لقاء الأجيال - محمد زهران - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 4:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لقاء الأجيال

نشر فى : السبت 11 فبراير 2017 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 19 فبراير 2017 - 11:02 م
في كل عام يحدث إجتماعات غاية في الأهمية (والمتعة) ولا نعرف عنها شيئاً! هذه الإجتماعات هي عبارة عن مؤتمرات مصغرة (عدة أيام وعدة محدود من الحضور) يلتقى فيها صغار الباحثين مع العلماء الكبار لينهلوا من علمهم وخبراتهم.

مثلاً منتدى هايدلبرج للحاصلين على جوائز الرياضيات وعلوم الحاسب (Heidelberg Laureate Foum) ونقصد بالجوائز هنا جائزة تيورنج في علوم الحاسبات (Turing Award) وهى تعادل جائزة نوبل ولكن في الحاسبات لأنه لا توجد جوائز نوبل في هذا الفرع وميدالية فيلدز (Fields Medal) أرفع جائزة تعطى لعلماء الرياضيات أقل من 40 سنة و جائزة آبل (Abel Prize) أرفع الجوائز في العلوم الرياضية قاطبة وتعطى من النرويج ... يمكنك أن ترى بعض محاضرات هذا المؤتمر هنا.

حضور هذا المؤتمر يكون بدعوة وليس مفتوحاً للعامة، العلماء الصغار الذين يحضرون هم طلبة الدراسات العليا في مجالى علوم الحاسب والرياضيات وطلبة أبحاث ما بعد الدكتوراه وبالإضافة إلى الباحثين في بداية حياتهم العملية، كل من يرغب في الحضور عليه إرسال سيرته الذاتية وبعض خطابات التزكية وهناك لجنة تختار، فكرة هذا المؤتمر تدور حول كلمة واحدة: الإنسان! يرى القائمون على هذا المؤتمر أن العالم الناجح يحتاج (بالإضافة إلى المعرفة في مجال التخصص طبعاً) إلى الصبر والعزم وعلى مستوى عال من المرونة والقدرة على رؤية ما قد يكون ممكنا وطبعاً الثقة والشجاعة ... بل ويجب أن يتحلى بهذه الصفات بالقدر الصحيح فالشجاعة الزائدة تصبح تهوراً والثقة الزادة تنقلب غرور ... هذا يحتاج بعض التوجيه وهذا هو دور العلماء الكبار، المناقشات وجهاً لوجه تأثيرها أكبر من التواصل الإلكترونى ولهذا ينظَم هذا المؤتمر سنوياً حيث يتناقش العلماء (كبارهم وصغارهم) في المسائل العلمية الدقيقة بالإضافة إلى الأبعاد الإنسانية وكيفية قيادة الحياة العملية...

مؤتمر آخر هو مؤتمر ليندو للحاصلين على نوبل (Lindau Nobel Laureate Meetings) وهو أيضاً ينظم كل عام حيث يحضر من 30 إلى 40 عالماً من الحاصلين على نوبل للتواصل مع الجيل الجديد من العلماء وهذا التواصل بين الأجيال يعطى دفعة كبيرة جداً للباحثين الصغار، يمكنك أن تجد بعض المحاضرات لهذه الاجتماع السنوي هنا.

تواصل الأجيال خاصة في المجال العلمى له مفعول السحر ليس فقط على الأجيال الجديدة بإعطائهم دفعة معنوية وعلمية قوية وليس فقط للمتعة التي يحسها العلماء الكبار عندما يعطون عصارة خبرتهم لمن يستحقها ويقدر على تبعاتها ولكن أيضاً هذا التواصل يساعد على التقدم العلمى فكما قال الفيزيائي العظيم ويرنر هايزنبرج (Werner Heisenberg) "العلم قائم على التجربة ولكنه يعطى نتائج عن طريق المحادثات بين الباحثين الذين يتأملون ويحاولون شرح هذه التجارب"!

هل يمكننا عقد مؤتمر مشابه في مصر حيث يلتقى كبار علمائنا (وعندنا منهم الكثيرون ولكن لا تسلط عليهم الأضواء للأسف) بالباحثين الصغار ليعطوهم من خبرتهم وحكمتهم، هناك كتاب صغير ولكنه ممتع جداً للأستاذ محمد عبد الحليم عبدالله بعنوان "لقاء بين جيلين" حيث يعتبر نفسه هو الجيل الثانى ويقابل الرواد في الفن والعلم (قابل الدكتور محمد كامل حسين  والدكتور حسين فوزى في هذا الكتاب) والأدب، هذا مجهود طيب ومفيد ولكن كما قلنا لا شيء يغنى عن اللقاء الشخصى وجهاً لوجه، أنا أعتقد أنه يمكننا تنظيم مؤتمر شبيه في مصر بين علماء مصر الكبار والباحثين في بداية حياتهم ولكن لكى يعطى هذا المؤتمر أكبر الأثر يجب أن نراعى عدة أشياء:

أولاً لا يجب أن تكون الدعوة عامة لأن الأصل في مؤتمر من هذا النوع هو التواصل الشخصى وليس مجرد عالم كبير يعطى محاضرة.

ثانياً إختيار العلماء الكبار يجب أن يتم بطريقة منهجية فمثلاً المؤتمران الذان ذكرناهما يعتمدان على من حصلوا على أرفع الجوائز في التخصص، وحيث أننا لا نستطيع أن نتبق نفس هذا المعيار عندنا وإلا كان العدد قليلاً للغاية فيجب أن نختار أولا من له أبحاثاً قيمة منشورة في مجلات ومؤتمرات معتبرة في الخارج وأيضاً من يستطيعون أن يتواصلوا جيداً مع الجيل الثانى أو من أنشأ صرحاً علمياً في مصر، مثال على عالم كبير وكيفية تأثيره الإيجابى على الطلبة هو الدكتور حسام موافى رائد طب الحالات الحرجة في مصر وإحدى محاضراته للطلبة الجدد تجدها هنا.

والدكتور محمد غنيم الذى أنشأ مركزاّ عالمياً في جامعة المنصورة ونرى هنا لقاء معه... وإذا استفضت لذكرت أسماء كثيرة ولكنى أعطى أمثلة فقط، وطبعاً لا يجب أن نختار تبعاً لمنصب إدارى (رئيس قسم، عميد، رئيس جامعة، وزير) لأن المؤتمر علمى، يمكن إختيار من يحمل منصباً إدارياً فقط لو كان مستوفياً الشروط أعلاه... ماذا لو كان إختيار كبار العلماء لهذا المؤتمر عن طريق تصويت من طلبة الجامعات؟

ثالثاً إختيار صغار العلماء يجب أن يتم وفقاً لمعايير محددة ولا يدخل فيها أية مجاملات.

رابعاً وهى أهم نقطة أن العلماء الصغار الذين سيحضرون هذا المؤتمريجب أن يستعدوا جيداً بتحضير أسئلة كثيرة وهذا يحتاج أن تقرأ عن العلماء الكبار الذين سيحضرون المؤتمر كى توجه لكل منهم أفضل سؤال ... يجب أن تكون أسئلتك موضوعة بحيث تكون إجاباتها تساعدك على المدى الطويل... لأن بعد لقاءات كهذه ستكون عندك دفعة معنوية كبيرة ولكنها ستستمر لعدة أيام وتنضب، لهذا يجب أن تكون عندك خطة للاستمرا وهذا دور أسئلتك ... تحديد السؤال فن!

إذا وجدت عالماً كبيراً أمامك ماذا ستفعل؟ أتمنى ألا يكون كل ما ستفعله هو إخراج تليفونك المحول لتأخذ "سيلفي" معه وتضعها عندك على الفيسبوك!!
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات