الوصم الاجتماعى المرتبط بكوفيد ــ 19 يحدث نتيجة الارتباط السلبى بين الشخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يشتركون فى خصائص معينة وبين مرض كوفيدــ19. يعنى هذا أنه قد يتم التمييز ضد الأشخاص المصابين بكوفيد– 19 أو الأشخاص الذين لهم صلة اتصال بالمرض. على سبيل المثال، صلة القرابة أو السكن فى نفس المنطقة السكنية.
يؤثر هذا التمييز سلبيا على المصابين بالمرض، وكذلك على أسرهم وأصدقائهم. فلقد أثار تفشى كوفيدــ19 الحالى وصمة اجتماعية وتمييزية ضد أشخاص من خلفيات عرقية معينة (على سبيل المثال، فى حالة فيروس كورونا المستجد نجد ظاهرة الوصم ضد الأشخاص الذين هم من أصل آسيوى)، وكذلك ضد الأشخاص الذين على اتصال بالفيروس (مثل المرضى أو الأطباء الذين يتعاملون مع حالات كوفيدــ19 ). والحقيقة أن هذه الظاهرة خطيرة، لأن إلقاء اللوم على مجموعات معينة من الناس وتوجيه الإهانة إليهم بسبب جائحة وبائية أمرٌ يشكل تهديدا للجميع لأنه يولِد التحديات والانقسامات الاجتماعية التى تعيق جهود السيطرة على الجائحة.
***
فى مصر، بدأنا نلمس خطورة هذه الظاهرة، فى تحدى بعض القرى للحجر الصحى، ومحاولة البعض الهروب من الحجر الصحى، أو ما شاهدناه من ردود الأفعال التى حدثت فى إحدى قرى محافظة الدقهلية، من منع الأهالى دفن طبيبة توفيت بسبب فيروس كورونا المستجد فى مدافن القرية.
فى مصر، ظاهرة الخوف من الحجر الصحى لها أسبابها المعقدة والتاريخية، ولا يصح أن يتم التعامل معها بتوجيه اللوم للناس باعتباره (نقص وعى). بالطبع هذه التصرفات غير مقبولة بشكل كامل (مثل منع دفن الطبيبة)، ولكن من المهم فهم أسبابها، فمن المعروف فى علم الاجتماع الطبى أن القبيلة البدائية كانت تنظر للمرض باعتباره من الأرواح الشريرة أو مسا من الشيطان فكانت تعزل أو تقتل مرضاها. بالإضافة إلى أنه كان يجرى التعامل مع مرضى الكوليرا فى القرن الماضى بالشدة والصرامة، لدرجة كانت تدفع الأهالى لإخفاء الإصابات والوفيات. فعندما كان يصل إلى السلطات الصحية خبر حدوث إصابة كان يتم إرسال مجموعة من موظفى الصحة والبوليس إلى منزل المريض، ويقومون بأخذه إلى عربة الصحة، ثم إلى المستشفى، ثم يأتى الدور على منزل المصاب فيذهب إليه موظفو الصحة فيأخذون ما فيه من الأثاث بهدف التطهير والذى فى أغلب الأحيان كان يتم حرقه مما يؤدى إلى خوف وهلع أقارب المريض والجيران.
قد يكون السبب فى الوصمة المجتمعية المتزايدة المرتبطة بكوفيدــ19 ثلاثة عوامل رئيسية: (1) إنه مرض جديد ولا يزال هناك الكثير من المجهول عنه، وعندما تكون الجائحة ناتجة عن فيروس جديد، تنتشر الشائعات والمعلومات الخاطئة. كما تنتشر الأفكار النمطية بسرعة عن الأشخاص المصابين بالمرض أو من يُشتبه بإصابتهم به. (2) غالبا ما نخاف من المجهول. (3) ومن السهل ربط هذا الخوف بسبب «الآخرين» المصابين بالمرض، أو إلقاء اللوم على الأشخاص المصابين كمحاولة للتقليل من حالة التوتر والخوف.
***
وفقا لمنظمة الصحة العاملية، فإن عدم فهم المعلومات المتعلقة بكوفيد ــ 19 أو الوصول إليها يمكن أن يؤدى إلى الخوف أو الذعر بين الأفراد وهو ما يؤدى إلى افتراضات غير منطقية، وتظهر الحاجة إلى إلقاء اللوم على الآخرين. ليس من المستغرب أن يكون هناك ارتباك وقلق وخوف بين الناس. لكن من المفجع أننا نرى أن هذه العوامل ــ الارتباك والقلق والخوف ــ تغذى القوالب النمطية الضارة والتمييزية.
ولكن، عواقب الوصم الاجتماعى قد تكون شديدة الخطورة، فقد تدفع الناس لإخفاء المرض لتجنب التمييز ضدهم، وقد تمنع الناس من التماس الرعاية الصحية على الفور، وهو ما قد يساهم فى انتشار الفيروس، ويقوض جهود الدولة فى مكافحة الفيروس.
وضعت منظمة الصحة العالمية عدة اقتراحات لمواجهة الوصمة المجتمعية المرتبطة بالمرض:
ــ نشر الحقائق: يمكن للوصم المجتمعى أن ينشأ بسبب عدم توافر المعلومات الكافية حول كيفية انتقال فيروس كورونا المستجد وكذلك كيفية الوقاية من العدوى. ولذلك، ينبغى إعطاء الأولوية لنشر معلومات دقيقة تتماشى مع الوضع القائم فى البلاد. من المهم استخدام لغة بسيطة وتجنب المصطلحات الطبية. وهذا هو دور وزارة الصحة، فيجب على وزارة الصحة الوصول إلى جميع المواطنين بالمعلومات الكافية حول الفيروس المستجد وطرق انتقال الفيروس، وكيفية الوقاية منه، بغض النظر عن مستوى تعليمهم وثقافتهم.
ــ الاهتمام بنشر أصوات وقصص الأشخاص الذين عانوا من الفيروس وقد تعافوا، أو من دعموا أحد أقاربهم وأصدقائهم من خلال التعافى، للتأكيد أن معظم الناس يتعافون من كوفيدــ19. وأيضا إبراز دور مقدمو الرعاية الصحية الهام فى الأزمة الحالية، لأنهم أيضا قد يتعرضون للوصم (وهو ما حدث فى بعض الحالات فى مصر).
ــ التركيز على دور الصحافة والإعلام فى التعامل مع الأزمة.
وفى الخلاصة، إحدى الخطوات الضرورية فى علاج أزمة الوصم الاجتماعى المرتبط بفيروس كورونا المستجد هو فهم أسبابها عبر باحثين ومتخصصين فى علم الاجتماع والأنثروبولوجى، وهؤلاء المتخصصون قد يكون لهم دور فى مساعدة الدولة بشكل علمى فى صياغة الرسالة الإعلامية للتعامل مع فيروس كورونا المستجد. وهناك دور آخر فى تفنيد الشائعات، وتصحيح الأفكار الخاطئة حول فيروس كورونا المستجد، بعيدا عن الحلول الأمنية. دور الدولة يكون فى التوعية بطبيعة الفيروس وطرق الإصابة به، وخطورة التجمعات، وخطورة الوصم والتمييز ضد المصابين به. ولا يكفى الاعتماد فقط على حملات التلفزيون أو صفحات التواصل الاجتماعى، ولكن هناك حاجة إلى مشاركة مجتمعية واسعة مع الشخصيات والقيادات المحلية التى لها مصداقية فضلا عن أهمية التعاون مع المجتمع المدنى بشكل أكبر.