فلسطين بين صفقة القرن وحتمية تجديد الشرعية - جيهان فاروق الحسيني - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسطين بين صفقة القرن وحتمية تجديد الشرعية

نشر فى : الثلاثاء 10 مارس 2020 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 مارس 2020 - 9:35 م

لم تثر مبادرة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المسماة صفقة القرن الدهشة، طبقا لما ذكره بعض أركان السلطة الفلسطينية الذين عبروا عن صدمتهم بأن الصفقة هى «خطة إسرائيلية، أعدها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو».
ليس جديدا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء جمهورية أم ديمقراطية كانت ومازالت تتبنى المواقف الإسرائيلية، وليس فقط الإدارة الحالية، لكن الفارق أن الرئيس ترامب يعلن عن مواقفه بشكل مكشوف وبدون مواربة، وإن كان قد تخطى الحدود إلى درجة غير مسبوقة فى تبنيه للمطامع الإسرائيلية التى لا تنتهى، وذلك عندما سلم مقاليد العملية السلمية كلها لصهره ومستشاره جاريد كوشنر، بالرغم من خبراته المحدودة جدا فى هذا الشأن، وتوجهاته الداعمة للاستيطان اليهودى غير القانونى فى الضفة الغربية المحتلة (معروف عن عائلة كوشنر أنها تقدم تبرعات سخية لمستوطنات الضفة الغربية)، ومع الأخذ فى الاعتبار أن الجناح اليمينى المتطرف هو الذى يتسيد حاليا المشهد فى إسرائيل.
كل هذه المعطيات تجعل الصفقة هى النتيجة المتوقعة من الإدارة الأمريكية الحالية التى بادر رئيسها بعد أشهر قليلة من تبوئه منصبه إعلان القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وقام بتفعيل قرار الكونجرس بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى العاصمة واشنطن، وذلك بعدم تجديد ترخيصه (ترخيص عمله كان يجدد كل ستة شهور بقرار من البيت الأبيض)، وكذلك عملت إدارة ترامب على وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ودفع دول أخرى على وقف تمويلاتها للوكالة التابعة للأمم المتحدة فى مسعى لشطب قضية اللاجئين وحق عودتهم إلى ديارهم التى طردوا منها. ولكن هذا لا يمنع أن الدبلوماسية الفلسطينية تتحمل نوع من المسئولية فى هذا الصدد، وبلا شك أن هناك تقصيرا لا يخفى على أحد.
***
وأذكر أنه فى عهد الرئيس المصرى الراحل حسنى مبارك، وأثناء فترة تغطيتى لأعمال الرئاسة المصرية فى عام 1996 ــ وخلال فترة الانتخابات الإسرائيلية ــ أعرب مبارك عن قلقه من فوز تكتل الليكود اليمينى، وقال: «ربنا يستر، لو تسلم الليكود الحكم عملية السلام ستتعقد»، وبالفعل عندما فاز الليكود، وترأس نتانياهو الحكومة الإسرائيلية، قال مبارك آنذاك «الأمور ستتأزم، والعملية ستقف».
وأذكر موقفا آخر فى عام 1997، عندما زار المنسق الأمريكى لعملية السلام فى الشرق الأوسط دينيس روس القاهرة، واستقبله الرئيس مبارك، أبلغ روس مبارك بأنه يحمل معه رسالة من الرئيس الأمريكى فأجابه مبارك متهكما: من؟ الرئيس الأمريكى فى تل أبيب؟! كان ذلك فى عهد إدارة الرئيس بيل كلينتون (المعتدلة)، هذا ما ذكره لنا الرئيس مبارك مدللا على أن الإدارة الأمريكية تتبنى المواقف الإسرائيلية.
«فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى كلينتون (المعتدلة) وعقب محادثات كامب ديفيد عام 2000 تم تهديد الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) من قبل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكى (سى آى إيه) جورج تنت بأنه إذا لم يوافق على العرض الأمريكى المطروح، فسوف تتم مقاطعته من الجميع ومحاصرته وعزله، وهذا ما حدث بالفعل.
وعلى الرغم من تباين مواقف بعض الإدارات الأمريكية تجاه اليمين الإسرائيلى الحاكم، والتى رأت أن مواقفه لا تجلب السلام والاستقرار إلى المنطقة وتتعارض مع المصالح الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن بأى حال، وفى أى وقت، وسيطا نزيها فى العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولن تكن كذلك اليوم أو فى الغد، بل أنها تعتبر الشأن الفلسطينى شأنا داخليا إسرائيليا وبامتياز، ومن يعتقد غير ذلك، فإنه مضللا.
***
إن الخطوة المتوقعة فى هذه اللحظة الفارقة التى أصبحت القضية الفلسطينية فيها على المحك، هى أن يتوجه الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى غزة لطى صفحة الانقسام، لكن طالما أن الرجل لم يقدم على هذه الخطوة، فليوجه دعوة جادة لإجراء انتخابات فى الأراضى الفلسطينية... مسئوليته تحتم عليه ذلك. إذ أننى أعتقد أن العمل على استعادة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هو المخرج الوحيد والجاد من أجل مجابهة هذه الصفقة التى لم تقم وزنا لأى من قرارات الشرعية الدولية، فانتهكت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، بل وسحقتها.
لا يوجد مبرر لتعطيل إجراء الانتخابات بسبب رفض سلطات الاحتلال الإسرائيلى إجرائها فى القدس الشرقية، لقد تم إجراء انتخابات فى القدس ثلاثة مرات منذ قيام السلطة الفلسطينية، فى عام 1996، 2005، 2006، ويمكن اليوم إجراء الانتخابات عبر البريد الإلكترونى، قطعا يمكن التوصل إلى حل يكفل لأبناء القدس المشاركة فى الانتخابات.
الشارع الفلسطينى فى كل من الضفة وغزة يغلى، وبات على وشك الانفجار بسبب الأزمات المتتالية التى يعيشها، فى الضفة الغربية... السلطة الفلسطينية باتت أداة بيد الاحتلال، وفى غزة الناس مخنوقين بسبب الحصار المفروض عليهم بسبب سيطرة حركة حماس على غزة، ورغم ذلك فإن «حماس» لا تتورع عن حل أزمتها المالية على حساب أبناء غزة.
وبالرغم من أن الرئيس الفلسطينى يتحدث علنا عن لقاءاته الدورية مع رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلى، وتوافقه معه فى معظم القضايا، إلا أن سلوكيات حركة حماس ليست فوق الشبهات، فما يتم تسريبه من حين إلى آخر أخبار، يثير الشكوك... على سبيل المثال، استعدادها لإبرام تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل استمرار سيطرتها على غزة. هذا يجعلنا نتحسب ونخشى من صحة ما يتردد حول «أن الدولة الفلسطينية المقبلة ستكون فى غزة»، خصوصا بعد أن أعلنت إسرائيل عن مطامعها فى الضفة الغربية التى تسيطر على نحو 81% من أراضيها، وأصبح ضمها للمستوطنات هناك، مجرد وقت.
لا شك أن الرأى العام الفلسطينى بات ينظر إلى العديد من القيادات الفلسطينية فى كل من رام الله وغزة، على أنهم يغلبوا مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية، فى حين أصبح الهم الأكبر للفلسطينى هو تدبير لقمة العيش لأسرته، بعد أن كانت قضيته الوطنية هى التى تترأس أولوياته. لقد آن الأوان لتجديد الشرعية، يحق للشعب الفلسطينى أن يختار بملء إرادته قيادة جديدة منتخبة منحازة له، تعبر عنه بصدق وإخلاص.

صحفية من واشنطن

جيهان فاروق الحسيني صحفية من واشنطن
التعليقات