الخروج للنهار - منى أبو النصر - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخروج للنهار

نشر فى : الخميس 11 يونيو 2020 - 8:30 م | آخر تحديث : الخميس 11 يونيو 2020 - 8:30 م

يبدو أن فرصة مشاهدة فيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي لأول مرة خلال أيام الحجر المنزلي، يُطلي على المشاهدة مزيدًا من الانفعال بعالم العزلة التي يسود الفيلم، والارتباط بصورة أكبر مع دراما بطلة الفيلم حبيسة الجدران، والأحلام، وصورة النهار الذي تتوق إليه.

الفيلم، من إنتاج عام 2012، أتاحته سينما "زاوية" لعدة أيام للعرض عبر صفحتها، في فرصة لمشاهدة الفيلم الذي حقق اهتمامًا نقديًا واسعًا منذ عرضه، وعلى الأرجح تُساهم فترة عرضه خلال تلك الفترة بعد عزلة داخل البيوت منذ أشهر، على تلقيه بمستوى أكثر تماهيًا مع السياق الذي ربما أرادت هالة لطفي إيصاله من الأساس عبر فيلمها، وهو سياق الحياة الخارجة من الزمن.

فالفيلم تدور أغلب مشاهده داخل شقة في حي شعبي بالقاهرة، وعلى الرغم من أن الشمس تقتحم نوافذها كل صباح، إلا أن هذا لا يعني في الحقيقة أن ثمة يوم جديد قد حلّ، فالأيام داخل هذا البيت لا تتبدل، الأب حبيس المرض العضّال وتقرحات الفراش منذ سنوات، والأم التي تحوّلت ملامحها لملامح سيدة آلية، تُحدد "نباطشيات" المستشفى التي تعمل بها ممرضة جدول حياتها، وبين الأب والأم وأبنة ثلاثينية هشّة، ضحيّة الوقت الضائع.

تُضاعف هالة لطفي من فترات الصمت الطويلة داخل الفيلم، جاعلة من الصمت لغة ومفتاح من مفاتيحه الرئيسية، أما الراديو ومعه التلفزيون القابع في الركن البعيد، هما ما تبقى لهم من هواء، وتحديدًا صوت أم كلثوم، الذي يسري بالروح إلى أهل هذا البيت الفارغ من أسباب الحياة، تشدو أم كلثوم "أنا وانت ظلمنا الحب"
فتتسع لمعة في عين الأب الغائب، وتتنهد الأم في انفعال شعوري وعاطفي ربما هو الوحيد لها على مدار الفيلم.
أما الحوارات القصيرة في الفيلم فتأتي عادة في صيغة تساؤلات بلا إجابات، أسئلة من العينة الصعبة، تختبر الأمان المُفتقد ماديًا ومعنويًأ وعاطفيًا، بداية من السؤال المُتكرر "جبتي عيش؟"، وسؤال الإبنة (سعاد) المُنكسر لأمها "شكلي عِدل؟" سؤال يعكس كثيرًا من الهشاشة المعنوية المتأصلة داخل العديد من الفتيات التي تُمثلهن سعاد، وعلاقتهن المُرتبكة بأنفسهن، وبنظرة الآخرين لهن.

تخرج سعاد (قامت بدورها الفنانة دنيا ماهر) فننتظر معها لحظة تنفسها لهواء المدينة، بعد انسحاق كامل داخل جدران البيت، تخرج لتتعثر في عديد من مطبات الخيبة، فشبح الشخص الذي تُحاول الاتصال به منذ بداية الفيلم لا يرُد ثم يتهرب، مُضاعفًا أزمة اقترابها من الحب، تشتبك في أسئلة وحوارات عابرة داخل الميكروباص تفوح منها رائحة عنصرية، وبلطجة، وجنون، وتختار هالة لطفي أن ينتهي الفيلم بسؤال عن الحياة والموت معًا لتُكمل به دائرة اليوم الطويل (24 ساعة) الذي تدور على مداره أحداث الفيلم، حيث يبدأ بالنهار وينتهي بنهار اليوم التالي، تسأل سعاد والدتها عن المكان الذي سيُدفن فيه والدها الذي تدهورت حالته الصحية، كمصير بات وشيكًا، لتصنع هالة لطفي سياقًا موازيًا وكأنه مُنتزع من كتاب الموتى في مصر القديمة الذي يحمل الفيلم اسمه "الخروج للنهار:كتاب الموتى"، وهو كتاب يُسجل رحلة الحياة لدى المصري القديم وفلسفته عند الموت المُرتبطة دومًا بالنهار والخلاص "بالأمس أنجزت حياتي واليوم أعود إلى النهار."

على هامش مشاهدة الفيلم، التي تزامنت مع عرض مسلسل "100 وش"، كان من الصعب تفادي تأمل الحالة الفنية التي تربط بين (سعاد) بطلة "الخروج للنهار"، وكاريزما (نجلاء) مع "الحبيب والقريب والغريب" في مسلسل كاملة أبو ذكري، فعلى الرغم من أن الفيلم غارق في المأساة إلا أنك لن تجد بطلته دنيا ماهر تبذل أداءات ميلودرامية صاخبة، بل تُضمر مئات المشاعر وراء وجه هادئ يتشرب الحزن، ويُثقل العين، ويكسر نبرة صوتها باستمرار، وربما هذا البحث عن مساحة خاصة تُراعي التقمص الوجداني للمشاعر بعيدًا عن التكلف الظاهري سواء في التراجيديا أو الكوميديا، هو أبرز ما يمكن تسجيله على هامش مشروع دنيا ماهر الذي يبدو أنه بلغ نهاره الفني.

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات