انتخابات بمذاق خاص - جميل مطر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتخابات بمذاق خاص

نشر فى : الأربعاء 9 أبريل 2014 - 6:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 أبريل 2014 - 6:30 ص

انتخابات رئاسية بدأت فى أفغانستان وتستغرق بعض الوقت، وانتخابات محلية فى تركيا انتهت بفوز حزب الطيب إردوغان، وانتخابات رئاسية يستعدون لها بصخب شديد فى الجزائر ومصر. الانتخابات فى كل مكان، إلا ان واحدة منها تنفرد بمذاق خاص وطبيعة تكاد تكون نادرة، وأرقام وشخصيات هى بالفعل نادرة.

•••

يعيش فى الهند مليار ومائتا مليون نسمة، يبلغ عدد المسجلين منهم فى سجلات الانتخابات 814.591.184 مواطن، بزيادة قدرها مائة مليون ناخب عن آخر انتخابات أجريت قبل أربعة أعوام. احتوت هذه الزيادة وحدها على 24 مليون ناخب جديد يتراوح عمر كل منهم هذا الأسبوع بين 18 و19 عاما. تجرى الانتخابات فى 930.000 لجنة انتخابية تستخدم حوالى مليون وسبعمائة ألف آلة تصويت إلكترونى وتوظف 11 مليون موظف حكومى انتدبوا للعمل فى هذه اللجان بالإضافة إلى 5.5 مليون متطوع للمساعدة.

•••

أهم القضايا المثارة فى هذه الانتخابات الأكبر والأهم فى تاريخ الهند هى قضية الفساد، حيث يتنافس حزبان، أحدهما قديم والثانى حديث جدا، على تقديم الوعود بالقضاء على الفساد. المنافس القديم، حزب دينى تحول مؤخرا ليصبح حزبا مدنيا بأصول دينية وقومية، يعتمد أساسا فى تمويله على أفراد هم أغنى أغنياء الهند، وبشكل عام على طبقة رجال الأعمال. الحزب الآخر يتمول ذاتيا وبالتبرعات الفردية، ويعتمد على سمعة رئيس الحزب الذى تولى رئاسة الحكومة المحلية للعاصمة دلهى لأيام معدودة حارب خلالها الرشوة. قاد حملة شهيرة نجح خلالها فى إقناع المواطنين بتصوير الرشوة التى يتقاضاها رجال الشرطة وموظفى المدينة من الباعة الجائلين والمواطنين العاديين. ومع ذلك يقول رئيس اللجنة العليا للانتخابات ان هذه الانتخابات تحديدا سوف تقدم الدليل الحى على «قوة المال» فى السياسة الهندية وفى النظام الديمقراطى، ويخلص إلى النتيجة نفسها التى توصل إليها معلقون أمريكيون علقوا على حكم المحكمة الدستورية العليا فى أمريكا الصادر قبل أيام حول قضية تمويل الانتخابات، فأطلقوا عبارة صارت شهيرة « لقد أصبح لكل دولار صوت، بعد ان كانت القاعدة أن يكون لكل ناخب صوت».

•••

تقدر اللجنة العليا للانتخابات فى الهند ان يصل الإنفاق على هذه الانتخابات إلى ما قيمته 4.9 مليار دولار، وهو أعلى رقم بين مختلف الأرقام المتعلقة بتمويل الانتخابات فى الدول الديمقراطية، باستثناء الولايات المتحدة التى بلغ فيها الإنفاق على آخر انتخابات رئاسية فى 2012 مبلغ سبعة مليارات دولار. يعترف رئيس اللجنة الهندية أن التمويل المقرر قانونا لكل مرشح فى الانتخابات البرلمانية الهندية الجارية حاليا ولمدة خمسة أسابيع متتالية، لا يزيد عن 114.000 دولار لكل مرشح، ومع ذلك يتوقعون فى الهند ان يصل الانفاق إلى خمسة أو عشرة أضعاف هذا المبلغ، إذا أضيفت إليه التبرعات الفردية من المواطنين العاديين وبخاصة المغتربين والمساهمات التى وعد بتقديمها كبار رجال الأعمال.

بمعنى آخر، الفساد ممتد ومتمدد حتى فى قلب العملية الانتخابية فى أهم ممارسة ديمقراطية فى العالم.. يقول مرشحون ضد الفساد ان أكثر من 14 مليار دولار دخلت جيوب السياسيين، من نواب ورجال حكم وشرطة، خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم حزب المؤتمر الهندى، أكبر وأقدم أحزاب الهند، وهو الحزب الذى احتكرت قيادته عائلة السيدة انديرا غاندى، وتقول استطلاعات الرأى أن أكثر من 70٪ من الناخبين يريدون إنهاء هذه الوصاية طويلة الأجل من جانب حزب المؤتمر على الحياة السياسية للهند.

•••

تتنافس على مقاعد البرلمان الهندى ثلاثة أحزاب رئيسية هى: حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا وتعنى «حزب الشعب الهندى» وحزب آم آدامى وتعنى «حزب رجل الشارع أو الرجل العادى». الأول يقوده راهول غاندى بإشراف والدته الإيطالية الأصل. يقود الحزب الثانى الزعيم «مودى» الذى يتمتع بشعبية فائقة، مستندا إلى عنصرية بغيضة وكراهية شديدة للمسلمين وغلاظة فى التعبير والحوار، ولكنه فى الوقت نفسه حقق لولاية جوجارات تقدما اقتصاديا خلال فترة حكم حزب بهاراتيا لها، فضلا عن انه يحظى بدعم واحد من أشهر أغنياء العالم، والهند طبعا، وهو السيد امبانى، ومن علامات ثروته الطائلة قصر يملكه فى مدينة بومباى مكون من 27 طابقا وقاعدة صناعية ضخمة. يستند أيضا إلى علاقة متينة مع إسرائيل ومكانتها لدى طبقة رجال الأعمال الهنود. وقد تشكلت اللجنة المشرفة على الحملة الانتخابية للزعيم مودى وحزبه من سبعة أشخاص ويرأسها مغترب بالغ الثراء يدعى ريباك.

يخشى خصوم السيد «مودى» رئيس حزب بهاراتيا جاناتا أن يكون فى نيته بعد فوزه فى الانتخابات الانقلاب على الديمقراطية من خلال البرلمان وإقامة «دولة فاشية هندوكية» تضطهد المائة وثمانين مليون مسلم ومئات الملايين من الفقراء والكادحين الذين يخضعون لأنواع شتى من الاستبداد والتقاليد التمييزية التى تفرضها الديانة الهندوكية.

<<<

الحزب الثالث، أى حزب رجل الشارع، ويقوده زعيم «شعبوى» يدعى كيجريفال، ويتخذ «المقشة» شعارا لحزبه لتأكيد نيته تنظيف الهند من الفساد، ويعلن صراحة أنه فى الحقيقة لا يتحدى حزب المؤتمر أو حزب بهاراتيا بل يتحدى شخص «امبانى» الملياردير باعتباره الحاكم الفعلى للهند. ولا يخفى المعلقون إعجابهم بالتنظيم الشبابى المشارك فى حملة حزب رجل الشارع وكفاءتهم فى الدعاية للحزب والوصول إلى فقراء الهند والعاطلين عن العمل فى بيوتهم.

<<<

لم يفاجئنى، وأنا أتابع انتخابات الهند، أن الانتخابات تحولت من انتخابات برلمانية إلى ما يشبه الانتخابات الرئاسية. السباق الفعلى يجرى بين قادة ثلاثة أحزاب. ولم يفاجئنى، هو الأهم من وجهة نظرى، أن عبارة «الربيع العربى» وجدتها تتردد فى تعليقات المعلقين والسياسيين. أهى الخشية من احتمال وصوله إلى الهند، أم هو الإقرار بأنه وصل؟.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي