احكِ لى وأُكمِل لَك - منى أبو النصر - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 8:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احكِ لى وأُكمِل لَك

نشر فى : السبت 15 يوليه 2023 - 2:40 ص | آخر تحديث : السبت 15 يوليه 2023 - 8:12 ص

لفتت انتباهى المُعالجة السردية لفكرة «التوثيق» التى تناولها أحد مشروعات تخرج طلاب كلية الإعلام جامعة القاهرة هذا العام، حيث تتبعوها من خلال ثلاثة فنون: الحكى، والفوتوغرافيا، والكوميكس، وأتصور أن الجزء الأول من الفيلم كان أكثرهم قدرة على الاقتراب من روح تلك الفكرة، من خلال استضافة نهال الهلالى، أول سيدة «راوِية» للسيرة الهلالية.

اسم مشروع التخرج هو «ما صار» وقد عُرض ضمن مهرجان مشروعات تخرج كلية الإعلام، الذى يبدو فرصة للاقتراب من زوايا نظر شابة مُختلفة لملفات تراثية، وثقافية، واجتماعية، ظهر فيها التبارى على خلق تكوينات وكادرات جمالية لافتة.

فى الفيلم، تظهر نهال الهلالى بجلبابها الأسود «القِناوى»، كسِمّة مُميزة لردائها الصعيدى، تتحدث عن ولعها بالسيرة الهلالية حدّ أنها صارت أول سيدة تقوم بتقديم السيرة من خلال أمسيات حكى.

خلال ظهورها فى الفيلم تُعبّر نهال عن أمنية تُصاحبها منذ بداية ارتباطها بمجال الذاكرة التراثية، وارتباطها تحديدًا بتوثيق «الخال الأبنودى» لها، الذى خاض رحلة تقصى للسيرة الهلالية من أفواه المُنشدين والحكائين العرب ونقلها من الذاكرة الشفهية إلى سِحر الكتابة، وتنقلت به رحلة «بنى هلال» ما بين السودان والجزائر وليبيا، بالإضافة إلى حدود تشاد والنيجر ثم إلى تونس.

تأمل نهال فى تنظيم لقاءات تسعى لجمع شتات رُواة السيرة الهلالية من مختلف الدول العربية، تلك التى مرّت بها تغريبة الهلالى، فى لقاء يهدف لخلق آلية لجمع شتات الحكايات الشفهية المنثورة والمبتورة كذلك، على أمل الوصل بين أطراف الحكاية الهلالية من جديد: «احكِ لى وأكمِل لك» كما تشرحها نهال.

إن الرُوّاة من كل بلد لا يزالوا إلى اليوم يتناقلون السيرة بتنويعات مُختلفة، بتغيّر فى السياقات، والأحداث، ولأن السيرة هى أساس التوثيق الشفهى، فإن الاستماع لأطراف الحكاية الواحدة المُترامية الأطراف يمكنها أن تصل بنا للتاريخ الحقيقى للسيرة الهلالية، خاصة أن المخطوط الوحيد الموجود لسيرة بنى هلال يوجد حاليًا فى مكتبة الدولة المركزية ببرلين، وتُشير نهال لهذا الأمر كمُفارقة حزينة.

* فى كتاب «سيرة بنى هلال» للكاتب والباحث فى الثقافة الشعبية الراحل شوقى عبدالحكيم، الذى تتيحه مؤسسة «هنداوى» لقرائها، تحمل مقدمة الكتاب ما يُشبه الرثاء لتلك المخطوطة الوحيدة لواحدة من أضخم الملاحم العربية، التى تستقر الآن فى برلين «من المُلفت والمؤسف أن النص الأصلى المدوَّن لهذه السيرة الهلالية السياسية الكبرى، ما يزال إلى أيامنا هذه فى عداد المخطوطة المحفوظة بمكتبة الدولة المركزية ببرلين، مثلها مثل مثيلتها (الأميرة ذات الهمة)، بمعنى أن النص الفعلى للهلالية، لم تصله إلى أيامنا يد المطبعة بعد، وما يزال فى عداد النص المخطوط اليدوى» كما يقول المؤلف.

يشير شوقى عبدالحكيم إلى أن الاختلافات فى روايات رُوّاة السيرة شاسعة، والإضافات التى أضافها الرُوّاة والنُساخ والمُنشدون على مدى العصور تتبدى واضحة بين ذلك النص المخطوط للهلالية، وبين بقية النصوص والطبعات الشعبية المُتداولة على طول عالمنا العربى، ولعل هذا ما يجعل جمع شتات الروايات العربية المُتعددة للسيرة الهلالية من خلال مبادرات حفظ لذلك التراث، وسيلة لتقفى آثار الحكاية كقطع أحجية متفرقة تحتاج لاهتمام قبل أى شىء.

* يبدو تتبُع منابع الحكايات ورصد التغيّرات السردية الثقافية التى لحقت بها بتنقلها عبر الزمان والمكان، واختلاف رُواتها، هو هاجس حاضر فى مختلف ثقافات العالم، ليس فقط فيما يتعلق بالملاحم والسيّر الشعبية بل وبالحكايات الخرافية كذلك، فحكاية مثل «سندريلا» لها أصولها متنوعة الثقافات من الشرق والغرب، حتى وصلت للنسخة المُهيمنة التى حفظتها «ديزنى» وصدرتها للعالم كنسخة وحيدة للحكاية.

فى حلقة بعنوان «حكايات خرافية» ضمن سلسلة explained التى تذيعها منصة «نتفليكس»، تطرح ماريا تاتار، الباحثة فى الثقافة الشعبية والميثيولوجيا، سؤالًا مهمًا، حول ما إذا كانت «ديزنى» أفسدت الحكايات وأساءت للثقافة الشعبية بطمس جذورها واعتماد صيغة واحدة للحكاية، أم أنها ساهمت فى حفظ تلك الحكايات من الاندثار بجعل تلك الحكايات حيّة ورائجة بين الأجيال؟

يشير الفيلم إلى نحو 345 نسخة مُختلفة من قصة «سندريلا»، نُسخ مختلفة من الحكاية ذاتها، ليس فقط سندريلا ولكن هذا ينطبق على معظم الحكايات التى ذاعت شهرتها عالميًا مثلها، وهى حكايات وُلد كثير منها قبل اختراع الإنسان للكتابة، وكانت تُروى شفهيا حول نار الحطب بنُسخها المُتعددة.

وعودة إلى «سيرتنا» فقد وثّقت «الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية» نقاطًا جوهرية فى مشروعها لجمع السيرة الهلالية، أولها أن الروايات الشفهية المُعاصرة لسيرة بنى هلال تختلف عن الروايات الشفهية التى تم تسجيلها منذ عقود مضت. ويعود ذلك إلى تنوع واختلاف المصادر التى استقى منها الرُواة والشعراء الشعبيون رواياتهم، فضلًا عن اختلاف الانحياز للأبطال، فثمّة روايات تُعلى من شأن أبوزيد، وأخرى تعلى من شأن الخليفة الزناتى، على سبيل المثال.

ولفت المشروع الذى جاب عددًا مختلفًا من المحافظات الجنوبية، عن وجود جيل جديد من الرُوّاة، مما يشير إلى عُمر أطول للسيرة الهلالية وفنون الحكى، كالتى تحكيها نهال بمصاحبة الربابة.

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات