غباء - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غباء

نشر فى : الأحد 8 ديسمبر 2013 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأحد 8 ديسمبر 2013 - 9:20 ص

الغباء كثقل الظل لا شفاء منهما. لكن المشكلة أن الغباء عندما يعم يكون مؤذيا بشكل جمعى فقد يقضى على بلد وحضارات وكيانات بأكملها، أما الغلاظة فلا تضر سوى عدد محدود من المتعاملين مع الشخص «السمج» الذى حرمه الله من خفة الدم. وهناك فارق آخر جوهرى بين الصفتين، فالغباء يُنمى، أى أنه قد يزداد على النسبة التى خُلقنا بها، إذ تنخفض نسبة الذكاء مع الوقت بسبب مناهج التعليم التى تكون دائما فى خدمة النظام، فتخلو من الإبداع والخيال، وبالتالى يكون المنتج النهائى «مواطن مسخ» ليس لديه القدرة على التفكير النقدى، وهو ما نعانى منه بشدة، وأطلق عليه الصحفى الشاب محمد توفيق «صناعة الغبى»، وذلك فى كتابه الطريف «الغباء السياسى» الصادر عن دار المصرى. الكتاب فى طبعته الرابعة خلال أقل من عام، وربما يرجع الإقبال عليه إلى أن الكثيرين وجدوا أنفسهم فيه أو شعروا أنه توصيف صادق لما نعيشه من عقود، فهو يقول مثلا: «الغباء السياسى لابد أن يعقبه غباء أمنى، والحاكم الغبى يتعامل مع الأمن باعتباره الحل الأول، والأمثل، والأفضل لكل المشكلات التى يعجز عن إيجاد حل سياسى لها، وهنا يلعب الأمن دور البطولة فى كل الأزمات باعتباره المنقذ والمخلص، وتسود لغته على الحوار، فيصبح المختلف متطرفا، والمعارض خائنا، والثورى عميلا، والرافض بلطجيا، والشعب كله متهما إلى أن يثبت العكس».

•••

هل وجدت تشابها بين الواقع وهذه العبارات القليلة والمقتضبة؟ ماذا يكون شعورك وأنت تقود سيارتك، والشارع يكتظ بالمشاة والعربات والباعة وخلافه، وفى أول الصف يقف شخص غبى لا يعرف القيادة ولا يجيدها فيعطل الطريق، ويعلو صوت آلات تنبيه السيارات كإعلان للنفير العام؟ ألا تستاء من السائق أو عسكرى المرور الذى يقف فى الأمام ويتصدر المشهد دون أن يكون مؤهلا لذلك فيعطل «المراكب السايرة»؟ هذا بالضبط ما يحدث من سنوات، وكأن الغباء صار شرطا للنجاح والبقاء فى مصر فى ظل نظم سلطوية ــ عسكرية تقايض حرية المواطن بأمنه، وتحتكر الوطنية وتوزيع صكوكها، فتحدد كما يقول محمد توفيق «فلان هذا وطنى حقيقى، وعلان هذا عميل خائن». ولكى يكتمل المشهد لابد من الإعلام الغبى الذى يُخدم على المنظومة الغبية، لابد من وجود الشخص الذى يتحول «من نكرة إلى مذيع إلى إعلامى إلى صاحب قناة فى غفلة من الزمن، ويتحدث كما لو أنه عليم ببواطن الأمور (...) مثلما صار كل خبر (بايت) انفرادا وكل تصريح (تافه) حدثا».

•••

الخلفية الصحفية للكاتب تظهر بوضوح، فهو يتحدث عن أشياء يعرفها عن قرب، يلتقط من التاريخ بعض الحكايات والنوادر التى تساعد على فهم ظاهرة الغباء السياسى فى مصر على مر العصور، من قراقوش إلى الخليفة الحمار آخر خلفاء بنى أمية الذى تولى الحكم لمدة خمس سنوات، واسمه بالكامل (مروان بن محمد ابن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية الحمار)... ويذكر توفيق أن الحمار لم تكن صفته وإنما كان لقبه، «فقد كانت عادة العرب أن يلقب كل مائة عام حمار، فلما قارب ملك آل أمية مائة سنة، وجاء مروان فلقبوه بمروان الحمار». وقد حرم هذا الأخير لعبة الشطرنج لأنه لاحظ أن أغلب من يمارسونها من الثوار وأنها أحد أسباب الثورة على بنى أمية.

•••

نشعر بحجم تدهور الحال فى مصر عندما يروى الكاتب واقعة حدثت فى مطلع القرن الفائت، فبفضل دستور 23 استطاع الشيخ عبدالعزيز البشرى أن يسخر من رئيس الوزراء أحمد زيور باشا فى إحدى مقالته، قائلا: «لو أن زيور باشا ركب حمارا فلا أحد سيحدد من هو الراكب ومن هو المركوب». وحين لجأ زيور باشا إلى القضاء، جاء حكم محكمة جنايات مصر بالبراءة، وقالت فى حيثيات الحكم «إن من حق الكاتب أن يسخر من رئيس الوزراء، حيث إن رئيس الوزراء شخصية عامة يجوز للمواطنين أن يسخروا منه»...أما الآن فلا أحد يحتمل النقد، لكن على الأقل نستطيع أن نسخر من أنفسنا لأننا أدمنا وجود الأغبياء الذين يسيرون فى أول الصف.

التعليقات