الحكومة ومعركة الرءوس الكبيرة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحكومة ومعركة الرءوس الكبيرة

نشر فى : الأربعاء 9 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

أعترف أننى منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن أصابنى الملل من تكرار أكلشيهات كثيرة وكلها عقيمة. ولكن أظن أن الإكلشيه الأقسى مللا، والأكثر انتشارا على الإطلاق هو أن «الحكومة على وشك الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على نظام الحد الأدنى والأقصى للأجور». وبقيت هذه اللمسات تنقلها حكومة لحكومة ثانية، ويبعث بها مجلس عسكرى لآخر، ويقذف بها نظام لنظام لاحق، ويتعاقب عليها وزراء مالية قاربوا على نصف دستة، يتركها كل واحد منهم على مكتب الوزير التالى له. كل هذا ونحن نلهث وراءهم دون أن نلحق بآخر لمسة من اللمسات الأخيرة.

وأشهد شهادة حق بأن الحكومات المتلاحقة قد نجحت فى ادخال هذه القضية فى متاهات يصعب الخروج منها. فعندما أصدر المجلس العسكرى مرسومه الشهير فى ديسمبر عام 2011 بتحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور. تصور الجميع أننا أوشكنا على الاقتراب من اللمسات الأخيرة من تطبيق هذا المطلب الذى كان شعارا ثوريا منذ اليوم الأول لثورة يناير. وبعدها استدعى الأمر إصدار قواعد تنفيذية من رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى فى أوائل عام 2012، وهو ما حدث بالفعل. فتنفس الجميع الصعداء. أخيرا وصلنا إلى اللمسات الأخيرة.

وعندها اكتشفنا أنه لا بد من صدور كتاب دورى من جهاز التنظيم والإدارة، وها هو الكتاب الذى يحمل رقم (5) لعام 2012 قد خرج للنور. الآن لم يعد بيننا وبين اللمسات الأخيرة شىء. فقد أصبح على كل من يتقاضى مالا عاما سواء كان موظفا دائما أو مؤقتا، أو مستشارا، أو خبيرا وطنيا فى الحكومة أو القطاع العام، أو هيئة قومية أو خدمية، أو رئيس لبنك من البنوك العامة، أو قياديا فى شركات البترول، أوالاتصالات، أو هيئة الشرطة، أوالهيئات القضائية، وأعضاء السلك الدبلوماسى، عليهم أن يردوا ما زاد عن الحد الأقصى.

ويبدو أن اللمسة الأخيرة ليست بالأمر الهين الذى تصورناه. فلابد أن يصدر بعد كل ذلك منشور من وزير المالية يخطر به جميع الجهات بأن تقوم بتنفيذ الحد الأقصى للأجر. وهنا قد وصلنا إلى عام 2013 دون أن نطبق مرسوم المجلس العسكرى الذى صدر فى عام 2011. وقد جاء المنشور الذى أصدره دكتور فياض عبدالمنعم وزير المالية الأسبق واضحا. فلابد على كل عامل حصل على أكثر من الحد الأقصى المحدد أن يرد المبلغ الزائد إلى جهة عمله فى موعد أقصاه 30 مايو الماضى. وعلى الجهة الإدارية أن تسدد هذه الأموال إلى خزانة وزارة المالية فى موعد أقصاه 10 يونيو الماضى.

●●●

ولكن بالرغم من براعة الحكومات السابقة فى تفريغ قضية الحد الأدنى والأقصى من مضمونها باعتبارها بعدا مهما من أبعاد العدالة الاجتماعية. فإننى أشهد على أن الحكومة الحالية هى الأبرع فى كسب الوقت فى حوارات مكوكية ما تكاد تنتهى حتى تبدأ من جديد. فمنذ تشكيل الحكومة الحالية والتصريحات لا تتوقف على أن اللمسات الأخيرة للحد الأدنى والأقصى على الأبواب. وتسارع الحكومة فى عقد المجلس القومى للأجور الذى تباعدت فيه الآراء بين الأطراف الثلاثة الحكومة، والعمال، ورجال الأعمال. ولم تستطع الحكومة أن تستخدم أدوات الضغط التى تملكها فى التفاوض. فكانت النتيجة أن نجح رجال الأعمال فى تعقيد الموقف، بل وتجميده. وحاولت الحكومة أن تخرج من مأزقها فأعلنت أنها ستطبق وحدها الحد الأدنى للأجر عند 1200 جنيه. وتركت العمال وجها لوجه مع رجال الأعمال بدون ظهر، وكأنها تخلى مسئوليتها.

وإذا كانت الحكومة قد أخلت مسئوليتها من الحد الأدنى للأجور، لأنها لم تستطع أن تكون حكما عادلا بين العمال ورجال الأعمال فما هى حجتها فى ترك ملف الحد الأقصى للأجور مفتوحا مع تعريض المال العام للضياع فى مكافآت وحوافز فاقت كل الحدود.

●●●

فقد انتهت منذ ثلاثة أشهر المهلة التى حددها منشور وزير المالية لتقديم كل من حصل على أموال زائدة عن الحد الأقصى بإقرار عن ذلك، وبتسليم الأموال الزائدة إلى خزانة وزارة المالية. فهل تقدم أحد من المستشارين والخبراء وأعضاء مجالس إدارات الشركات، ورؤساء البنوك العامة، ورؤساء الهيئات الاقتصادية والخدمية والعاملين بهيئة الشرطة بإقراراتهم لجهات عملهم؟ لا أحد يقول لنا.

وهل تأكد وزير المالية أن أعضاء مجلس إدارة جهاز تنظيم الاتصالات قد تقدموا بإقراراتهم، والذى يحصل الواحد فيهم على بدل حضور جلسات ولجان يبلغ 61 ألف جنيه شهريا. وهو ما كان سببا مباشرا فى رفض لجنة النقل والاتصالات بمجلس الشورى المنحل اعتماد موازنة الجهاز للعام الحالى؟ وهل تقدم وزير العدل الحالى المستشار عادل عبدالحميد بإقرار حول ما تقاضاه من عضوية الجهاز وغيره من سلسلة المستشارين والخبراء؟

وهل اهتم أحد من مسئولى الحكومة بالتأكد من أن مستشارى مجلس الدولة قد تقدموا بإقراراتهم عما يتقاضونه من مكافآت لانتدابهم فى أجهزة الدولة المختلفة، والتى يتحصلون عليها بالإضافة إلى راتبهم من مناصبهم الرسمية؟ خاصة أن بعض هذه المكافآت قد وصل إلى 480 ألف جنيه لاثنين من المستشارين فى وزارة النقل. وتبين أن هذا يعادل 5% من مكافآت كل العاملين فى ذات الوزارة.

وهل تأكد وزير المالية مما إذا كان رئيس ونواب هيئة ضمان جودة التعليم قد تقدموا بإقراراتهم عن الحد الأقصى لأجورهم؟ خاصة أنه تم تحويلهم للنيابة الإدارية بسبب أنهم تقاضوا 8.5 مليون جنيه مكافآت. وهو ما دعا النيابة إلى المطالبة بتعديل اللوائح المالية التى تحكم أجور تلك الهيئة.

●●●

وإذا لم يكن أى من هؤلاء وغيرهم لم يتقدموا بإقراراتهم، واستحلوا المال العام الزائد عن الحد الأقصى فهل تم تغريمهم كما يقضى القانون؟ وإذا كانوا بالفعل قد تقدموا، وأكون أنا من أساء الظن فيهم، فلماذا لا يخرج علينا وزير المالية ويعلن عن الحصيلة التى دخلت خزانته من تطبيق الحد الأقصى؟

وحتى يحين الزمن الذى تتحمس فيه الحكومة، وتأخذ أمر الحد الأقصى مأخذ الجد، لماذا لا تحذو حذو البنك المركزى الذى أعلن فى يونيو 2011 عن إجراءات للإفصاح عن الدخول الشهرية التى يتقاضاها أكبر 20 رأسا فى كل بنك شاملة البدلات والمكافآت والحوافز، وأن تتم إتاحتها على مواقع الإنترنت. فلماذا لا تعلن الحكومة عن إجراء مثل هذا لنعرف كم من أموالنا تحصل عليه الرءوس الكبيرة؟ حتى من باب العلم بالشىء، ليس إلا.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات