«دون كيشوت».. مغردا! - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«دون كيشوت».. مغردا!

نشر فى : السبت 9 أبريل 2022 - 7:05 م | آخر تحديث : السبت 9 أبريل 2022 - 7:05 م

الثقافة «التويترية»، ظاهرة كبرى، من نتاج ثورة التكنولوجيا فى وسائل التواصل الاجتماعى، لها ما لها، وعليها ما عليها.
فى فضائلها تنتشر الكثير من «المعارك» المتلاحقة والشديدة، ومن خلال متابعة الحسابات والمواقع الإلكترونية الأخرى، والردود عليها.
لا يُغرد المرء إلى «ذاته» ولكنه «يُغرد» إلى «غيرة الآخر»، فَيَصل خطابه القصير والسريع، (وربما يتطور فى المستقبل إلى مقال «تويترى») إلى آخرين، يعرف بعضهم، وإلى أكثرية لا يعرفها، وبالتالى، نحن هنا، أمام «منصَات» لحريات تعبير متعددة الأطراف والمشارب والمواقع والثقافات.
إنها «منصَات» متقابلة إن لم تكن فى أغلبيتها مستقطبة أو «متصارعة» سياسيا أو ثقافيا، توِلد موجات لا تنتهى من التوتر والضغوط، وشَغَفْ «التُعقب» وحوار الأفكار وتبادل الصور، فضلا عن السخرية والسباب أو الإشادة والتبجيل.. إلخ.
فى «الثقافة التويترية» الكثير من «جاذبية» الإدمان، فضلا عن مشاعر القلق والتشتت الفكرى، وقد وصف خبراء أمريكيون كثر، تغريدات الرئيس الأمريكى السابق ترامب بأنها «نموذج للشخص الترفيهى والمسلى الغريب»، وخاصة حينما عمل على إدارة سياسة بلاده الخارجية، من خلال «تويتر»، إلاَ أنه هاجم «تويتر» بعد فشله فى الانتخابات الرئاسية، واتهمه «بخنق حرية التعبير عمدا».
يغرق، أحيانا، أصحاب التغريدات السياسية، فى حقول خصبة «للتعاطف غير الواقعى، مع حدث أو معلومة ملتبسة أو سلبية، ويميلون إلى المبالغة والتطرف، وزيادة حدة التناقض مع الآخر المغاير، وعلى سبيل المثال، فإن رئيسا غير عربى، كان يفاخر بوصول عدد متابعيه على موقعه فى «تويتر» إلى أكثر من 14 مليون متابع، إلاَ أنه وصف «تويتر» بالغباء، بسبب حملة الانتقادات التى يشنها ضده معارضوه، عبر منصات التواصل الاجتماعى.
تشكلت فجوة واسعة، ومُشَوشة للرؤية، بين منصات التواصل الاجتماعى، وواقع الحياة فى عالمنا المعاصر، وخلقت شكلا وهميا من الإعجاب بالذات، والمكانة الاجتماعية والسياسية والاستقطاب الأيديولوجى الزائف، وصارت هذه المواقع والمنصات، مصدرا لوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، ومن غير المؤكد، صحة هذه المعلومات أو أهدافها الخفية، أو حتى تأثيرها على خصوصيات الناس وحرياتهم، وبعضها يحمل خطابا للكراهية والعنصرية والصراع العنيف، فضلا عن تزييف الوعى.
ومن أسف، فإن أغلبية البالغين المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعى، يحصلون على الأخبار من هذه الشبكات الاجتماعية، والكثير منها مباشرة من مستخدم فردى أو من بعض متابعيه، وليس من مصادر إخبارية تقليدية، تعتمد الاستقصاء والتحقق وتتحمل أعباء قانونية وأخلاقية لتأكيد صدقيتها.
أتساءل دوما: هل الكلمات المعدودة، التى يقدمها نجوم التواصل الإعلامى والاجتماعى، هى نتيجة تأمُل وصبر وتفكير؟ أم مجرد لحظة انفعال أو هَوَس (دون كيشوت) وهو يحارب طواحين الهواء، بحثا عن أوهام الفروسية؟
عبارات قصيرة، لا تُشع، ولا تجعلك تفتح عينيك دهشة، ولا تعطيك لذة التفكر فيها، نكتُبها وكأننا نركض فى سباق «الماراثون»، تثير ضجيجا فى معظم الأحيان، ولا ترتقى إلى مستوى النقد أو الرؤية الحصيفة العميقة فى بحثها وصدقيتها.
هل هو شَغَفْ مفرط بالإعلان عن (الأنا)، وعلى طريقة الراقصة المصرية الشهيرة، التى أعلنت ذات يوم، إنها بصدد تقديم برنامج تلفزيونى دينى، للوصول إلى جمهور أوسع!!؟
أخشى أن تسهم هذه الثقافة فى تزييف الواقع، وتجريف المعرفة، إلى درجة يصبح فيها الكذب أو الرداءة أو اللا مسئولية قادرة على اختراق الوعى، طالما ظل هذا الوعى غير مسلح بأدوات التحليل والتفكير العلمى والنقدى.
أشفق على جيل الشباب الذى لم يتدرب على مهارات وعلوم تُنمِى حسه النقدى فى تعامله مع مصادر المعلومات وتمييز الغث من السمين، وقراءة النصوص الإعلامية فى الوسائط التقليدية والحديثة، وكذلك برامج التلفزة ذات الطابع الإخبارى أو الإعلانى، ومعرفة أهدافها المستترة، واستنطاق المسكوت عنه فيها، بمعنى تفكيك النص، وفك شيفرة الصورة والمعلومة المنقولة عبر وسائط التواصل.
إنها مهمة وطنية، وأخلاقية فى آن، أن نُطوِر مهارات هذا الجيل، ونرفع كفاءته فى تشخيص وفهم وتقويم الرسائل اليومية المتدفقة والمنهمرة على عقولنا كالمطر، والتى تنتجها وسائل التواصل الاجتماعى.

مفكر عربى من الإمارات

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات