لو أرادوها انقلابًا فلنجعلها ثورة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لو أرادوها انقلابًا فلنجعلها ثورة

نشر فى : الأحد 7 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 7 يوليه 2013 - 8:00 ص

حمل لى مشهد افتتاح الفنان محمد فؤاد لجلسة تداول البورصة يوم الخميس الماضى تشاؤما، خاصة أنه كان بعد ساعات قليلة من فجر ذلك اليوم الذى سهر فيه المصريون حتى الصباح احتفالا بأنفسهم، وبأنهم حققوا نصرا مرحليا. وأزاحوا رئيسا كان يقف بينهم وبين ثورتهم. فكيف تختار إدارة البورصة فى مثل هذه الأيام، واحدا ممن كانوا يبكون على مبارك على مرآى من المشاهدين فى التليفزيون. تشاءمت لأن الرمزية فى الثورات ليست أمرا هامشيا ولا ثانويا، ولكن  ضروريا،  وملهما. فعندما تتسلل رموز العهد السابق (حتى لو كان مغنيا) إلى صدارة أى مشهد عام بمباركة من المسئوليين فى أجهزة الدولة يبدو الأمر مقلقا. فنحن لانريد أن نقصيهم، ولكن لانجعلهم رموزا.

 

●●●

 

حمل لى هذا المشهد تخوفا مشروعا، وهو أن ظهور العديد من رموز الفلول فى انتفاضة يونيه، على الرغم من أنهم ذابوا وسط طوفان البشر، قد يعطيهم زخما يدفع بهم إلى شد كل محاولات القفز نحو خطوات ثورية حقيقية إلى الوراء، أملا فى استعادة عروشهم أيام مبارك. ولكن تخوفى قابله على الجانب الآخر مبادرات من قطاعات عديدة، سارعت لكى تفرض شروطها على رءوس النظام الجديد، حتى قبل أن يجلسوا على كراسيهم.

 

فعمال السويس أسرعوا للإعلان عن حقهم فى فرض مطالبهم، معتبرين أن الحركة العمالية هى من كان لها القول الفصل فى إسقاط نظام مبارك، ورهنوا تأييدهم للنظام الجديد بتنفيذ مطالب محددة، مثل وقف الانحياز السافر لرجال الأعمال، وعدم منحهم مزايا تزيد من ميل ميزان القوى لصالحهم. وتعديل قانون العمل الجائر الذى كان من أهم تبعاته فصل أعداد كبيرة من العمال. وجعلوا وقف العمل بالتعديلات التشريعية التى تسمح بالتصالح مع حالات الفساد، اختبارا لنية الحاكمين الجدد. واصروا على أن إصدار قانون للحريات النقابية يفتح الأفق أمام نقابات عمالية مستقلة، أصبح شرطا ضروريا.

 

وكذلك فعل طلاب صوت الميدان بالإسكندرية الذين أكدوا أنهم لم يخرجوا إلى الشوارع ليكونوا غطاء سياسيا يكفل عودة الجيش. وإنهم سيكونون شوكة فى حلق أى نظام جديد، إذا لم يحقق مطالب الثورة فى العيش والحرية والعدالة الإجتماعية. وأعلنوا تمردهم على اللائحة الطلابية مطالبين بأخرى جديدة.

 

●●●

 

ربما تبدو هذه المحاولات الاستباقية لإثبات الحقوق محاولة جنينية، ولكن أهميتها من مدلولها. وهو أن كل القوى الاجتماعية التى صنعت ثورة يناير، ولم تقتطف أيا من ثمارها، عادت من جديد فى يونيو، تريد أن تصيغ حقوقها. ولذلك ليس عندى شك أن هذه المبادرات ستتسع، وتمتد افقيا حتى تلتحم بعضها ببعض. ليصنع الجميع ثورته معا، من خلال تكوين جماعات مصالح لتحقيق مطالب اجتماعية أو إقليمية، أو فئوية.

