(لباقة) عقلية المطرقة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(لباقة) عقلية المطرقة

نشر فى : الخميس 8 أبريل 2010 - 9:42 ص | آخر تحديث : الخميس 8 أبريل 2010 - 9:42 ص

 الذين تابعوا الفضائيات ونشرات الأخبار مساء أمس (الأربعاء 6/4) لاحظوا أن أحداث القاهرة كانت خبرا رئيسيا جرى بثه مصحوبا بصور لا تشرف البلد أو نظامه، أو حتى الجهاز الأمنى فيه. إذ لم ير القاصى والدانى فى تلك الصور إلا حشود الأمن المركزى وميليشيات الشرطة المدنية والبلطجية، وهى تنقض على الشبان والفتيات الذين خرجوا فى مظاهرة سلمية بمناسبة حلول السادس من شهر أبريل.

وكانت جريمة أولئك الشبان أنهم طالبوا بـ«الحرية والتغيير.. وتعديل بعض مواد الدستور ووضع حد أقصى لفترة الرئاسة. كما طالبوا بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى يتحكم فى العملية الانتخابية وإلغاء قانون الطوارئ ومشاركة المصريين الموجودين بالخارج فى التصويت...الخ».. وهذه الفقرة الأخيرة نقلتها نصا من عدد جريدة الأهرام الصادر أمس (7/4)، الذى وصف المتظاهرين بأنهم من «مثيرى الشغب».

هذه القائمة من الطلبات التى نشرها الأهرام على الصفحة الأولى، بحسبانها «جرائم» استوجبت قمع المتظاهرين وسحلهم وكسر أعضاء بعضهم وملاحقتهم بالعصى المكهربة، لا يختلف عليها أحد من الوطنيين والشرفاء فى مصر. وهى مطالب عادية للغاية، ولكن أمن «الفكر الجديد» لم يحتملها، وقرر أن يتصدى للمطالبين بها بذلك الأسلوب الوحشى الذى جرى تعميمه على أنحاء الكرة الأرضية أمس الأول، وتحول إلى فضيحة سياسية وإعلامية من الطراز الأول.

المدهش فى الأمر أن الصحف القومية حرصت على إبراز محدودية المظاهرات التى خرجت، وغياب قوى المعارضة عنها، وفشلها فى اجتذاب المواطنين سواء فى القاهرة أو فى بقية المحافظات. وذهب الأهرام فى تخفيف الصورة إلى القول بأن القيادات الأمنية فى العاصمة تواجدت منذ وقت مبكر فى ميدان التحرير، وأن التعليمات التى وجهت إلى الضباط الذين تم حشدهم دعتهم إلى التعامل مع المتظاهرين بـ«لباقة».

وهى خلفية تثير سؤالين، أولهما هو: إذا كانت المظاهرات محدودة وغابت عنها قوى المعارضة الفاعلة، فما الذى أزعج أجهزة الأمن إذن، وإذا كانت قد فشلت فى جذب المواطنين، فلماذا لم تترك لحالها طالما أن المعارضة رفضتها والجماهير قاطعتها؟

السؤال الثانى هو: إذا صح أن التعليمات صدرت للضباط باستخدام «اللباقة» مع المتظاهرين، الأمر الذى أدى إلى ضربهم بالعصى المكهربة وسحلهم وتمزيق ثيابهم وكسر ذراع واحدة منهم، فما الذى كان يمكن أن يحدث لو أن التعليمات دعتهم إلى استخدام الشدة والحزم معهم؟ وهل ما جرى هو مفهوم اللباقة لدى أمن الفكر الجديد؟

لقد كان مفهوما أن التعليمات صريحة فى حظر أى خروج احتجاجى إلى الشارع خصوصا فى الظروف الراهنة، سواء بسبب تصاعد الغضب الجماهيرى الذى تلقف دعوة الدكتور البرادعى إلى التغيير، أو بسبب التحضير للانتخابات التى ستجرى خلال المرحلة المقبلة (التجديد النصفى لأعضاء مجلس الشورى ثم انتخابات مجلس الشعب وبعدها الانتخابات الرئاسية).. ولا أستبعد أن تكون الأجهزة الأمنية قد أرادت أن توصل رسالة إلى الجميع مفادها أن «تسامحها» النسبى مع مجموعة الدكتور البرادعى لا يعنى سماحها بالخروج إلى الشارع. ذلك أن للرجل وضعه الدولى الخاص الذى يضع تلك الأجهزة فى موقف حرج، لا يسمح لها بأن تتعامل معه بنفس الدرجة من «اللباقة» سابقة الذكر. علما بأنها لم تغمض أعينها عن تحركاته ولم تتوقف عن التضييق على رجاله.

وهو ما بدا واضحا فى الاحتياطات التى فرضت أثناء زيارته للمنصورة وتعقيد دخول مرافقية إلى مركز الدكتور محمد غنيم إضافة إلى المضايقات التى تعرض لها مؤيدوه من بين أساتذة الجامعات.

لم يتغير شىء فى «عقلية المطرقة» التى لا تجيد سوى استخدام الهراوات والبلطجية، وهذه الموجة مرشحة للتصاعد خلال الأشهر المقبلة، بعدما تبين أن جعبة رجال «الفكر الجديد» لا تعرف كيف تواجه زيادة الحراك الشعبى إلا من خلال الهراوات والعصى المكهربة والبلطجية. ليس هذا أغرب ما فى الأمر، لأن الأغرب هو ادعاء بعض الذين نصَّبوا أنفسهم متحدثين باسم النظام أن مصر بالخطوات التى تتخذها تتجه لأن تصبح دولة معاصرة «وطبيعية».

وهو ما لا ينبغى أن نستغربه بعد الذى شاهدناه أمس الأول على شاشات التليفزيون وقدم لنا بحسبانه ضربا من «اللباقة»!.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.