عودة الحروب المقدسة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عودة الحروب المقدسة

نشر فى : السبت 10 أكتوبر 2015 - 9:45 ص | آخر تحديث : السبت 10 أكتوبر 2015 - 9:45 ص

تعبير « الحروب المقدسة» تعبير متناقض فى ذاته. فالحروب تعنى عداء وضغينة ورفضا للآخر بل وانتقال هذه المشاعر من الذهن والضمير إلى الواقع الفعلى وذلك بقتال العدو وسحقه بكل وسيلة ممكنة. ومن أهم ما تعلمناه من فلاسفة الحرب تعبير « شيطنة العدو»، أى لكى تجعل جيشك لا يتخاذل فى القتال ولكى يصبح مستعدا لأن يموت فى سبيل المبادئ التى يقاتل من أجلها هى أن تنجح فى تحويل العدو فى نظر جنودك إلى شيطان رجيم. يجب عدم مهادنته بل قتاله حتى يفنى من الوجود، لأن مجرد وجوده شر وخطيئة وعامل انتشار الفساد والإلحاد والكفر فى العالم. لذلك نجد أن إدارة الشئون المعنوية الملحقة بالجيوش لرفع معنويات الجنود تحرص على استضافة رجال دين من المشهورين ولهم شعبية ضخمة ومصداقية ليقوموا بمثل هذه المهمة خاصة اثناء الاستعداد للحرب وهوما فعله جورج بوش أثناء غزوه للعراق وما فعله صدام فى مواجهة الجيوش الامريكية وما فعله عبدالناصر والسادات فى الحرب ضد الصهاينة وما فعلوه الصهاينة فى حروبهم ضد العرب.
والسر فى ذلك ان رجال الدين هم وحدهم القادرون على استخدام الكتب المقدسة لتكفير وشيطنة العدو. والذى يدعو للعجب بل والسخرية أنها نفس الكتب المقدسة المستخدمة على الناحيتين (التوراة والإنجيل والقرآن) فكيف يكون هذا؟ فالعدو ليس عدوا فقط لأنه يعتدى على الوطن ويريد ثرواته أو السيطرة والتوسع فكل ذلك لا يكفى لدحره، لكن المطلوب من أصحاب القرار السياسى أن يصبح العدو عدو الدين بجوار عدائه للوطن. وهذا يعنى أن لا دين له حتى لو كان ينتمى إلى دين ما، فهو يفهم دينه خطأ، بل هو كافر وملحد حتى لو كان يدعى أنه يهودى أو مسيحى أو مسلم، حتى لو رفع فى حربه التوراة أو الإنجيل أو القرآن، لأن الذى يحاربهم هو الذى يدرك المعنى الصحيح للكتب المقدسة، واعداؤهم هم المدعون بالدين.
***
هكذا نجد أن الجماعات المتطرفة تدعى أنها تملك الإسلام الصحيح وتحارب لأجل رفعته والدول التى تحاربها تدعى نفس الادعاء. كذلك الموقف بين الشيعة والسنة؛ ففى الحرب بين صدام والخومينى فى الثمانينيات من القرن الماضى قام صدام بزرع الغام بطول الحدود حتى لا يتقدم الجيش الإيرانى وهنا قام الامام الخمينى بالقاء خطبة الجمعة طالباَ من مستمعيه أن يقدموا أطفالهم ليسيرواعلى الألغام فداء للجيش، وكان يضع فى رقبة كل طفل سلسلة بها مفتاح الجنة. وقد حدث ذلك بالفعل واكتشفوا فيما بعد ان هذه المفاتيح محفورعليها (صنع فى كوريا). وعندما دخل بوتين دائرة الحرب رفعت الجماعات المتطرفة وصحفها والفضاء الإلكترونى إتهام بوتين بأنه شيوعى لا دين له (وهذه حقيقة) والدين يدعو إلى محاربته وهزيمته إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية سارعت بإصدار بيان باسم البطريرك كيريلوس أعلنت فيه دعمها الغارات التى تنفذها المقاتلات الروسية فى سوريا واعتبرت أن حرب بوتين «حرب مقدسة » ضد الإرهابيين، وهكذا وكأن الكنيسة تدعم النظام الشيوعى وتعتبره مقدسا فى تحالفه مع الأسد وإيران وحزب الله وهذا هو الحلف المقدس مقابل الحلف الشيطانى الذى تمثله الجماعات الإسلامية على أرض سوريا ومن يدعمها من دول عربية وتركيا وأقليات علوية وزيدية وأكراد ومسيحيين.
هكذا تدخل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كطرف فى حلف سياسى وطائفى فى المنطقة. هذا المنطق ليس جديدا وأول من قام به فى العالم المسيحى كان الإمبراطور قسطنطين إمبراطور روما الذى اعتنق المسيحية نتيجة حلم ادعى أنه قد حلم به إذ رأى صليبا وسمع صوتا يقول له «سوف تنتصر بهذه العلامة» وهكذا أعلن فى الصباح أن المسيحية ديانة تابعة للإمبراطورية وأرسل فى أرجائها أمرا أن ترد للمسيحيين بيوتهم و أملاكهم والمسجونون منهم يحررون ويسمح لهم ببناء الكنائس وحرية العبادة، وعندما اختلفت الكنيسة الغربية مع الكنيسة الشرقية فى القرن السادس حول طبيعة السيد المسيح حيث آمنت الكنيسة الشرقية بأن المسيح له طبيعة واحدة ومشيئة ( إرادة ) واحدة إلهية إنسانية لم ينفصلا إطلاقا وهما ممتزجتان وآمنت الكنيسة الغربية أن السيد المسيح له طبيعتان ومشيئتان.. طبيعة إلهية وإرادة إلهية وطبيعة إنسانية وإرادة إنسانية وهاتان الطبيعتان لم تمتزجا وبالتالى فالذى تألم وجاع وتعب ونام.. إلخ.. هوالإنسان يسوع بن مريم العذراء وليس الله. إلا أن هذا الاختلاف الذى لا يمكن حسمه لأنه غير مرئى دعا فيه قسطنطين لحرب مقدسة ضد الكنيسة الشرقية فشرد البابا بنيامين وهدم كنائسه وأعطاها للأقلية التى تؤمن بالطبيعتين وقد أعاد عمرو بن العاص البابا بنيامين إلى كرسيه بعد دخوله مصر. ثم كانت الحروب الصليبية فى القرون الوسطى حروبا مقدسة بادعاء تحرير القدس والأماكن المسيحية المقدسة وبالطبع كان هذا الادعاء لا علاقة له بالواقع لكن بسبب حروب الأمراء فى أوروبا بين بعضهم البعض والأزمة الاقتصادية الطاحنة جيشوا الجيوش ورفعوا الصليب ليقتلوا به الآخرين بادعاء الحرب المقدسة.
***
وفى العصر الحديث رحب المسلمون والمسيحيون بدور البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان الاسبق فى تحالفه مع رونالد ريجان رئيس أمريكا لإسقاط الشيوعية والاتحاد السوفيتى وقام البابا يوحنا بزيارة بولندا مسقط رأسه ليؤيد ثورة العمال لإسقاط الشيوعية وتأييد فاليسا قائد الثورة فى ذلك الوقت وقد اعتبر العالم المسيحى والإسلامى أنها حرب مقدسة ضد الشيوعية والإلحاد وكان نتيجة ذلك أن قيادات الحزب الشيوعى الملحد فى روسيا قررت التخلص من البابا يوحنا فقامت المخابرات السوفيتية بإرسال عنصر مدرب من تركيا يدعى محمد على أقجا أطلق النارعليه فى بلدة فاطمة فى البرتغال وأنقذ بإعجوبة بعد عملية جراحية صعبة استمرت لخمس ساعات، وقام البابا بعد شفائه بزيارة المتهم فى السجن وبعد الزيارة أعلن العفو عنه. ولقد بدأ البابا يوحنا فى التوسط لحل الأزمة الأمريكية الكوبية وقد استكمل جهده البابا فرنسيس الثانى مما دعا أوباما رئيس الولايات المتحدة لتحطيم كل البروتوكولات واستقبال البابا فى المطار خاصة بعد تصريح ترامب المرشح لرئاسة أمريكا بأنه يرفض أن يرأس أمريكا رجل مسلم أومن أصل إسلامى وأيضا بعد تأييد أوباما لزواج المثليين مما أثار المحافظين الدينيين عليه خاصة القس بيللى جراهام أشهر رجل دين أمريكى وكان مستشارا لجورج بوش أثناء غزو العراق والذى فى تعرضه لتشجيع أوباما للمثليين وزواجهم صرح قائلا: « علينا إذن أن نطلب من الله الاعتذار لسدوم وعمورة ــ و هما مدينتان اشتهرتا باللواط ــ فأرسل الله ملائكة أخرجت لوطا وعائلته من المدينة وتم إحراق من فيها من بشر وحيوانات وزرع.
***
أليس من الغريب أن نرى فى بلادنا رموزا دينية تؤيد القرارات السياسية فتعطيها الصبغة الدينية وعندما يسألون يقولون « لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين » وأن هذا نوع من الوطنية. عزيزى القارئ هل عادت الحروب المقدسة إلى عالمنا المعاصرأم أنها لم تفارق البتة ؟!

 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات