قراءة فى بعض التناقضات - أحمد ماهر - بوابة الشروق
الإثنين 5 مايو 2025 8:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

قراءة فى بعض التناقضات

نشر فى : الأحد 8 مارس 2009 - 6:38 م | آخر تحديث : الأحد 8 مارس 2009 - 6:38 م

 تتدافع موضوعات كثيرة لتعبر من القلم إلى الورق، قد تبدو متنوعة. وبعيد بعضها عن البعض الآخر، ولكنها كلها فى النهاية تكون نظرة إلى التناقضات فى الحياة الدولية، وفى تناول موضوعات أساسية ومهمة مما يكشف حقيقة ازدواج المعايير بناء على المصالح والأهواء، وأحياناً بناء على أفكار مسبقة تنبع غالبا من عنصرية مازالت رغم كل مواثيق حقوق الإنسان ودعوات المساواة..

هى التى تشكل مواقف البعض سواء شعروا بذلك أو لم يشعروا، وأقروا به أو استغفروا الله أن يكون فكرهم مازال ملوثاً أو ملوناً بأفكار تبدأ كبراعم ثم تنتهى إلى المجازر التى تعرضت لها شعوب كثيرة بعضها يجيد الإعلام عنها أكثر من غيره.

وقد اخترت أن أستعرض بعض تلك الموضوعات فى عجالة، أرجو أن تستطيع أن تعكس المعنى الذى أقصد إليه.
ولعلى أبدأ بقرار الحكومة الأمريكية (فيما قرأت) مقاطعة مؤتمر الأمم المتحدة حول التفرقة العنصرية. وقد أدهشنى أن تتخذ إدارة يرأسها باراك أوباما ذو الأصل الأفريقى مثل هذا الموقف لأننى مازلت أذكر المشكلات التى واجهها المؤتمر الأول الذى انعقد فى «دربن» بجنوب أفريقيا منذ سنوات، والذى تحول حينئذ إلى مناقشات حادة دارت حول موضوعين أساسيين، أولهما مطالبة الدول الأفريقية باعتذار وتعويض حتى معنوى عن الاستعمار الغربى.

أما الثانى فكان إدانة العنصرية الإسرائيلية فى تعاملها مع الشعب الفلسطينى. وأذكر مقاومة الدول الغربية للمطلبين والخلافات الحادة التى نشبت بينى وبين الوفد الأمريكى. والغريب فى الأمر أنه بعد ذلك استطاعت إسرائيل فى سابقة لا أعتقد أنها تكررت أن تستصدر قرارا من الأمم المتحدة بإلغاء قرار يدين الممارسات العنصرية للصهيونية، بينما اتفقت إيطاليا مع ليبيا بعد ذلك فى سابقة أخرى لم تتكرر على تعويضها عن فترة الاستعمار. وكنت أتصور أن الرئيس أوباما الذى أظهر منذ توليه الحكم روحاً ليبرالية أخلاقية لتصحيح ممارسات مخجلة مثل جوانتانامو وأبوغريب سوف يعكس مثل هذه الروح دون تطرف أو ديماجوجية فى المؤتمر القادم بدلاً من أن يترك مقعد بلاده خالياً وهو موقف أقرب إلى أن يعكس مواقف إدارة بوش التى لا يترحم عليها أحد.

وهذا تناقض أضمه إلى تناقضات ومواقف أخرى أود أن استعرضها فى عجالة:
أولا: استطاعت الجهود المصرية أن تحقق على الجبهة الفلسطينية نجاحين مهمين أزالا انطباعات سلبية تولدت لدى البعض نتيجة لبعض المواقف، خاصة الإعلامية التى خلطت الأمور وأدخلت عناصر واعتبارات غريبة لأسباب أفضل أن أقول إنها مجهولة.

وكان النجاحان هما اتفاق الأطراف الفلسطينية على عدة أمور أهمها: تشكيل حكومة وحدة وطنية، والنجاح الثانى هو عقد مؤتمر شرم الشيخ الذى تعهد فيه العالم بتوفير حوالى خمسة بلايين دولار لإعادة بناء ما دمرته إسرائيل فى عدوانها الوحشى غير المبرر. وهنا لى ملاحظتان، أولاهما أنه كان من الضرورى والعادل أن يؤكد المؤتمر مسئولية إسرائيل عن التدمير وتحذيرها من العودة إلى تلك الممارسات الإجرامية وإلا فسوف يحملها العالم المسئولية المادية علاوة على المسئولية القانونية.

أما الثانىة: فهى أن بعض الدول أصرت على المطالبة بألا تذهب أى أموال لحماس طالما لم تعترف بالشروط السخيفة التى سبق أن وضعها الاتحاد الأوروبى. والحقيقة أن هذا كلام لا معنى له ولا مبرر، فالمساعدات لإعادة البناء تذهب إلى الحكومة الفلسطينية الجديدة التى ستضم فتح وحماس وغيرهما من المنظمات على أن يعاونها المجتمع الدولى. وبالتالى فإن الإشارة إلى حرمان حماس من الاستفادة من تلك المساعدات هى محاولة للوقيعة والصيد فى الماء العكر. ولعلى فى هذا الصدد أشير إلى موقف أخير أعلن من أن الحكومة البريطانية تسعى لمعاودة الاتصالات مع حزب الله بعد أن أصبح عضواً فى الحكومة. ويثور هنا التساؤل مرة أخرى حول الموازين المزدوجة.

ثانيا: أعلنت المحكمة الجنائية الدولية قرار اتهام فى مواجهة رئيس جمهورية السودان بدعوى مسئوليته عن جرائم ارتكبت فى دارفور.
ولا أريد أن أتناول هذا الموضوع فى حد ذاته الآن، فسوف يأتى وقته، ولكننى فقط أتساءل عن جرائم ارتكبتها إسرائيل منذ نشأتها ضد الفلسطينيين والعرب عموماً، وآخرها ما جرى فى غزة، وهو مسجل وموثق، ولست أدرى لماذا لم تتخذ الدول العربية حتى الآن أى إجراء لطرح الأمر على مجلس الأمن ليحيل المسئولين عنه وهم معروفون فى أعلى قمة السلطة فى إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأنه من الثابت والقطعى والعلنى إصدارهم شخصيا القرارات التى أدت إلى المذابح بل إنهم تباهوا بما فعلوه. صحيح أن مجلس الأمن قد يواجه فى هذه الحالة بفيتو، ولكنه قد يمكن من الناحية القانونية اللجوء إلى «الاتحاد من أجل السلام» الذى يتيح للجمعية العامة فى حالة شل مجلس الأمن أن تصدر قرارات ملزمة.

لقد وصلت إلى نهاية الحيز المتاح لى، ومازال هناك الكثير مما يمكن بل يجب أن يقال، وقد لا تتاح الفرصة للعودة إلى هذه الموضوعات، لأن جديداً يجد باستمرار، ولكننى أعتقد أن ما ذكرت قد يكون فيه الكفاية فى الوقت الحالى، وقد أعود إليه وقدلا أعود، لأن الأحداث تترى ومجالاتها شتى.

أحمد ماهر  وزير خارجية مصر الأسبق
التعليقات