مكتوبٌ بالقلم الرصاص - منى أبو النصر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكتوبٌ بالقلم الرصاص

نشر فى : الأحد 7 أبريل 2019 - 11:45 م | آخر تحديث : الأحد 7 أبريل 2019 - 11:45 م

خرجت يوم لقائي الأول مع الأستاذ نعيم صبري بلقاء صحفي، وكثير من الحكايات، وقلم رصاص يعتبره صاحبه من مجموعة أقلامه الرصاص التاريخية، المُعمرّة..ولهم حكاية.
فعلى مدار ساعات حوار انطلق من محطة رائعته "صافيني مرة" كانت عيناي تلتقط على كل طاولة مُحيطة بنا في بيته أقلام رصاص مرصوصة مشحوذة، "عشرات الأقلام الرصاص"، دفعني الفضول لسؤال صاحبها قبل مغادرتي: اسمحلي يا أستاذ نعيم..إيه حكاية الأقلام الرصاص دي؟

السؤال أطلق حكايات الأديب النبيل عن شغف لا محدود بأقلامه الرصاص، التي يُحصيها من حوله بالعشرات، يطمئن كل صباح أنها مشحوذة، مُستعدة للانطلاق في مهمتها في أي لحظة يُكلفها فيها صاحبها بترجمة أفكاره وهوامشه على الورق، قبل انتقالها بسلام إلى لوحة المفاتيح.

أشار إلى طاولة أخرى تستقر فوقها "براية" كبيرة تقليدية، تقوم بمهمة شحذ الأقلام، وكأن الجميع في هذا المكان قد حفظ روتينه اليومي، الشحذ والاستعداد لمُهمة الإبداع.

ما يُزيد الدهشة هي اللغة التي يُحدثك بها نعيم صبري عن أقلامه الرصاص، حدّ الرومانسية، التي يصف بها رائحتها، وحدّ المعرفة التفصيلية، وهو يُحدثك عن نوع كل قلم، وبلد صناعته، وتاريخ اقتنائها، فلديه مجموعة حديثة ومجموعة قديمة، ويُحسن التمييز بينهم، ومن حُسن حظي أنه أهداني قلما من مجموعته المفضلة التي يحتفظ بها من سنوات، وموطنها ألمانيا، واعتبرت هذا القلم فأل خير احتفظ به بعناية.

* تجذبني عادة هالات الشغف بأشياء قد لاتبدو مألوفة، لذا تذكرت فورا قصة نعيم صبري وأقلامه الرصاص بعد أن طالعت منذ أيام وبالصدفة أن يوم 30 مارس سيوافق اليوم الوطني الأمريكي للقلم الرصاص، وتحت هذا التاريخ هوامش من صُلب تاريخ ابتكار هذا القلم، الذي انطلق سوقه مع اكتشاف كميات ضخمة من "الغرافيت" في مقاطعة كمبريا الإنجليزية، وتطور حتى صار قلما له غطاء خشبي لحماية أعواد الغرافيت الرقيقة من الكسر، وصار "سلعة ذهبية" بريطانية، سرعان ما تلقفها الفنانون والكتاب والرسامين وحتى الجهات الحكومية، ولكن ظل الحلم منقوصا حيث لم يكن هناك مجال وقتها لتصحيح الخطأ الذي يكتبه القلم الرصاص، فكانوا يمحونه بفتات الخبز، إلى أن أكمل هايمان ليبمان المشوار وأضاف باختراعه الخارق آنذاك ممحاة على طرف القلم عام 1858، وسجل براءة اختراع لقلمه المصحوب بالممحاة وباعها بثروة وقتها تعادل 100 ألف دولار.

ويبدو أن الخشية على هذا القلم وتاريخه من الانقراض قد دفعت جمعية يُطلق عليها "جمعية محبي القلم الرصاص" وموطنها مدينة نيويورك، أن ترفع شعار "يا محبي القلم الرصاص اتحدوا"، وتُخصص يوم في السنة وهو يوم 30 مارس ليصير يوماً عالمياً للقلم الرصاص.

* أتذكر في سيرة الأقلام الرصاص كذلك، وفي سياق سؤالي للفنان حلمي التوني إذا كان يُواظب على الرسم بشكل يومي، أنه حدثني عن حفاظه على ممارسة الرسم كل يوم، لست ساعات تقريبا، وضرب لي مثلا آنذاك بقصة تُحكى عن قيام "هيمنجواي" ببدأ يومه ببري "دستة" أقلام رصاص، يظل يكتب بهم إلى أن تنتهي وتتلاشى سنونها تماما، سواء اختار أن يحتفظ بما كتب أو أن يُمزقه، كانت أقلامه الرصاص مؤشر نجاحه في قياس لياقته الإبداعية اليومية.
*وإذا كانت سيرة أقلام هيمنجواي الرصاص قد ذاعت، فهناك مئات الحكايات التي امتثل فيها القلم الرصاص لرهن إشارة المُبدعين من حامليه، قصائد الحب، وسيّر الألم التي دوّنها أصحابها وربما محوها في استغلال لكرم القلم الرصاص في التلاشي إذا لزم الأمر دون ترك أثر، ربما لا يُدرك الطفل الصغير ، الذي يشُب على الإمساك بالقلم الرصاص كأولى تحدياته المهارية، لا يُدرك ما لهذا القلم من سحر، مُتلهفا لليوم الذي يُسمح له باستبدال "الرصاص" بالقلم "الجاف"، ويعتبر ذلك صَك اعتراف بانتمائه أخيرا لعالم الكبار الذين لا يُخطئون كما يحسب، مُستغنيا عن ممحاة الغفران، ينضم لسوق الحياة، ويخطو أولى معاركه مع الاعتراف، فتألف أذناه عبارة قاسية تدور به في ساقية الاحتمالات، والحذر، وبساطة التخلي:"خلي بالك..إنت إسمك لسه مكتوب بالقلم الرصاص".

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات