة مع احتياجات كمٍّ متزايد بوتيرة عالية للسكان..؟
وهل مصر سوف تكون من بين أوائل الدول فى الإقليم والعالم، التى يُقدّر لها أن تشهد ــ فى مجال النفط ــ أفول عصر البترول ومَقْدِم عصر الغاز..؟ أم أن الغاز ليس له تلك الأهمية وإنما هى الكهرباء من مصادرها الجديدة والمتجددة (الشمس، الرياح...) والتى سوف تكون لها الأهمية الرئيسية حقّا، كما يتجلى فى مولد (السيارة الكهربائية)..؟ وأن مصر من ثم يجب أن تستعد، ليس لمَقْدِم عصر الغاز والمركز الإقليمى اللوجيستى للغاز، ولكن لعصر الطاقات الجديدة والمتجددة، كإحدى التكنولوجيات البازغة، بل والطاقة النووية أيضا، من أجل توليد القوة المحركة للمصانع وآليات النقل والأغراض المنزلية، وأيضا من أجل الإسهام فى حل مشكلة الماء، من خلال محطات «التحلية للمياه غير العذبة من البحرين المحيطيْن بنا (الأبيض والأحمر).. وكذا للأغراض العلمية والبحثية وغيرها؟
أم أن ارتفاع نفقات توليد الطاقة من مصادرها الجديدة والمتجددة، وكذا تكلفة محطات التحلية، سوف يجعل من هذه وتلك، غير ذات جدوى اقتصادية حتى فى الأجل الطويل نسبيا (عشر أو خمس عشرة سنة)، ومع المخاطر المحتملة للخيار النووي؟ ومن ثم هل الغاز الطبيعى يظل المصدر الذى وهبتنا به الطبيعة وسوف يكون البديل (الطبيعي) للمصادر الأخرى المكلفة كثيرا لنا ولاقتصادنا الذى أنهكته ندرة الموارد وتعاظم ساكنة وادى النيل والصحراء المحيطة بالوادى شرقا وغربا..؟
هذا السؤال الأول، عن «خلطة الطاقة» الحالية والمنتَظرة، يستحق أن يعكف عليه الباحثون والباحثات، وفرق البحث فى مراكز التفكير الجادة، للتنقيب عن مستقبلنا أين يكون بين عمالقة الطاقة فى مستقبل بعيد وغير بعيد..؟
***
السؤال الثانى، والقضية الثانية، يتعلقان بما يلى: هل تسمح إمكانيات مصر بالوفاء بمتطلبات بناء مركز إقليمى لوجيستى للغاز؟ نقصد هنا الإمكانيات الغازية نفسها، من الاحتياطى المستكشف وغير المستكشف، وقدراتها التكنولوجية فى الإسالة للغاز، وقوتها الاقتصادية ــ المالية فى مجال الإمداد اللوجيستى والنقل عبر السفن والأنابيب من وإلى مقاصد الإنتاج والاستهلاك الكبرى فى حوض المتوسط وفى أوروبا المتوسطية والجنوبية والغربية..؟
فلربما يكون الإنتاج الكثيف للغاز المكتشف على الساحل المتوسطى خلال السنوات الأخيرة وما يتلوها، مدعاةً لاستنفاد الاحتياطى خلال أمد قصير نسبيا؛ فيما يدعوه البعض «تنضيب الغاز» فى مصر وسائر شرق المتوسط خدمة لمتطلبات الصراع الاستراتيجى الأمريكى ضد روسيا مثلا؛ ولكن إلى متى..؟
أم أن الاحتياطى يسمح بالدخول الآمن والموسّع إلى نادى منتجى الطاقة الغازية الكبار فى الإقليم لزمن طويل نسبيا قادم، كما دخلت من قبل إلى عصر البترول دول الخليج العربية، وليبيا والجزائر كذلك..؟
وما أثر كل ذلك على المكانة الإقليمية لمصر فى مقبل الأيام؟ وهل يمكن لها فى ضوء ذلك أن تتبوأ مقعدها الذى يليق بها فى عصر التنافس الشرس، وفى ظل ضعف حكم القانون الدولى وكذا ضعف «التنظيم الدولىس بمعناه الحقيقى..؟ وما هى أبعاد احتمالات إزاحة المجال الجيو ــ سياسى لمصر من البحر الأحمر وجنوبه ناحية باب المندب باتجاه الشمال ناحية البحر المتوسط، بما يمكن أن يمثل إخلالا بالتوازن الاستراتيجي ــ التاريخى للدولة المصرية..؟. علما بأن ذلك يتم فى إطار التسابق العالمى غير المنظم وغير المنتظم من أجل حيازة مقومات القوة، وممارسة السيطرة وبناء مناطق النفوذ، بأيّ ثمن، وغالبا على حساب القيم «الإنسانية» التى زعمت البشرية أنها تسعى إليها وتستهدى بها، ولكن دون جدوى، منذ أمد بعيد وإلى أمد قادم بعيد أيضا..؟
***
أما النقطة الثالثة، سؤالا وقضية، فى مقام البحث الواجب، فتتعلق بالموقف المعقد إقليميا وعالميا لإنتاج وتصدير الغاز. وهؤلاء منافسونا على الغاز على ضفتيْ الخليج عربيا وإيرانيا: قطر وإيران، بل وإلى الشمال فى أوراسيا (روسيا)، وبعض الدول ــ الممرات مثل تركيا، فهل نستطيع..؟ وإذا كانت مصر تمثل حاليا وفق بعض التقديرات نحو 5% من سوق الغاز العالمى وفى المرتبة رقم 13 عالميا بين الدول صاحبة الاحتياطى الأكبر للغاز، وباعتبار احتياطى شرق المتوسط كله قد لا يزيد على نحو 1% من احتياطى الغاز العالمي؛ فهل تمكن الزيادة؟ وإلى أيّ حد تؤثر المنافسة الشرسة على ذلك..؟
وهل ننجح فعلا فى النفاذ بالغاز إلى أسواق أوروبا شمالا، وربما أفريقيا وآسيا جنوبا وشرقا، بحيث يتجاوب التوزيع مع قدرات الإنتاج..؟
ثم السؤال الجغرا ــ سياسى الخطير، فى ميزان «الجيوبوليتيك»: كيف تكون العلاقة ببلدان شرق المتوسط من حيث التلامس فى مناطق الغاز المستكشَف، والمحتمل استكشافه وتحديد الحدود، ورسم خطوط النقل الدولى مع البلدان المتشاطئة (اليونان وقبرص) ولا نقول تركيا المتطلعة بحق أو بغير حق على كل حال؟ بل وربما بلدان الجوار العربى اللصيق والشقيق مثل ليبيا؟
ثم كيف تكون العلاقة مع أعضاء نادى أو منتدى (غاز شرق المتوسط) EMGF الذى أصبح نافذا بتصديق العدد اللازم من الدول الأعضاء فى مارس 2021، سواء كانت هذه الدول عربية (الأردن وفلسطين بالذات) أم كانت «إسرائيل»؟ وإسرائيل هذه قد يطرأ التعويل عليها أحيانا لتُقدِّم الغاز الذى تأخذه من ساحل شرق المتوسط (حقل ليفياثان خاصة)، وتبعث بجزء من إنتاجه، بالبيع لمصر بسعر معلوم عبر أجل زمنى متفق عليه، ( بعد تسوية «قضية التعويضات» المعروفة) لتتم معالجة هذا الغاز فى محطات إسالة الغاز المصرية (محطتين حتى الآن فى كل من «إدكو» و«دمياط») تمهيدا لتسويقه فى البلدان الأوروبية وغير الأوروبية..؟. فهل أن إسرائيل فى هذا المضمار عونٌ لنا أم عبءٌ علينا؟ وإلى أى حدّ يمكن اعتبارها شريكا غير موثوق، وغير قادر بالفعل، إنتاجا ومالا وتسويقا، على المساهمة المتكافئة، فى منتدى للغاز شرق المتوسط، بكل ما يحمله ذلك من دلالات واحتمالات..؟
ولربما قد حكمت الظروف، نتيجة تعقيدات مرحلة سابقة فى العلاقات مع إسرائيل، باحتمالات شراكة معقدة، ولكن إلى أيّ مدى؟ وإلى متى؟ وما الصلة بالقضايا العربية القومية المحقّة وعلى رأسها القضية المركزية (فلسطين)..؟ وهذا السؤال، سبقه سؤالان، ويمكن أن تتلوه أسئلة كثيرة، يتعيّن أن تتم الإجابة عليها جميعا، بالصورة الواجبة، على كل حال.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات