السلام الأمريكى والسلام الخليجى - سمير العيطة - بوابة الشروق
الإثنين 9 يونيو 2025 8:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

السلام الأمريكى والسلام الخليجى

نشر فى : الأحد 8 يونيو 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الأحد 8 يونيو 2025 - 8:50 م

جسّدت الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لدولٍ فى الخليج العربى التحوّل الكبير الذى تشهده المنطقة العربية. تحول أفضى بعد خمس عشرة سنة على ما سمّى «الربيع العربى» إلى هيمنة أمريكية - دون منافسة تقريبا - على مقدّرات المنطقة برمّتها. من اللافت كيف عبّرت الزيارة عن تقلّص نفوذ الدول الكبرى الأخرى، ليس فقط روسيا والصين، بل أيضا دول أوروبا الغربيّة، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ومن اللافت أيضا كيف وضعت الزيارة حدودا لنفوذ الدول الصاعدة فى الإقليم، تركيا وإسرائيل، عدا عن احتواء النفوذ الإيرانى.
أبرمت الولايات المتحدة صفقات مالية ضخمة مع كلٍّ من العربية السعودية وقطر والإمارات، وأعلنت عن رفع العقوبات عن سوريا واعترفت بسلطتها الجديدة، وعقدت هدنةً مع اليمن بمعزل عن إسرائيل وأطلقت تفاوضا حثيثا مع إيران... هذا فى حين تمّ وضع لبنان تحت وصايتها الواضحة وتُركت إسرائيل تُغرق نفسها فى الإبادة الجماعيّة التى ترتكبها دون هوادة فى غزّة.
فهل يعنى هذا كلّه أنّ «سلاما أمريكيا» (Pax Americana) جديدا سيحلّ فى المنطقة، يذهب أبعد بكثير من «الاتفاقات الإبراهيميّة» التى صُممت فى مرحلة سابقة لتُعطى إسرائيل الريادة وليست الولايات المتحدة؟ سلامٌ تروّض فيه أمريكا ربيبتها إسرائيل بعد أن ذهبت بعيدا فى تدمير «محور الممانعة» وفرض رؤيتها، هى، فى «شرق أوسطٍ جديد» حيث وضع بنيامين نتنياهو خريطته؟ وسلامٌ يُطبِّع علاقات الولايات المتحدة مع إيران ويكبح توسع نفوذها؟ وسلامٌ يخفّف أيضا من النفوذ التركى الذى اتّسع من آسيا الوسطى حتّى إفريقيا؟ فهل يشكّل هذا كلّه رؤية دونالد ترامب لاحتواء الصين ومنعها من الاستفادة من التناقضات للتمدّد نحو الشرق الأوسط ومنه نحو أوروبا؟
وماذا يعنى هذا «السلام الأمريكى» على صعيد الدول العربية؟
فى زمن سابق، تقاسمت بريطانيا وفرنسا النفوذ فى العالم العربى. ثمّ قامت الحرب العالمية الثانية واتفاقية «يالطا» كى تحلّ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى رويدا رويدا مكانهما، لتقاسم النفوذ. لقد انتهت الانتدابات المباشرة وتمّ إنشاء دولة إسرائيل بينما تمّ إفشال العدوان الثلاثى على مصر وتحرّرت الجزائر. فرنسا كانت الخاسر الأكبر، فى حين استمرّ النفوذ البريطانى بشكلٍ مختلف تحت الجناح الأمريكى.
لقد تنامت حينها فكرة «العروبة» على الصعيد الشعبى والسياسى. إلا أن انقسام البلدان حول الاعتماد على أحد القطبيين الرئيسيين، الأمريكى والسوفيتى، منع أى تكامل عربى اقتصادى أو سياسى. كى تبقى الجامعة العربية قوقعة فارغة لإبراز الخلافات أكثر من خلق التوافقات. وبالنتيجة فشل «الحياد الإيجابى» وتمّت هزيمة المشروع «العروبى» فى نكسة 1967.
لقد بدأ النفوذ السوفيتى بالتقلّص بعد حرب أكتوبر 1973 وانتقل الوزن الإقليمى العربى بعدها من مصر والعراق وسوريا، ونوعاً ما من الجزائر، نحو دول الخليج العربى التى حصلت على فوائض مالية كبيرة بعد «الفورة النفطيّة». وحلّت أفكار «الإسلام السياسى» مكان العروبة، يرافقها انغلاق كلٍّ من الدول العربية على بنائها الداخلى. هكذا انتشرت القواعد العسكرية الأمريكية وساهمت دول الخليج بهزيمة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان ومنها إلى انهياره.
لكن رغم إنشاء مجلس التعاون الخليجى، وتهميش هذا المجلس بصيغته الأقوى نظريا للجامعة العربية، دخلت دول الخليج بمنافسة وتناقضات كبيرة فى توجهاتها فى وقت عملت كل منها على بناء قدراتها الداخلية بشكل كبير. منافسة أوسع من تلك التى طبعت علاقات مصر والعراق وسوريا فى المرحلة السابقة. وفى الواقع، لم تتوحد توجهاتها سوى لمواجهة غزو عراق صدام حسين للكويت، ومن بعده حربا الخليج الأولى والثانية. كى تفتح تناقضاتها المجال واسعا لتوسّع النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية.
ثمّ جاءت «ثورات» وحروب «الربيع العربى» الأهلية، التى أخذت دولا عربية عديدة إلى هشاشة غير مسبوقة ودمار اجتماعى وسياسى واقتصادى. وانفلت النفوذ الخارجى، الأوروبى والإيرانى والتركى والإسرائيلى. هنا أيضا ساهمت منافسة وتحالفات دول الخليج المتناقضة فى إطالة زمن الأزمات والحروب. وكلّف انخراطها فى هذه المنافسة أموالا طائلة ربما تفوق كلف «إعادة الإعمار».
لقد لعبت الولايات المتحدة ضمن إطار هذه التناقضات وتركت جميع القوى تتصارع على النفوذ، مع تمسكها فقط بالسلام الإبراهيمى. هكذا إلى أن قلبت إسرائيل المشهد لتأتى رئاسة دونالد ترامب الجديدة لتعلن أن الحقبة القادمة ستكون... «سلاما أمريكيّا».
• • •
إنّ الدول الخليجيّة، فى علاقتها الجديدة مع الولايات المتحدة، وجدت موضعا لها فى معركة «الذكاء الاصطناعى» العالميّة. وهذا طبيعى لما تملكه من موارد طاقة تمكّنها من أن تكون قطبا ثانيا لها بعد أمريكا. كما وجدت موضعا لها كقوى سياسية وسيطة. قطر وسيطة بين إسرائيل وحماس. وعمان وسيطة بين الولايات المتحدة وإيران وكذلك مع الحوثيين. والمملكة العربية السعودية كوسيطة بين أمريكا وروسيا، وبين أمريكا والسلطة الجديدة فى سوريا.
لكن هل فائض القوة التى تتمتع به اليوم دول الخليج والبناء الداخلى التى نجحت إلى حد كبير فى تطويره سيجعلها تتعاون فى ظلّ «السلام الأمريكى» الجديد لإيجاد موقف... «عربى» يوقف الهشاشة الكبيرة التى تعيشها الدول العربية الأخرى، وكبح الغطرسة الإسرائيلية وتفشى النفوذ الخارجى؟…
إن هكذا تعاون يتمثل فى المساعدة على ترسيخ الاستقرار فى ليبيا ولبنان وإنهاء الحرب فى اليمن والسودان. وهو يعنى أيضا على الساحة السورية إعادة توحيد أراضى البلاد.
فى سوريا اليوم، الولايات المتحدة داعمة قويّة للسلطات الجديدة التى وحّدت مناطق السلطة السابقة كما شمال غرب البلاد. والولايات المتحدة داعمة قويّة لقوّات سوريا الديموقراطيّة (قسد) وللإدارة الذاتيّة منذ الحرب على تنظيم داعش. وهى التى عملت سريعا لتجمع الطرفين على اتفاق بحد أدنى كى تتجنب الانهيار بعيد مجازر الساحل السورى… ودول الخليج أضحت اليوم أيضاً ذات نفوذ لدى الطرفين ذاتهما، وإن كان ذلك ضمن منافساتها وتناقضات سياساتها.

والسؤال الكبير هو هل ستوحّد جهودها لتوحيد سوريا وإنهاء معاناة أهلها؟

لا يُمكِن قيام "سلام أمريكي" فى سوريا كما فى كلّ دول المنطقة الهشّة والخاضعة للحروب دون توافقٍ وتعاونٍ بين دول الخليج فى ترسيخ «سلامٍ عربى» (بالمعنى الأوسع الذى يضمّ الكرد والأمازيغ وغيرهم من الأقوام الشريكة فى المصير) بعيدا عن التنافس العبثى أصلا. ومهما كان الرأى بـ«السلام الأمريكى»، ما يهمّ ألاّ تأخذ التناقضات القائمة إلى هشاشة كالتى حلّت بالبلدان العربية الوازنة سابقا.

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات