سر الافتتان الدائم بتوت عنخ آمون - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سر الافتتان الدائم بتوت عنخ آمون

نشر فى : الأربعاء 9 فبراير 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 فبراير 2022 - 8:55 م
نشرت مجلة نيويوركر مقالا للكاتبة كاسى سيب، سردت فى مقالها كيف تم اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، وما قاله المؤرخون والمؤرخات عن اهتمام الملك بالجغرافيا السياسية، وأخيرا كيف استفادت الحكومة المصرية من جولات الملك العالمية للترويج للسياحة ولتمويل بعض الأعمال الأثرية... نعرض من المقال ما يلى.
لماذا لا يزال الكثير منا مفتونًا بالملك توت عنخ آمون بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام من حكمه، وبعد مائة عام من اكتشاف مقبرته فى وادى الملوك.
ينظر بعض الناس إلى الفرعون على أنه كان الأساس لإقامة إمبراطورية مصرية، ويراه البعض الآخر كرمز للمقاومة والثورة؛ ويتم تقديم الآلاف من القطع الأثرية التى تمت استخراجها من قبره على أنها أعظم كنوز تم العثور عليها على الإطلاق.
كان هوارد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، فنانًا من الطبقة العاملة ولد فى لندن عام 1874. فى السابعة عشرة، ذهب إلى مصر لتولى وظيفة إنتاج اللوحات الجدارية والهيروغليفية للمقابر الفرعونية. ومن بين المهام اللاحقة كمفتش للآثار ومشرف على الحفريات، عمل رساما للألوان المائية، وبيعت لوحاته للسياح فى جميع أنحاء الأقصر. كان الأجانب يتدفقون على مصر منذ العصر الرومانى، ولكن فى عصر كارتر، كان التدفق كبيرا واستفاد السياح من شبكة القنوات والسكك الحديدية الواسعة التى تم توسيعها لخدمة مزارع القطن فى مصر، والتى كانت مزدهرة منذ الحرب الأهلية الأمريكية التى خلفت الحاجة إلى موارد جديدة.
كان من بين السياح جورج إدوارد ستانهوب مولينو هربرت، والذى كان مهتما بعلم الآثار. كان يمول رحلات بحث واستكشاف المقابر الأثرية رغم أنه لم يتلقَ تعليما فى علم الآثار أو التاريخ. فى النهاية، تم تقديم هذا السائح إلى هوارد كارتر، وتولى الرجلان معًا التنقيب فى وادى الملوك.
فى السنوات التى تعاون فيها الرجلان، تعاقدا مع مئات العمال، بما فى ذلك الأطفال، للحفر فى الحجر الجيرى والصخر الزيتى للكتل الصخرية التى تم نحت غرف الدفن الملكية فيها.
بحلول عام 1922، كان جورج إدوارد يفتقر إلى المال والصبر، وكان قلقًا بشكل متزايد من أن المقابر الـ 61 التى تم اكتشافها بالفعل كانت كل ما يمكن العثور عليه فى منطقة وادى الملوك. لكن بضغط من كارتر، الذى أمضى أكثر من خمس سنوات فى البحث عن توت عنخ آمون، وافق إدوارد على تمويل موسم آخر من العمل الميدانى. وفى غضون بضعة أشهر، تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون والتى عرفت باسم KVــ62.
فى وقت لاحق من هذا العام، من المقرر أن تفتح الحكومة المصرية المتحف المصرى الكبير الذى تبلغ تكلفته مليار دولار والمقام على ما يقرب من مائة وعشرين فدانًا، والذى سيضم جميع عناصر مقبرة الملك توت عنخ آمون.
• • •
حجم ثروات توت عنخ آمون لا مثيل له لأنه كان من المقابر القديمة الوحيدة التى تم العثور عليها سليمة تقريبًا ــ أو سليمة تمامًا. من القطع الأثرية: خنجر حديدى من المحتمل أن يكون قد صُنع من نيزك بعد الكشف عليه عن طريق الأشعة السينية، بالإضافة إلى اثنتين من المومياوات الصغيرة، أثبت التحليل الجينى أنهما أطفال توت، وكلاهما ولد ميتًا؛ والقناع الجنائزى الشهير المصنوع من الذهب الخالص وهو أثقل من كرة البولينج ولكنه رقيق مثل جلد الثعبان.
كل هذه الثروات لفتت انتباه العالم لأول مرة عن طريق المصور هارى بيرتون، الذى كان، عندما تم حفر القبر، فى مصر يعمل فى متحف متروبوليتان للفنون. وعلى الرغم من توفر الأفلام الملونة، اختار بيرتون الأبيض والأسود، والذى كان يعتبر أكثر علمية.
«توت عنخ آمون بالألوان»، وهو فيلم وثائقى من إنتاج بى بى سى فور، يقدم نسخًا ملونة جديدة من صور بورتون. وقع جورج إدوارد عقدًا مع صحيفة لندن تايمز يمنح الصحيفة حقوقًا حصرية فى الصور من المقبرة، مما أغضب الصحافة المصرية والحكومة المصرية، التى أرادت المزيد من المشاركة فى التنقيب. على مدى السنوات القليلة التالية، حارب الجانب المصرى للسيطرة على الحفريات. أوقف كارتر العمل، وأغلق الموقع وأعلن تصريحا غاضبًا: «نظرًا للقيود المستحيلة والترددات من جانب إدارة الأشغال العامة ودائرة الآثار التابعة لها، رفض جميع المتعاونين مواصلة العمل على الجهود العلمية لاكتشاف القبر». فى النهاية، ألغت الحكومة حقوقه الأثرية. لكن كارتر عاد إلى عمله فى يناير 1925، بعد مفاوضات مكثفة، وفى وقت لاحق من ذلك العام أشرف على افتتاح تابوت توت عنخ آمون.
تشريح جثة المومياء كشف أن الفرعون الشهير صاحب الكنز الرائع لم يكن سوى مراهق. واُعتبر الإعلان عن اكتشاف المقبرة، فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، بمثابة خبر سار وإلهاء، لكن الآن أصبح توت عنخ آمون شخصية حزن وموت مبكر.
فى الآونة الأخيرة، تم تحويل توت عنخ آمون إلى لغز طبى حيث تتراوح التشخيصات بعد وفاته من الملاريا إلى متلازمة مارفان، بجانب روايات عن مقتل الملك الصغير أثارها كتاب لجيمس باترسون، بعنوان «مقتل الملك توت».
• • •
فى كتاب «الكنز: كيف شكل توت عنخ آمون قرنًا»، تكتب المؤرخة كريستينا ريجز عن دور الفرعون فى الجغرافيا السياسية. وتركز بشكل خاص على سلسلة من الجولات العالمية التى نقلت كنوز توت عنخ آمون حول العالم: أولا، فى الستينيات، لجمع الأموال لحماية معابد أبو سمبل فى النوبة من أن تغمرها بحيرة ناصر أثناء بناء السد العالى بأسوان. ثم فى السبعينيات، لجمع أموال إضافية لإنهاء نقل معبد فيلة وترميم المتحف المصرى بالقاهرة. كانت هناك العديد من هذه الجولات فى هذا القرن، بما فى ذلك واحدة، تهدف إلى الاحتفال بالذكرى المئوية لاكتشاف المقبرة، والتى أوقفتها جائحة فيروس كورونا.
اجتذب الملك الفتى حشودًا أكبر من تلك التى اجتذبتها فرقة البيتلز (فرقة روك غنائية بريطانية شهيرة)، محققا مبيعات تذاكر تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. وبحسب ريجز، حاولت الحكومة الفرنسية التكفير عن دورها فى أزمة السويس من خلال معرضها الخاص، فى قصر بيتى، حيث كان الرئيس شارل ديجول يحدق فى القناع الجنائزى الذى كان يظهر لأول مرة خارج مصر.
