فُرص الاقتصاد الإبداعي - منى أبو النصر - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 8:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فُرص الاقتصاد الإبداعي

نشر فى : الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 - 8:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 - 8:05 م

وسط التدفق الملحوظ لأخبار الحركة الثقافية أخيرًا، قلما نتوقف أمام مصطلح مثل "اقتصاد الإبداع" على الرغم من كونه أحد أعمدة الاقتصاد العالمي وسوق واعد للأيدي العاملة، ويكفي أن نتأمل كيف يمكن أن يتحول الإبداع الشخصي من حيزه المحدود إلى حيز جماهيري كالذي تُمثله اليوم "والت ديزني" كواحدة من أبرز الكيانات الفنية والاقتصادية العالمية على السواء، التي تصل قيمتها السوقية إلى نحو 234 مليار دولار، وهو رقم ربما يفوق ميزانية دول بأكملها.

يتسع الفضول حول آليات هذا الاقتصاد الإبداعي، أو بالأحرى كيف يمكن لرواد الأعمال العاملين في القطاع الثقافي أن يتملكوا أدوات السوق والاقتصاد التي تعمل لصالح الإبداع، خاصة أن منابرنا تفتقر للتناول الجاد لهذا الملف، رغم أن مفارقات مدهشة يمكننا استنباطها إذا علمنا أن مصر بكل مواردها وتراثها الجم، لم تنجح إلى اليوم في الحصول على تمويل من صندوق اليونسكو الدولي للتنوع الثقافي المنشأ ضمن اتفاقية ٢٠٠٥ لحماية وتعزيز أشكال التنوع الثقافي، فعلى الرغم من الزخم الإبداعي لدينا إلا أن تقنيات التقدم لمثل تلك المنح هي واحدة من الآليات التي تعتمد على الخطوات العلمية وليس فقط الإبداعية، خاصة أن المنافسة على الدعم من تلك الجهات المانحة تكون على أشدها.

ولعل تلك الآليات هي واحدة من التقنيات التي يقوم برنامج "كرييتيف سيركلز" لدعمها علميًا ومعرفيًا، وهو البرنامج الذي فازت به أخيرًا وزارة الثقافة المصرية لأول مرة في تاريخها بمنحة مجموعة معاهد الاتحاد الأوروبي الوطنية للثقافة يونيك EUNIC ممثلة فى معهد جوتة، ويعد هذا البرنامج أول حاضنة أعمال لشباب رواد الأعمال في المجالات الثقافية والإبداعية فى مصر، ومن عوامل الجذب في هذا البرنامج أنه اختار أن يقدم محتوياته التدريبية للمشاركين في صورة محاكاة لرحلة رائد أعمال إبداعي، بداية من تحديده لفكرة مشروعه وحتى مراحل التمويل والتنفيذ، وذلك عبر محاضرات تفاعلية للمشاركين تجمعهم بعدد من الخبراء الأكاديميين والمحترفين في مجال ريادة الأعمال، منهم الدكتور محمد عبد الدايم، مؤسس ومدير مشروع "كرييتيف سيركلز"، والدكتور وائل شمس الدين، والدكتور خالد حافظ، والدكتور أشرف شعراوي، والدكتور محمد لبيب، الذين يقدمون مبادئ في ريادة الأعمال الثقافية والابداعية ، والإدارة المالية، وتسويق البضائع والخدمات الثقافية، والتواصل، وإدارة العلامات التجارية، والإدارة الاستراتيجية.

شاركت في هذا البرنامج التدريبي الذي اختتم دورته (رحلته) الأولى مؤخرًا، ولفت نظري تلك الفجوة المعرفية الكبيرة بين إدراكنا لمفهوم الإبداع وبين مفهوم الصناعات الإبداعية وتحدياتها الاقتصادية، ولأن الصناعة الثقافية لها طبيعتها وخصوصيتها، فإنها تحتاج لحلول لتصميم خطط تسويقها، ولحسن الحظ فالثقافة والإبداع عالميًا أصبحا من أبرز الصناعات في العالم القادرة على تحقيق نمو اقتصادي، ولكن تقنيات الإدارة الثقافية الغائبة عند صُناعه هي ما قد تجعل مشروعًا واعدًا في صناعة النشر حبيس الأدراج لسنوات، أو آخر لتطوير أحد المسارح، أو مشروع لتأسيس منصة لتسويق الفن التشكيلي المحلي، ولذلك فالعلم هنا مُكمل وحليف للثقافة والفن، فالحرفة اليدوية تظل حرفة محدودة، وبانتقالها لمرحلة الإنتاج والسوق قد تصبح صناعة ثقافية حاضرة في السوق العالمية، وذلك بخضوعها لسلاسل القيمة ومراحلها التي تبدأ من الفكرة فالتمويل والتأسيس وصولًا للتسويق والتواصل مع الجمهور، وهي أيضًا من محاور عمل البرنامج.

فمن المفارقات المدهشة أننا رغم مواردنا الجمّة في الأفكار الإبداعية، في بلد قوامه من التراث والآثار والفنون لا يمكن منازعته، لدينا فجوة كبيرة في الاستثمارات الموازية وفتح سوق للعمل في تلك القطاعات، لذا فأهمية مثل هذه البرنامج ومحاكاة الدوائر الإبداعية الذي ينتهجه، هو أنه يخوض في منطقة معرفية لا أظن أنها مطروقة بقوة في مصر بالشكل الذي يسد احتياجات ضخمة في هذا السوق الإبداعي الذي لا يمكن الجدال في ثراء مواهبه، أو قُل انفجار مواهبه، فحسب رأي أحد الخبراء المتخصصين في هذا المجال، وهو الدكتور محمد عبد الدايم، الذي قام بتصميم وإعداد برنامج "كرييتيف سيركيلز"، فإن فرص الاستثمار في مجالات الصناعات الإبداعية واعد جدًا، ويشير إلى الفائض في الميزان التجاري لقطاع الاقتصاد الإبداعي في مصر الذي يصل إلى ٤٣٠ مليون دولار، ما يعني أننا نقوم بالتصدير في هذا المجال وأننا السوق رقم واحد في الشرق الاوسط.

عُقدت محاضرات البرنامج عبر منصة "زووم"، كطبيعة كل شئ تقريبًا في أيام كورونا، وبالمناسبة كانت "زووم" أحد النماذج التي يُضرب بها المثل خلال البرنامج التدريبي فيما يُطلق عليه "اقتصاد الفُرص"، فكما هددت كورونا العديد من الاقتصاديات، فهي في الوقت نفسه كانت فرصة اتكأت عليها العديد من الشركات التي نظرت للتباعد الاجتماعي في حد ذاته كفرصة استثمارية للعديد من المنصات الإبداعية، ولعل أشهرها "ديزني" التي ارتفعت قيمتها السوقية بنسبة ١٠ ٪؜ تقريبًا منذ بداية أزمة فيروس كورونا بسبب الطلب المُضاعف على تطبيق "Disney plus "، وكذلك الحال بالنسبة لشبكة "نيتفلكس"، وغيرها، فشركة "زووم" مثلا باتت البديل الافتراضي الأول للتواصل هذه الأيام بما في ذلك مجال التعليم عن بعد ما يرفع من أسهمها بشكل ربما لم يكن ليحدث لولا استغلال أزمة كورونا، أو اقتصاد الفرصة، والتي عادة ما تبدأ من فكرة تبحث عن تقديم قيمة للجمهور تسعى لسد ثغرات لديه، سواء كانت تلك القيمة المفتقدة هنا هي "التواصل"، وأو الحاجة لكسر الملل والعزلة كما روّجت المنصات الترفيهية لنفسها خلال فترات العزل المنزلي، ويمكننا تخيل كيف كانت بدايات الكتاب الصوتي كفكرة إبداعية بدأت كفكرة وجدت قبولًا واسعًا لدى قطاع كبير كان يبحث عن طرق للاستفادة من ساعات الانتظار الطويلة مثلا كما في وسائل المواصلات أو حتى خلال ساعات الطهي، فالفكرة تأتي دائمًا في المقدمة، ولكنها تظل مجرد حلقة ضمن دوائر إبداعية أخرى جديرة بالدراسة.

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات