جوازات سفر للبيع - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جوازات سفر للبيع

نشر فى : السبت 8 نوفمبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : السبت 8 نوفمبر 2014 - 8:40 ص

نشرت مجلة ديسنت الأمريكية مقالا للكاتب أتوسا آراكسيا ابراهيميان، محرر مساهم فى صحيفة ديسنت، ومدير تحرير فى قناة الجزيرة أمريكا وصحيفة نيو انكوايرى الأمريكية، يناقش فيه القضية الخاصة ببيع الجنسية بمقابل مادى لمن يرغب. يوضح الكاتب أنه فى مارس الماضى، بدأت مالطا قبول طلبات الأجانب الأثرياء المستعدين لاستثمار 1.5 مليون دولار فى البلاد مقابل الحصول على الجنسية المالطية (ومعها كل الفوائد التى تأتى مع الانتساب إلى دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى). وبينما لم يكن البرنامج المالطى الأول من نوعه بأى حال من الأحوال، إلا أنه لقى قدرا هائلا من الاهتمام فى أوروبا لأنه وضع بطاقة سعر على جوازات سفر الاتحاد الأوروبى. ثم فى شهر مايو، قام رجل أعمال يدعى «روجر فير» بإطلاق جوازات مقابل العملة الرقمية «بيتكوين»، وهى خدمة تساعد العملاء على استخدام العملة الرقمية لشراء جنسية دولة «سانت كيتس ونيفيس». وقد ظلت سانت كيتس تبيع المواطنة نقدا لسنوات، ولكنها بفضل رجل الأعمال فير، تكتسب سمعة باعتبارها مكانا للهروب من قانون الضرائب الأمريكى. وبعد انتهاء مسابقة كأس العالم، نشرت صحيفة نيويورك تايمز عن إمكانية تجنيد قطر اللاعبين الشباب من مختلف أنحاء القارة الأفريقية وتجنيسهم لتعزيز أداء فريقها فى كأس العالم 2022. وهناك سابقة لذلك، حيث فى عام 2003، منحت العداء الكينى ستيفن تشيرونو راتبا شهريا مقداره ألف دولار مدى الحياة مقابل تغيير ولاءاته بأن يصبح قطريا، مما حدا به إلى تغيير اسمه إلى سيف سعيد شاهين.

وحتى وقت قريب، كانت المواطنة أمرا لا يقدر بثمن، وامتياز نادر لا يمكن شراؤه أو بيعه. وبدأ هذا التصور يتلاشى مع زياد وضوح الروابط بين المصالح المالية للبلد وسياسات المواطنة فيها. والآن مع دخول شخصية بارزة مثل فير والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى إلى الاستثمار فى جواز السفر، بدأت تنتشر فكرة المواطنة التى يمكن شراؤها وبيعها.

•••

يشير الكاتب إلى أنه منذ فترة طويلة، تميل البلدان، لا سيما الصغيرة منها، إلى الأجانب الأثرياء الذين يحملون أموالا نقدية لإنفاقها. وكانت سانت كيتس رائدة فى هذا المجال، حيث فتحت شواطئها للمستثمرين فى المواطنة عام 1984. والآن، يعتمد ثلاثة من جيرانها فى منطقة البحر الكاريبى «دومينيكا وأنتيجوا، وجرينادا»، بالإضافة إلى قبرص، ومالطا، وبلغاريا نسخا من هذا التشريع، الذى أقر جانبا كبيرا منه فى السنوات الخمس الماضية، لجذب الأجانب الأغنياء. ويعتبر هذا الاتجاه نتيجة لما يقول محامون إنه زيادة الطلب على جوازات ثانية بين كبار الأثرياء على مدى السنوات القليلة الماضية، فضلا عن تباطؤ النمو الاقتصادى فى البلدان التى تسعى إلى جذبهم.

ويشير الكاتب إلى قول «بيتر سبيرو»، أستاذ القانون فى جامعة تمبل الذى يدرس هذه الحركات، «فى العالم القديم، لم تكن مثل هذه البرامج معقولة. أما اليوم، فقد أصبحت عنصرا مقبولا من عناصر سياسة الهجرة الاستراتيجية» ويضيف: «تدحض برامج المستثمرين فكرة أن المواطنة أمرا مقدسا، بالمعنى المدنى، ويعتبر البرنامج القطرى مثالا على شراء جوازات السفر. ويتولى السوق الناشئ فى بيع وشراء المواطنة، تعديل الوضع حرفيا، بحيث صارت الدول تعتبر الهجرة كمصدرا لتجميع المواهب ومركزا للحصول على الإيرادات».

يوضح الكاتب من ناحية كيف أن أنصار طرح المواطنة للبيع والشراء، يرون أنه يخدم الدولة والمواطنين الجدد على حد سواء: حيث تحصل البلدان على النقد أو أبطال الرياضة، فى حين يحصل الأشخاص على حق الحصول على مايقدمه ذلك البلد من عروض. ويمكن أن يشكل جواز السفر الثانى للمستثمرين فى مناطق غير مستقرة سياسيا فى العالم، مخرجا للهروب فى حال سارت الأمور بشكل سيىء فى الوطن الأصلى، على سبيل المثال، كان هناك اهتمام متزايد بهذه البرامج خلال ثورات الربيع العربى.

ومن ناحية أخرى، يؤكد أنه هناك تسليم بأن وضع بطاقة سعر على ما يمثل (على الأقل نظريا) علاقة مدنية ذات مغزى، يعتبر أمرا فجا.

ثم إن تحديد من يسمح له بالدخول ومن يستبعد، حقا سياديا للدولة، ولا تعتبر جميع الدول الإنصاف أولوية عندما يتعلق الأمر بسياسة الهجرة. لذلك فإنه ليس من المستغرب أن يكون من الأسهل عبور الحدود والحصول على الحقوق والامتيازات إذا كنت غنيا، أو على أقل تقدير، إذا كنت تقدم لذلك البلد حافزا ماليا واضحا ليسمح لك بالدخول. وليس من الصعب أن نتصور أن محنة مئات الآلاف من الأطفال المهاجرين من أمريكا الوسطى الذين وصلوا هذا الصيف إلى الحدود الامريكية المكسيكية كانت ستختلف للغاية إذا كان عبورهم سيحقق فائدة اقتصادية فورية لاقتصادات الدول الحدودية. وكان على مالطا أن تواجه هذه الأسئلة المعقدة مع إعدادها لتمرير قانون الاستثمار فى المواطنة عبر البرلمان فى الخريف الماضى. وشكا المدافعون عن اللاجئين من أن مالطا كانت تحتجز المهاجرين القادمين من افريقيا فى قوارب أو ترسلهم إلى إيطاليا، فى حين تمد السجادة الحمراء لأولئك الذين يهبطون من الطائرات الخاصة.

كما أثار القانون انتقادات قوية بين القوميين. واعتبر الحزب القومى المالطى الذى كانت له السيطرة على الحياة السياسية فى السابق، ومنى بخسائر أليمة مؤخرا فى الانتخابات الرئاسية والأوروبية أن الأغنياء الذين سيصبحون مواطنين مالطيين لم يلعبوا دورا مهما فى المجتمع المالطى يكفى لاستحقاقهم الحقوق والامتيازات التى تأتى مع العضوية المدنية والسياسية الكاملة. فضلا عن أنهم لا يحبون الرسالة التى يرسلها البرنامج إلى العالم.

ويميل النصير الأكثر جرأة لهذه البرامج إلى أن يكون مناهضا علنا لسياسة المؤسسة. فقد تخلى روجر فير التحررى الذى أمضى بعض الوقت بالسجن بتهمة بيع المتفجرات على الإنترنت بدون ترخيص عن جنسيته الأمريكية بعد أسبوع من حصوله على جنسية سانت كيتس (دفع الثمن نقدا، وليس بالعملة الرقمية بيتكوين) وهو يؤمن بتغيير الجنسيات عمدا لأنه يجد الحكومات قمعية والحدود بلا معنى. وقال للكاتب فى الشهر الماضى عبر سكايب «خطتى الشخصية لتقويض الحكومات التى تحاول السيطرة على الناس وحياتهم».

ويمكن ان ننظر إلى تأثير المال الكبير على سياسات المواطنة، باعتباره تطورا طبيعيا لما كان يحدث على مدى العقود القليلة الماضية نتيجة لسياسات «دعه يعمل» الاقتصادية: الخصخصة وفروع الشركات فى الخارج، والتفاوت المتنامى فى الثروة نتيجة لذلك. وإذا كان القبول المتزايد للجنسية المزدوجة يتحدى فكرة أن المواطنة تدل على الولاء العميق مدى الحياة لبلد واحد، يطرح ظهور الاستثمار فى المواطنة سبل التراجع واقعيا، عن صدفة الميلاد، عبر وسائل مالية بحتة. وقال روجر فير «نحن جميعا بشر. يجب أن نكون قادرين على الذهاب حيث يحلو لنا طالما أن مالك العقار يوافق».

•••

ويختتم إبراهيميان مقاله بالإشارة إلى منتقدى الحصول السريع على الجنسية بوسائل مالية، والذين يرون أنه مجرد طريقة أخرى لترسيخ امتيازات نسبة الواحد فى المائة العالمية. غير أن أنصاره أكثر مثالية، حيث يرون فى أن إلزام الشخص بجنسية البلد الذى ولد فيه نوعا من التعسف. غير أنه يصعب دحض حقيقة أن قدرة شخص غنى على أن يشترى لنفسه طريقة للخروج من البلاد لا تفيد المليارات الذين يحظر عليهم ترك أماكنهم، سواء كان ذلك بسبب القيود المفروضة على الهجرة أو مجرد الفقر. كما أن القوانين التى تربط صراحة بين العضوية السياسية وتحقيق مكاسب مالية، تنقل إلى الوطن الحقيقة المحزنة وهى أن الحدود مفروضة على بعض الناس أكثر من الآخرين.

التعليقات