فى السبعينيات أيضا، عمل توت عنخ آمون كدبلوماسى، عندما عرضت مصر، والتى رفضت سابقًا إعارة أى من كنوزه إلى المملكة المتحدة، بعضا منها فى معرض فى المتحف البريطانى. بعد ذلك، تم إرسال الفرعون فى جولة إلى الاتحاد السوفيتى، تاركًا إدارة الرئيس الأمريكى نيكسون تتدافع رغبة منها فى استقبال كنوز الملك المصرى. ولكن عندما تم إصلاح العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، سُمح للملك الفتى بالعودة إلى أمريكا، عبر سلسلة من المحطات الأثرية فى عهد الرئيس أنور السادات. فى الآونة الأخيرة، أجهضت جولة الملك بسبب الوباء، بغرض الترويج للسياحة فى مصر بعد الربيع العربى.
أكثر من مائة وسبعين فرعونًا حكموا عبر ما يقرب من ثلاثين أسرة لأكثر من ثلاثة آلاف عام؛ فى حين حكم توت عنخ آمون تسع أو عشر سنوات فقط بدءًا من سن الثامنة تقريبًا. كانت إنجازات الملك، التى قام بالعديد منها أحد مستشاريه، بمثابة تغيير وعكس لسياسات والده الثقافية: أعاد طيبة (الأقصر الآن) عاصمة للمملكة، وعاد إلى الشرك (الإيمان بإله آخر) بعد أن روج أخناتون لعبادة آتون فوق كل الآلهة الأخرى.
• • •
ما نتعلمه عن الماضى قليل، وبعض الثغرات فى معرفتنا تخدم مصالحنا الذاتية. نحن معجبون بقناع الموت الجميل لتوت عنخ آمون دون أن نسمع أبدًا عن التدنيس لجسده، والذى بدأ عندما ترك كارتر وفريقه جثة الفرعون لأول مرة لتذوب فى شمس النيل ثم نقعها فى شمع البارافين حتى يتمكنوا من نحتها، قطعة قطعة، وقطع الذراعين لإزالة المجوهرات من الرسغين والأصابع، ثم إزالة الرأس.
العديد من علماء المصريات الأجانب عملوا دون أى معرفة باللغة العربية، وتعلموا الهيروغليفية بقلق شديد، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء ترجمة نتائجهم إلى لغة الشعب المصرى. وخلال العقود القليلة الماضية، عندما قام علماء الآثار بالتنقيب فى شارع أبو الهول ــ وهو طريق سريع قديم يربط بين معابد الأقصر والكرنك ــ اكتشفوا العديد من التماثيل التاريخية من خلال هدم مئات المنازل الحديثة وكنيسة والعديد من المساجد. يمثل هذا التنقيب تكلفة باهظة لسببين: أولا، لأن الزوار يكونون على دراية فقط بما تم اكتشافه أكثر من معرفة ما تم تدميره من أجل القيام بذلك، وثانيًا، لأن الأجيال اللاحقة لن تكون قادرة على دراسة الحضارة الحديثة التى تم محوها للكشف عن الحضارة القديمة.
فى النهاية، شعبية توت تتغذى من خلال آلة ثقافية غزيرة الإنتاج. كان توت عنخ آمون موضوع عشرات الكتب للقراء الشباب. ليس من المستغرب أن ما يلفت انتباههم هو صبى ميت ملفوف مدفون مع كنوز لا حدود لها، واكتشف بعد قرون. لا يجب عليهم ولا أى منا إيلاء اهتمام أقل لتوت عنخ آمون بل يجب أن نجعل قصته والمجال الأوسع لعلم المصريات أكثر جدارة بالاهتمام الذى نوليه لهم بالفعل.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:
التعليقات