 

والحقيقة أن النظام الجديد بات فى اختبار صعب. وتكمن الصعوبة فى قصر المدة التى يمكن أن يتيحها أصحاب الحقوق له، لتحقيق مطالبهم. لإنهم أكتووا بنار النظام الأخوانى السابق، ولم يعد لديهم كثيرا من الصبر. ولكن على الجانب الآخر لدى النظام فرصة أن يقدم بوادر حسن نية تمد له مهلة الإنتظار. والمجال مفتوح أمامه بدء من الإعلان عن دستور جديد تكون المطالب الاجتماعية والاقتصادية عنوانا حاكما له، وليس فقط تعديل الدستور الإخوانى المعطل.

 

كما أن الفرصة مواتية للإسراع بإعداد موازنة جديدة للدوله، بدلا من تلك التى أقرها مجلس الشورى الأخوانى الهوى والمقصد. بحيث تنص بنود الموازنة على رفع حد الإعفاء الضريبى لمحدودى الدخل، مع النص على مبدأ تصاعدية الضرائب. ووقف العمل بالزيادات فى نسب ضريبة المبيعات على السلع والخدمات، والتى تتحمل الفئات الإجتماعية الأكثر ضعفا العبء الأكبر منها. وكذلك فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، وعلى ناتج عمليات الإستحواذ فى البورصة. وكذلك زيادة نسب الإنفاق على التعليم والصحة بدلا من الزيادات التى أقرها مجلس الشورى لصالح وزارة الداخلية. وكذلك توفير اعتماد لإعانة بطالة للمتعطلين. والتطبيق الفعلى  للحد الأدنى والأقصى للأجور. وزيادة الدعم الموجه للصعيد الذى رفع لواء الثورة الأن، وهو الغائب عنها فى يناير. وهناك الكثير أمام النظام الجديد أن يفعله إن أراد.

 

●●●

 

لدى يقين بأن الثورة مازالت عفية، بل استحضرت زادا جديدا من تحت أقدام الملايين السائرة على الأرض فى حر يونيه، زادها عافية. ودليلى هو ما رأيته فى «الاتحادية» فى اللحظات التى كان فيها الجميع يحبس أنفاسه انتظارا لبيان القوات المسلحة. عندما كانت سيدة ترتدى ملابس لا تخفى كونها من ساكنى أحد الأحياء الشعبية. وترد على ابنتها فى المحمول، والتى كانت على ما يبدو تخبرها أن زوجها يسأل عليها. فقالت بعلو الصوت وبطريقة جادة «قولى له أمى تتفاوض مع الرئيس». ضحك كل من سمع هذه السيدة، ولكنى لم أضحك. لأنى صدقت أنها تعنى ماتقول. هى تصدق فعلا أنها شريك فى التفاوض، وتعرف أنه لولا وجودها فى الشارع، ضمن أمواج البشر لما حسم الخلاف حول عزل الرئيس. ولولاها ما استطاعت قيادة القوات المسلحة ان تحسن من شروط التفاوض مع الطرف الأمريكى، وأن تنجز المهمة.

 

وعندما كنت أغادر التحرير بينما كان الشباب يطلقون الشماريخ، وآخرون يغرقون سماء وسط البلد بأقلام الليزرالأخضر، وأخريات تطلقن الزغاريد، ومحجبات ترقصن، وتغنين أغانى الأفراح وسط تصفيق الجميع. كان هناك شابان يقفان وسط ضجيج الميدان. يتناقشان بصوت مرتفع حول ما إذا كان من حقهما أن يفرحا كما يفرح الناس، أم أن الأمر لايعدو أن يكون انقلابا عسكريا تغطى بالجموع الغفيرة. ولما وصل الخلاف بينهما إلى طريق مسدود، صرخ أحدهما فى الآخر «وأنت فاكر لو خرج العسكر على اللى احنا عايزينه حنسكت لهم. والنعمه ما حنسيبهم».

 

ثقوا فى أنفسكم أنتم من صنعها.... ولو أرادوها انقلابا، سنجعلها ثورة.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات