«الشرق الأوسط الجديد».. وما الجديد..؟ - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الخميس 7 أغسطس 2025 10:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

«الشرق الأوسط الجديد».. وما الجديد..؟

نشر فى : الخميس 7 أغسطس 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 7 أغسطس 2025 - 7:50 م

تُطالعنا وسائط الإعلام المرئى والمسموع والمقروء كل حين من أيامنا، تقريبًا، بعنوان عريض عمّا يُسمّى «الشرق الأوسط الجديد». ولا ننسى فى هذا السياق ما طَنطن به رئيس حكومة الكيان الإسرائيلى الأسبق، شيمون بيريز، فى كتابه الموسوم «الشرق الأوسط الجديد» New Middle East، الذى صدر عام 1992، وتمت ترجمته إلى العربية، واحتُفى به أيّما احتفاء.

واليوم، تتكرر «طنطنة» رئيس حكومة الكيان الإسرائيلى (تبشيرًا) بما يسميه هو الآخر «الشرق الأوسط الجديد». ولكن شتّان ما بين المشرقَين؛ فـ«مشرق» شيمون بيريز كان ناعم الملمس، رقيقًا، يتلمّس خطاه مع مطالع زمن جديد، زمن «البترو دولار» المنبعث من أموال منطقتنا العربية فى الخليج، من ناحية، وبعد «كامب ديفيد» المصرية - الساداتية، من ناحية أخرى. وأما «شرق» الحكومة الإسرائيلية الراهنة، فهو خشن الملمس، مغموس فى البارود والدم.

كانت «رسالة» شيمون بيريز هى الدعوة إلى تحقيق «نهضة شرق أوسطية» قائمة على ثلاثة أعمدة، تمزجها مزجًا لتخرج بخليط ذى مذاق مقبول لأمة العرب فى المقام الأول. هذه الأعمدة الثلاثة هى: التكنولوجيا الإسرائيلية، والمال النفطى العربى، والثروة البشرية المصرية.

فهل من الممكن لأحد أن يُنكر «منطقيّة» تلك الدعوة - ظاهريًا - وجاذبيتها الفكرية والعملية؟ من الصعب ذلك. وكان لبيريز بعض ما أراد، بنشر تلك الدعوة وانتشارها فى أصقاع الأرض العربية وخارجها.

لم يتحقق الكثير مما أراده وطمع فيه بيريز، ولكن تحقق شىء - وإن كان قليلا – قد أشبع بعضًا من مطمَعه فى استغلال الثروات العربية البشرية والمالية والطبيعية، «بفضل» الاستفادة من تكنولوجيا إسرائيل التى رُوِّج لها. وقد مضت الأيام بقضّها وقضيضها، بحلوها – إن وُجد – ومُرِّها الغالب فى الحلق. مضت الأيام بمنافع كثيرة لخلفاء بيريز، وخسائر مؤكدة لأبناء «يعرب» فى كل مكان.

ثم مضت أيام أخرى كثيرة، من تسعينيات القرن المنصرم إلى عشرينيات القرن الحادى والعشرين؛ أيام متعددة الألوان، متقلبة، صعبة المراس، يصعب التنبؤ بما تحمله من جديد، فى بيئة حُبلى بما لا يتوقعه الكثيرون.

هذه إذن أيامنا، حيث اختلطت أوراق القوة وأوراق الضعف للكيان الإسرائيلى؛ قوة مستمدة من «قدرات الاستخبارات» و«التضليل الاستراتيجى» Strategic Misleading من جهة، ومن اعتماد مطلق على دعم «الإمبريالية الكبرى»، الولايات المتحدة، لـ«الإمبريالية الصغرى» الشرق أوسطية – إسرائيل – دعمًا بلا حدود: معلوماتيًا، استخباريًا، تكنولوجيًا، وماليًا، وكذلك تسليحًا وذخيرة، إلى جانب تكنولوجيا الحرب، خاصة الطيران والقوة الجوية (3-م مثالًا).

وكان لتلك الكبرى، والأخرى الصغرى، شىء غير قليل مما أرادتا؛ ولمّا وقعت «الواقعة»، من خلال هجمة (حماس) فى السابع من أكتوبر 2023، استثمرتها قوى (اليمين الصهيونى المتطرف) فى إسرائيل، فمدّت أجنحتها يمينًا وشمالًا، وشمالًا وجنوبًا. وهكذا، من غزة إلى جنوب لبنان، وإلى الضاحية الجنوبية لبيروت، قرب مركز (السيد حسن)، الذى وعد وأوفى بالكثير، وإن لم يُقدّر له أن يحقق بعضًا لا بأس به مما وعد، حتى لقى ربه فى أحد الطوابق «المخندقة» تحت الأرض.

تلك هى قوة إسرائيل، التى تكشّفت مؤخرًا بعد أن طال «الخداع الاستراتيجى» جميع جوانب حياتنا العربية، بدءًا من معركة تدمير أجهزة «البيجرز» فى 2024، حتى محاولة (فاشلة نسبيًا على كل حال) للقضاء المُبرم على البرنامج النووى الإيرانى فى 2025.

وأما ضعفها، فقد تكشّف على أرض غزة، فى شمالها وحدودها وجنوبها عند «خان يونس»، إذ قامت حركة المقاومة ممثَّلة فى «حركة المقاومة الإسلامية – حماس» و«الجهاد الإسلامى – سرايا القدس» بمقاتلة عدوهما وعدوّ فلسطين وجهًا لوجه، من خلال حرب «محدودة» تمثل نوعًا من الامتداد لحروب العصابات فى آسيا الشرقية وفيتنام منذ عقود طوال، حيث المواجهة «من المسافة صفر»، كما يُقال، وبناء الخنادق، وأسر رهائن فى دهاليزها العجيبة العظيمة، التى لا يصل إليها أحد.

أضف إلى ذلك، استخدام الأسلحة صغيرة المدى، وذخيرة من الصواريخ وغيرها، وكذلك تلغيم المبانى، وتفجير مداخل الخنادق، الوهمية منها والحقيقية؛ وقتل من تصل إليهم أيديهم من جنود إسرائيل، ضباطها وعساكرها، من الاحتياط ومن القوة العاملة، حتى ظهر النقص الفادح فى القوة البشرية الإسرائيلية أثناء حربها، بل وحروبها العديدة.

ومن ضعف إسرائيل أيضًا: محدودية فاعلية أجهزة الدفاع ضد الصواريخ، بأجيالها المختلفة، مما ظهر جليًا فى المواجهة بين إيران وإسرائيل فى منتصف 2025. ولقد كان الدعم (المطلق…!) الذى قدمته الإمبريالية الكبرى لتلك الصغرى فعالًا إلى حدّ غير قليل، حتى ظهر منه مؤخرًا ما ظهر – فى يوليو 2025.

ذلك ما تبيّن من انطلاقة الجيش «شبه الكسيح» الإسرائيلى، قليل القوة البشرية، لكن كثير العتاد والمال المجلوبين من «الإمبراطورية الأمريكية المعسكَرة»، حيث وجدنا الكيان الإسرائيلى يبعث ببقايا جيشه لضرب سوريا فى «السويداء»، باسم حماية إحدى الطوائف، وقرب مقر رئاسة الأركان السورية و«قصر الشعب العتيد». فيا لها من جرأة غريبة الشكل والمضمون..! وفى الوقت نفسه، ضرب مواقع متعددة فى الجنوب اللبنانى و(الضاحية) وغيرها، وكأنه استعراض مظهرى للقوة، تباهٍ بالانفراد ببلاد عربية عديدة فى وقت واحد، دون رد أو ردع.!

ولكنها سَكَرات النصر الموهوم، ولسوف تتبعها قذائف الحق حين يُقدَّر لها أن تجىء، وسوف تجىء!

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات