تونسيات يشيعن «الصغير أولاد أحمد» إلى مثواه الأخير - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تونسيات يشيعن «الصغير أولاد أحمد» إلى مثواه الأخير

نشر فى : الإثنين 11 أبريل 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 11 أبريل 2016 - 9:35 م
اعتبر الخروج إلى الجنائز فى نظر أغلب فقهاء السنة، طقسا ذكوريا وواجبا يثاب على أدائه الرجال وفى المقابل عُد خروج النساء فعلا مكروها بل مرذولا، خاصة الشواب منهن. بيد أن المتأمل فى التاريخ الاجتماعى للعالم العربى، ينتبه إلى وجود حالات تؤكد خرق المعايير والحدود التى ضبطها العلماء.

فقد ظهرت النساء فى جنائز العظماء من سلاطين وأمراء ومتصوفة، واستمر هذا الأمر فى عصرنا الحاضر إذ واكبت فئة من التونسيات والمغربيات والمصريات وغيرهن مراسم دفن المشاهير. وهكذا ظل خروج النسوة إلى الجنائز مرتبطا بمنزلة الميت بين قومه.

وإذا تتبعنا ما حدث فى تشييع شهيد تونس شكرى بلعيد، أدركنا تضاعف أعداد النسوة اللواتى فارقن العادات المركوزة وقررن التعبير عن مشاعرهم والمشاركة فى موكب تشييع الجنازة. وقد نجم عن «تلك البدعة» خروج المتشددين الدينيين عن صمتهم لا للتنديد بالعنف السياسى بل بخروج النساء إلى الجنائز، باعتباره فعلا مخالفا للأعراف والتقاليد وما اعتاد عليه التونسيون من ممارسات تحفظ الحدود الجندرية. غير أن هذه المواقف لم تمنع التونسيات عن الخروج فى الجنائز التى تعددت لاسيما بعد استشراء الإرهاب.

خرجت فئة من التونسيات اللواتى تغنى بهن الشاعر أولاد أحمد قائلا «نساء بلادى نساء ونصف» وكان حضورهن هذه المرة مخالفا للسابق. فهن لم يشهدن الجنازة من موقع: الملاحظات عن بعد وعلى استحياء والمتألمات والبواكى بل من موقع الفاعلات. فمنهن من شاركت فى حمل الجثمان ومنهن من أبنته ومنهن من حملت المعول وحثت عليه التراب ومنهن من تغنين بشعره ومنهن من رددن النشيد الوطنى.

لم تكترث التونسيات بحكم الخروج: أهو حلال أم حرام ولم تنتظرن الأجر ولا الثواب ولم تبالين بمخاطر الاختلاط وآثار الفتنة فى الفضاء العام وإنما كن حاضرات فى اللحظة التاريخية الحاسمة يحملن الورود فى إشارة رمزية لثقافة الحياة التى طالما تغنى بها الشاعر. لم يتسببن فى إحداث الهرج والمرج والفوضى بل تحكمن فى ضبط انفعالاتهن مفندات بذلك حجج من يعتبر أن حضور النساء فى مثل هذا المواكب يتعارض مع الخشوع وما تقوم عليه آداب تشييع الجنائز.

***
ليس حضور هذه الفئة من التونسيات فى موكب تشييع الصغير أولاد أحمد تعبيرا عن حبهن له أو تقديرا لنضاله الطويل أو تعاطفا مع شاعر صارع المرض طيلة أشهر بقدر ما هو قرار آخر تتخذه التونسيات يعضد قرارات أخرى سابقة؛ إنه قرار امتلاك الفضاء العام فمنذ أسابيع، احتلت مجموعة من النسوة المقهى الشعبى الذى يحتكره الرجال فى جزيرة جربة.

من البين أنه بعد خروج النساء فى الشوارع للمشاركة فى الثورة والاحتجاجات والمظاهرات جنبا إلى جنب مع الرجال، ما يعد بالإمكان تحمل الإقصاء بدعوى الحفاظ على نظام هندسة الفضاءات جندريا: ما هو معد للرجال وما هو مخصص للرجال، الخاص- العام، إننا إزاء إرباك للمنظومة القيمية التقليدية فى مقابل بروز قيم جديدة أفرزها المسار الثورى، إننا نشهد بناء أنماط علاقات مختلفة بين السائس والمسوس، بين المؤسسات والمواطنين، بين الرجال والنساء.

وحده حزب التحرير يمانع فى حضور النساء فى الساحات العامة، يحجبهن عن الأنظار والقرارات وصياغة الخطابات، وحده حزب النهضة يصر على إبراز الفوارق بين الجنسين وإظهار ما يفصل عالم النساء عن عالم الرجال. وبالرغم من تجاور رؤى متباينة حول حضور النساء فى الفضاء العمومى فإن الثابت أن المجتمع التونسى يعيش حراكا جديدا تتزعمه النساء وببصمة نسائية تصر على ضرورة انبلاج صبح المواطنية الكاملة.


أستاذة بالجامعة التونسية
التعليقات