مصرع نزار بنات وحتمية التغيير - جيهان فاروق الحسيني - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصرع نزار بنات وحتمية التغيير

نشر فى : الأحد 11 يوليه 2021 - 7:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 يوليه 2021 - 2:47 م
ليس جديدًا ما يتعرض له المواطن الفلسطينى من عنف وقمع وملاحقات أمنية فى الضفة الغربية المحتلة من عناصر الأجهزة الأمنية، التى لا تقوى على مجابهة قوات الاحتلال الإسرائيلية، ولو حتى من أجل الدفاع عن نفسها أو الثأر لعناصرها الذين يستهدفهم جيش الاحتلال؛ فهو يستبيح الضفة الغربية ويقتحم مدنها وقُراها وقتما يشاء، كى يعتقل أو يقتل، فتنسحب عناصر الأمن الفلسطينى وتتوارى عن الأنظار غير عابئة بالمصير الذى سيلقاه هذا الفلسطينى أو ذاك على يد قوات الاحتلال، بل إنها أحيانًا تشاركه فى عمليات مطاردة المطلوبين إسرائيليًا، وفى أحيان كثيرة تمدهم بمعلومات عن مكان اختباء المقاومين.
باختصار.. الأسلوب الوحشى الذى استخدمته الأجهزة الأمنية الفلسطينية فى اعتقال الناشط السياسى المعارض نزار بنات، بدءًا من اقتحامها للمنزل الذى لجأ إليه فى ساعات الفجر المبكرة بقوة ضخمة تتكون من حوالى 27 ضابطا وعنصرًا أمنيًا، ومن ثم ضربه المبرح على رأسه أثناء نومه بالهراوات المعدنية ورش وجهه بغاز الفلفل وتجريده من ملابسه وسحله، كل ذلك يعكس نهج عناصر الأمن الفلسطينى فى التعامل مع المواطن، فهم يستهترون بحياته ولا يكترثون بها، ولا يوقفهم أى رادع قانونى أو أخلاقى، والدليل أن عملية اعتقال الشهيد نزار بنات، جرت بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلى التى تسيطر على المنطقة التى كان نزار بنات مختبئا فيها.
لا شك أن مقتل الشهيد نزار بنات، هو الشرارة التى فجرت مشاعر الغضب بين الناس فى وجه السلطة الفلسطينية، لتقول لها (كفى)، وخاصة أنها أتت فى فترة احتقان سياسى واقتصادى لدى الشعب الفلسطينى، سلطة منفصلة عن مواطنيها تمامًا تنتهك الحقوق، وتكمم الأفواه، فمن ينتقد أو ينشر تعليقًا على مواقع التواصل الاجتماعى يعترض خلاله على سياسات السلطة أو يمس أيًا من رموزها، يتعرض للمساءلة القانونية وقد يعتقل ويتم التنكيل به، والأدهى والأمر إن كان هذا المواطن يعمل موظفًا لدى السلطة، فسوف يزداد مصيره سوءًا، إما بقطع راتبه أو بفصله نهائيًا.
•••
كان الشهيد نزار بنات معبرًا عن لسان حال معظم الشعب الفلسطينى، كان يتحدث بصراحة عما يهمس به الناس فى غرفهم المغلقة، يعلن بجرأة عن آرائه بكامل حريته، ولم يستجب للابتزاز أو المساومة، كان مسالمًا لا يملك سوى الكلمة. ورغم ذلك عومل كإرهابى، لكن معارضته ازدادت حدة بعد إعلان الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن) عن إرجاء عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية، فلقد كان بنات مرشحا للانتخابات التشريعية التى كان مفترضا إجراؤها فى مايو الماضى عن قائمة «الحرية والكرامة».
لم يلتزم بنات الصمت وتقدم بشكوى للاتحاد الأوروبى ضد السلطة، وتحدث صراحة عن أن الرئيس الفلسطينى استخدم «القدس» ذريعة من أجل إلغاء الانتخابات وليس فقط إرجاؤها، وأن من يعترض سيتم تخوينه، كون «القدس» تحتل مكانة متميزة فى وجدان كل وطنية ووطنى حر، وكل فلسطينية وفلسطينى يعتبرها عاصمته الأبدية.
معظم الشعب الفلسطينى يدرك أن القدس كانت حجة واهية وأن قول الرئيس الفلسطينى حق يراد به باطل، فالرجل ليس ملتفتًا لمدينة القدس. ولو أن القدس تعنيه حقًا، لتصدى للمخطط الاستيطانى المستعر حاليًا، والذى يهدد جميع الأحياء المقدسية، ولجعل من قضية القدس معركته المركزية على الصعيد المحلى والإقليمى والدولى، لكن الواقع أن أهل القدس يجابهون هذا التغول الاستيطانى بمفردهم، بينما السلطة تخاذلت عن نصرتهم.
والحقيقة التى يعلمها القاصى قبل الدانى هى أنه لو خاضت حركة فتح الانتخابات فإنها لن تحصل فى أحسن الأحوال على الأصوات الكافية التى ستجعلها مستمرة على رأس هرم السلطة، ومن ثم فلقد نجح أبو مازن فى مساعيه لإلغاء الانتخابات ليظل مستحوذًا على جميع السلطات فى قبضة يده منذ أن حل المجلس التشريعى، بمخرج قانونى صورى، صاغه له ترزية القوانين.. وما أكثرهم!
•••
بات جليًا أن مقتل الشهيد نزار بنات، كسر حاجز الخوف فى الضفة الغربية، فخرج الفلسطينيون على اختلاف انتماءاتهم فى مسيرات احتجاجًا على مقتله، وهتفوا مطالبين برحيل الرئيس عباس.
عبر القيادى الفلسطينى الأسير مروان البرغوثى عن رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية عن حركة فتح، ليقدم نفسه «مانديلا فلسطين» ويستنهض الروح النضالية لدى الشعب الفلسطينى، وطلب من الرئيس الفلسطينى أن يدعمه، لكن أبو مازن رفض طلبه!
والسؤال هنا.. ماذا ينتظر هذا الرجل؟!، لقد كانت الانتخابات مخرجًا مناسبًا له كى يخرج بكرامته.
معظم الشعب الفلسطينى يرى أن هذه السلطة لا تمثله، وأنها مؤسسة من مؤسسات الاحتلال ترتهن بإرادته، ناهيك عن قضايا الفساد التى تزكم الأنوف، ووراء كل قضية يتم تشكيل لجان تحقيق وهمية، لأن السلطة ضالعة فيها، منها على سبيل المثال، قضية تسريب منزل آل جودة فى البلدة القديمة بالقدس للمستوطنين، وهذا العقار تاريخى ويقع على بعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى، ولقد تم تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات وملاحقة المتورطين فيها، ولكن لم ينتج عنها شيء، بل تم حماية الشخص الذى سرب العقار للمستوطنين والذى تربطه علاقات قوية بشخصيات أمنية فلسطينية نافذة.
واللافت للأمر أنه خلال الحرب الأخيرة التى شنتها إسرائيل على غزة، هبت جميع المناطق الفلسطينية نصرة لغزة، باستثناء الضفة الغربية، وعندما خرج الشباب للتظاهر ضد هذا العدوان الإسرائيلى، تم قمعهم واعتدت عليهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
لقد أصبح المستفيدون من هذه السلطة فئة محدودة بعينها، فتجد الذى يطلقون عليه قياديا، عضوًا فى اللجنة المركزية بحركة فتح، هو ذاته عضوًا فى اللجنة التنفيذية، هو ذاته وزيرًا وربما يشغل موقعًا متميزًا فى السلطة، وبالطبع كل منصب له امتيازاته ومخصصاته المادية.
•••
منذ قرابة الثلاث سنوات وخلال آخر زيارة لى إلى الأراضى الفلسطينية، ذهبت من رام الله إلى القدس بسيارة أجرة، فأوقفنا شرطى تابع للسلطة عند الحاجز الفلسطينى، وطلب من السائق أوراقه بفظاظة وبلهجة آمرة، وفور مغادرتنا هذا الحاجز قال لى السائق مملوءًا بالحسرة: «ساق الله على أيام الاحتلال»، هذه العبارة التى سمعتها من عدة أشخاص خلال زيارتى القصيرة أصبحت مألوفة!!.. وهى تشير إلى القهر والإحباط لدى الشعب الفلسطينى عامة.
الفلسطينى الذى واجه الدبابة بحجر ومازال يتصدى بصدره العارى لرصاص الاحتلال، لديه اعتزاز كبير بكرامته، ولا يقبل أن يتحكم به أحد.. مازلت أتذكر جيدًا (فى عام 1979) عندما التقيت الزعيم الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) فى منزل شقيقته بالقاهرة، وقال لى أثناء جلسة ودية: «أنا لا أحسد على مكانى هذا، فالشعب الفلسطينى كله زعامات» بمعنى أن الفلسطينى لا يقبل أن يتعالى عليه أحد.
بحكم نشأتى الأسرية لم أكن بعيدة عن الشأن الفلسطينى، وكنت أرى كيف أن القيادات والشخصيات الوطنية الفلسطينية البارزة، تبذل كل ما فى وسعها من أجل خدمة أبناء وطنها.. الوطن هو بوصلتهم، كانوا يضحون من أجله بالجهد والمال، لكننا اليوم نرى قيادات محسوبة على الشعب الفلسطينى زورًا وبهتانًا، لا تصلح أن تكون عنوانًا له، قيادات تنهب ثرواته وتكدس أمواله فى حسابات خاصة بها وبأفراد أسرتها، بينما الشعب يعانى الفقر والبطالة، فالوظائف ليست متاحة إلا للمحاسيب بغض النظر عن إمكانياتهم وكفاءاتهم.
وبالرغم من أن حالة منظمة التحرير الفلسطينية مهلهلة وتحتاج لإصلاح جذرى وإعادة بناء فى جميع هياكلها ومكوناتها كى تسترد مكانتها وتكون بحق ممثلا للشعب الفلسطينى، إلا أن القيادة الفلسطينية لا تزال تستخدمها كورقة توت، لذلك الكثير يعتبر المنظمة «مخطوفة» ولا تصلح أن تكون عنوانًا فلسطينيًا يجمع الشعب الفلسطينى جميعهم بدون عقد انتخابات نزيهة وشفافة فى سائر مؤسساتها.
لا أرى مخرجًا للمأزق الذى تمر به الحالة الفلسطينية إلا بإسقاط اتفاق «أوسلو»، لقد تم توقيع الاتفاق بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لكن الواقع أنه فى ظل هذا الاتفاق تراجعت القضية الفلسطينية كثيرًا، وسلبت إسرائيل المزيد من الأراضى الفلسطينية، وأقامت الجدار العازل على الأراضى التى استولت عليها من الفلسطينيين، وسرقت المياه وكرست الانقسام، ورغم كل هذا الكم من الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لتعهداتها، لم تحرك السلطة ساكنًا، ولا تزال مستمرة بالتعاون الأمنى مع سلطات الاحتلال، ويبدو أن استمرار القيادة الفلسطينية على رأس السلطة مرهونًا بالقيام بواجباتها الأمنية تجاه إسرائيل تحت غطاء التنسيق الأمنى، ولو من جانبها فقط.
لقد أصبح لدى معظم الشعب الفلسطينى قناعة بأن هذه السلطة لن تجلب لهم دولة، بل إنها العائق الأكبر أمام قيام دولته التى ينشدها.
لا تعانى الفلسطينية والفلسطينى فى الضفة الغربية فقط من سوء إدارة قياداته، فالديمقراطية مُعلقة فى جناحى الوطن، وهناك ممارسات متشابهة فى قطاع غزة.
وبالرغم من أن الأوضاع المعيشية والإنسانية فى غزة كارثية، إلا أننا نسمع عن الحياه المرفهة التى ينعم بها أبناء بعض قادة الصف الأول فى حركة حماس! لذلك المواطنة والمواطن الفلسطينى لا يعطى مصداقية لهذا الطرف أو ذاك.
حركة فتح تعمل جاهدة من أجل أن تظل على رأس السلطة فى الضفة الغربية المحتلة، بينما حركة حماس تريد الاستحواذ على القرار الفلسطينى، وتخشى أن تفقد سيطرتها على قطاع غزة.
لم يعد الوطن هو الغاية، وبات الاصطفاف السياسى ظاهرة فلسطينية، فالمكاسب الفصائلية هى المحرك الأساس لدى كلا الجانبين.
وأخيرًا، يستحق الشعب الفلسطينى بتاريخه النضالى العريق وتضحياته الأسطورية أن يختار قيادته سواء فى الضفة أو فى قطاع غزة، «قيادة تمثل الكل الفلسطينى».
جيهان فاروق الحسيني صحفية من واشنطن
التعليقات