التعامل مع قضية التهرب الضريبى.. إخراج ردىء - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعامل مع قضية التهرب الضريبى.. إخراج ردىء

نشر فى : الأحد 10 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 10 مارس 2013 - 8:00 ص

بذلت ضغطا عاطفيا كبيرا على نفسى، لعل مشاعرى تتحرك تأثرا بدموع الملياردير رجل الأعمال نجيب ساويرس، وهو يحادثنا منذ أيام عن بعد، من منفاه الاختيارى بلندن مع الإعلامى وائل الإبراشى، حول تعلق روحه بمصر واشتياقه إليها.لكن وجدت نفسى  كالحجر لم يلامس مشهد الدموع وهى تملأ عينيه قلبى على الإطلاق. واكتشفت أن عدم تأثرى هو رد فعل تلقائى على تلك المناحاة المنصوبة هذه الأيام للدفاع عن «آل ساويرس» باعتبارهم ضحية للنظام الحاكم الظالم، وأن تبرئتهم من تهمة التهرب الضريبى باتت فريضة وطنية. وإلا يقام على تارك الفريضة هذه، حد معاداة «الساويرسية».  ولكنى أجاهر بالمعصية، فلا أبرئ العائلة من تهمة التهرب حتى يثبت العكس.

 

فتهمة التهرب الضريبى الملاحقة بها شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة ليست مستحيلة التحقق، خاصة أن الإفلات من الضرائب معناه أن يدخل خزانة الشركة المليارات. فلماذا يستبعد فريق (انصر أخاك الملياردير ظالما أو مظلوما) أن تكون الشركة قد لجأت بالفعل إلى قيد أسهمها فى البورصة، بشكل مؤقت، بغرض الاستفادة من الإعفاء الضريبى على عملية بيع قطاع الأسمنت فى الشركة إلى شركة لافارج العالمية. وهو ما حقق لها أرباحا استحقت عليها ضرائب، إن ثبت أن عملية القيد كانت بغرض التهرب من دفع الضرائب. وإذا لم تستطع أجهزة الضرائب إثبات ذلك فتستحق التبرئة من التهمة.

 

•••

 

أما على الجانب الآخر فقد ساهم الإخراج الردىء والأداء الخائب للنظام الحاكم برأسيه الحكومى والحزبى فى تعامله مع قضية  «ساويرس» فى تقديم دليل دامغ يدلل به نجيب ساويرس الابن الأكبر للعائلة والذى يدخل فى قائمة الدستة الأولى للأثرياء العرب، طبقا لمجلة فوربس الأمريكية، على ما قاله فى حواره التليفزيونى من أن ما يحدث مع العائلة هو صراع طائفى، وإن قضية التهرب الضريبى ما هى إلا غطاء له. فلقد اتخذ قرار المنع من السفر لكل من ساويرس الأب وولده ناصف، وتحويلهما إلى النيابة على عجل وهو ما فاجأ المسئولين فى الضرائب أنفسهم والذين كانوا لا يزالون يجرون مفاوضاتهم مع الشركة للوصول إلى تسوية بين الطرفين. وهو ما يرجح أن القرار كان سابق التجهيز، ومعد سلفا بمعرفة من هم فى المستوى الأعلى من ذلك بكثير، والأكثر خيبة هو ما فعله ذات المسئولين بعد تحويل ساويرس وولده إلى النيابة بأيام، فقد طلب رئيس مصلحة الضرائب تحديد جلسة للتفاوض مع الشركة مرة أخرى وهى قيد التحقيقات.

 

وبالطبع اتخاذ قرار بحجم تحريك الدعوى القضائية ضد رجلى أعمال بحجم أنس ساويرس، الذى يتصدر قائمة أغنى أغنياء العالم، بثروة تقدر بمليارين من الدولارات، ويسبقه إلى القائمة ولده ناصف بـ6.5 مليار دولار، بتهمة التهرب من الضرائب، لهو قرار أكبر من أن يأخذه وزير المالية الجديد الدكتور المرسى حجازى وحده خاصة وأنه مازال فى مرحلة الاختبار التى تسبق التثبيت، وهو ما يستوجب عليه بحكم موقعه البيروقراطى، عدم التسرع فى اتخاذ قرارات بمثل هذا الحجم وإلا دفع منصبه ثمنا لها. فالإقتراب من أسر المليارديرات ليس بالأمر الهين، ويحتاج إلى مناصب  تفوق فى أهميتها الوزراء.

 

ولكن لماذا صمت الرئيس مرسى، وهو يرى أن مساعديه قد أحكموا الخناق على آل ساويرس فقط بينما تغافلوا عن الأربع شركات الأخرى، التى كان قد أعلن عنهم فى خطبته النارية فى استاد القاهرة والتى وعد فيها الملايين على الهواء مباشرة بأنه سيسترد من تلك الشركات 100 مليار جنيه سرقوها من  الشعب. سواء الذين حصلوا على أراضى بأسعار بخس أو الذين غيروا نشاطهم. وكيف تناسى الرئيس أنه فى لحظة انفعال عنترية قال وسط تصفيق حاد «سنضع يدنا على الأراضى التى تم الإستيلاء عليها بدون وجه حق». وأطلق هذا الخطاب العنان لكل منا لكى يعتقد أن الرئيس قد حزم أمره بالفعل، وسوف يضرب بيد من حديد مثل التى يواجه بها المتظاهرين على كل من أفسد فى الأرض فى زمن مبارك وما بعده.

 

منا من انتظر أن يفتح الرئيس ملف شركات قطاع الأعمال العام التى تم خصخصتها بفعل فاعل فاسد وأثبتت المحكمة اسمه وعنوانه وقيمه ما سرقه فى أحكام حكمت فيها باسترداد الشركات وعودتها إلى الحكومة. بل وقضت بتحويل من قام بخصخصتها إلى النيابة فما كان من الحكومة إلا أن طعنت على كل تلك الأحكام، رافضة إستلام الشركات. مضت الشهورالخمسة الماضية ولا حس، ولا خبر، لا عن المليارات ولا عن الأراضى ولا عن الشركات ولا عن اليد ولا عن الحق.

 

•••

 

كنت أعتقد أن الرئيس الذى أطلق صفارة البدء فى استرداد المليارات من التى سرقت من قوت الشعب، وبدأها باثنين من أصحاب شركة أوراسكوم، اللذين تعلق فى رقبتهما تهمة التهرب من ضرائب قيمتها 13 مليار جنيه عن عملية استحواذ واحدة فقط. كنت أعتقد أنه لن يفوت الفرصة،  قبل أن يقنع رجال الأعمال الذين يجتمع معهم بشكل دورى فى حضرة السيد حسن مالك القيادى فى جماعة الإخوان المسلمين بتخفيف الحملة الشرسة التى يشنونها على فرض ضرائب على عمليات الاستحواذ فى البورصة. خاصة إذا كانت عمليات الاستحواذ التى تمت منذ ثورة 25 يناير فقط وحتى الآن وصلت قيمتها إلى 25 مليار جنيه. وهو ما يعنى أن هناك عشرات من المليارات قد ضاعت على الدولة، من جراء إعفاء فرضته حكومات ما قبل ثورة يناير وحافظت عليه حكومات مابعدها.

 

فإذا كانت الحكومة فعلا جادة فى الحفاظ على حقوق الدولة لدرجة التفتيش فى دفاتر شركة أوراسكوم التى تعود لخمس سنوات مضت، فالأولى أن تفتش على المليارات الضائعة على خزانة الدولة من إعفاء كافة الأرباح الرأسمالية التى يحققها المضاربون فى البورصة. فهل من العدل ألا تتجاوز حصيلة الضرائب على الأرباح الرأسمالية العام الماضى 100 مليون جنيه. بينما يدفع اصحاب الأجور ضرائب قدرها 16 مليار جنيه؟ بل ومازالت الحكومة  تطرح فرض ضريبة على الكوبونات الموزعة فى البورصة على استحياء دون أن نسمع صوتا حكوميا مدافعا عن تلك الضريبة مقاتلا دونها. خاصة وأن العائد على السهم (والذى يحسب بنسبة الكوبون السنوى الذى يتم توزيعه على المستثمر، منسوبا لسعر السهم الجارى) كان الأعلى فى مصر محققا 10.9% فى يوليو الماضى. بينما كان هذا العائد فى جنوب أفريقيا 3.4%، وفى البرازيل 4.4%، وفى تركيا 2.4% فى نفس الشهر.

 

إذا كنتم تريدون أن تقنعوا الناس أنكم بالفعل لا تتصيدون لهذه العائلة، بينما أنتم غارقون فى العسل مع أقران لكم من رجال أعمال أخرون تقضون معهم أوقاتا سعيدة متنقلين ما بين القاهرة والإسكندرية ومرات أمريكا والصين وألمانيا أو العراق. ولا يعكر صفو جلساتكم حديث عن الضرائب أو عن الجمارك أو عن تشريد العمال أو عن احتكار الأسواق أو عن رفع أسعار أو عن اغراق السلع.

 

•••

 

خلاصة القول أن اللعب مع المليارديرات له أصول وقواعد. ويحتاج الأمر إلى محترفين وليس هواة. وفى هذه الحالات يفيد المرء أن يستعين بخبرة محترف سابق لهو صولات وجولات فى هذا المجال بحجم المهندس أحمد عز. ومن خبراته التى لا تنسى أنه حينما أراد أن يغلق الطريق على أحد المعارضين الأشداء، والذى كان يتأهب لتقديم استجواب ضده حول أحتكاره للحديد أسرع هو بنفسه، وأعد استجوابا، ودفع أحد المعارضين «التفصيل» لتقديمه لمجلس الشعب وتدخل لوضعه على جدول الأعمال ومناقشته على وجه السرعة. وخرج من الاستجواب الأول سالما بفضل معارض من إياهم وأفشل الاستجواب الثانى للمعارض الحقيقى.

 

وزرع أحمد عز وسطكم ليس بالأمر الصعب فما عليكم إلا أن تعدوا تشريعا جديدا يحظر التصالح مع رموز النظام القديم، باستثناء من يقل طول قامته عن متر ونصف وأول حرف من اسمه ألف.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات