«لعبة نيوتن».. نقطة تلامس صادقة مع المشاهد - خالد محمود - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لعبة نيوتن».. نقطة تلامس صادقة مع المشاهد

نشر فى : الثلاثاء 11 مايو 2021 - 7:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 مايو 2021 - 7:45 م
بلا شك، يأتى مسلسل «لعبة نيوتن» ليشكل العمل الأبرز على شاشة الدراما الاجتماعية فى موسم رمضان، لما يملكه من عناصر الجاذبية والتشويق والمتعة والحرفية المتقنة، بداية من القصة والحبكة والسيناريو ثم الأداء والصورة والإخراج وهى المفردات التى حققت نقطة تلامس كبيرة مع المشاهد منذ الحلقة الأولى، سواء فى مصر أو العالم العربى، وتلك هى النقطة الأهم فقد خلقت حالة من التوحد مع أحداث المسلسل وأبطاله وهم يخوضون مغامرتهم بصدق مع الأيام والأحلام، التى تتلاعب بحياتهم.
شكّل المسلسل مفاجأة مدهشة، على مستوى القصة الثرية بأفكارها، وطبيعة العلاقات الإنسانية بين الشخصيات، التى تعكس وجوها متعددة من عالمنا، تلك العلاقات التى تم سردها وكشفها بسلاسة وفق سيناريو ذكى ومحكم تلاعب بالعقول والمشاعر وبناء درامى مركب متعدد الطبقات وحبكة مشوقة ومثيرة ورؤية إخراجية واعية، لتامر محسن أكد فيها على قدرات إبداعية خاصة سواء فى أسلوب وطريقة الحكى أو اختيار الكادرات وأماكن التصوير وحتى اختيار الممثلين كان موفقا للغاية بجاذبية الشخصيات وكلها عوامل أضفت على العمل طابع الكمال.
ويبدو أن كون تامر محسن هو مؤلف العمل جعله يحقق الصورة الذهنية للأحداث على الشاشة بشكل يحقق هدفه ورسالته وحلمه كما أراد، وبالقطع كانت هناك لغة تفاهم كبيرة بينه وبين كاتبة السيناريو والمشرفة على الكتابة هنا الوزير، فقد كانت الصورة مفعمة بالمشاعر وبواقعية جديدة على شاشة الدراما.
حكاية لعبة نيوتن، اقتصرت فى البداية على عالم «هنا» منى زكى و«حازم» محمد ممدوح، زوجين من الطبقة المتوسطة يرتبطان بعلاقة تقليدية يهيمن عليها الرجل الذى يشعر بالمسئولية المطلقة تجاه كل جوانب الحياة وانعدام الثقة فى حسن تصرف الزوجة التى تسعى لانتهاز كل الفرص لتثبت لمن حولها أنها جديرة بالثقة، وفى ظل ذلك يخططان لولادة طفلهما فى الولايات المتحدة الأمريكية طمعا فى الجنسية، ولكن المغامرة تتعقد شيئًا فشيئًا، وتأخذهما إلى عوالم لم تكن يومًا فى الحسبان، خاصة بعد سفر هنا إلى أمريكا وإصرارها تحقيق الحلم منفردة بالبقاء هناك لإنجاب طفلها، عندما فشلت محاولات سفر الزوج وكانت أجواء التوتر من أجمل سمات تلك الافتتاحية الدرامية، التى جعلتنا نتابع بشغف رحلة هنا، والتى كساها صدق صورتها بشوارع أمريكا، وتلقائية ميلاد الأحداث والمفاجآت وهى تواجه عالما غريبا ومثيرا.
جاب السرد بين الماضى القريب والحاضر لنتعرف على تفاصيل الإنجاب الصعبة التى واجهت الزوجين، مع الحفاظ على زيادة التعقيد بدخول تفاصيل وشخصيات جديدة إلى السياق، سواء مع حازم فى مصر مثل بدر «سيد رجب» و«أمينة» عائشة بن أحمد، أو هنا فى أمريكا مثل مؤنس «محمد فراج» وزوجته سارة «ألاء سنان».
نحن أمام معالجة مبتكرة وذكية ذات عمق اجتماعى، وربما ثقافى، حلم الجنسية الأمريكية والمواطنة على طريقة العالم الأول، رغبة هنا فى التقدير والاعتراف والثقة، يطرح المسلسل هذه الأفكار عبر مجموعة من الشخصيات المرسومة بدقة شديدة، وبسرد يغلفه التشويق والتوتر والتلاعب بالخطوط الزمنية كعوامل جذب رئيسية، وهى العوامل نفسها التى ستتحول لهدف محورى فى الحلقات على تتابعها.
اتخذ المسلسل عدة محاور صادمة عقب ولادة هنا، ومنها قرارها المصيرى بالزواج من مؤنس والذى كان دافعه الوحيد النكاية فى حازم، مؤنس الملتزم دينيًّا والذى يرتدى الساعة فى اليد اليمنى مخالفة لليهود، ولكنه فى الوقت نفسه لا يتورع عن الكذب بالقسم وادعاء الأبوة لابن هنا وحازم، بل يزيد على ذلك أن ينسب الابن لنفسه.
وكان مؤنس قد اعترف بحبه لهنا بعد أيام قليلة قضتها فى ضيافته بشكل عفوى بعد مواجهة انفعالية بينهما، هذا الفعل الصادم تلاه أفعال مشابهة مثل تطليق حازم لهنا وتهديده بالإبلاغ عنها وبحثه عن حب جديد مع أمينة، وهى كلها أحداث حافظت على عنصر التشويق؛ حيث يبنى الصراع بين الزوجين على سوء فهم كل منهما للآخر والمبالغة فى رد فعله رغم عمق الحب بينهما وكأن المسألة شجارا طفوليا بين عاشقين، وهو ما رصده العمل فى رحلة تحولهما بعد عودة هنا إلى القاهرة، فبعد زواجها من مؤنس ترتدى الحجاب، وتخبر حماها أن بإمكانه زيارة حفيده فى النادى وتتحول لشخصية مادية، فيما يتحول حازم بشكل عشوائى، ويتجاوز حادثة قتل شاهين ولا يبقى معه منها سوى الرنين الصوتى المتعلق بصوت النحل، حيث جعل النحل يتسبب فى موت شاهين، ويتجاوز أزمته الأخلاقية فى إنتاج العسل بالأفيون بل إنه يتجاوز علاقته بابنه الذى انتظره لسنوات.
النجمة منى زكى التى انتزعت آهات إعجابنا فى رحلتها مع «لعبة نيوتن».. أداء مدهش، حضور طاغ، جاذبية كبيرة، إحساس صادق وتلقائى، تعبيرات واعية وهى تجسد شخصية «هنا» التى تحلم بولادة ابنها بالأراضى الأمريكية، أرض الأحلام المؤلمة.
أمسكت منى بكل خيوط الشخصية وتفاصيلها وإحاطتها بخبرة السنين واحتضنتها بموهبة العمر وطموح جارف باتجاه منطقة إبداع خاصة بها، من أجل إمتاعنا، وكم كان مشهد الولادة عظيما وملهما بكل جوارحه وتلقائيته التى عشناها مع بطلتنا وما زلنا نعيش مفاجآت دراما المشهد، وكأننا أمام حياة حقيقية تنبض فينا كل ليلة وبالقطع كان لمفردات المخرج والمؤلف الموهوب تامر محسن الفنية دور كبير فى خروج تلك الصورة المذهلة بصريا وتمثيليا ودراميا.
فى «لعبة نيوتن» تدافع «هنا» عن وجودها وتتمسك بحلمها.. ومنى زكى أيضا تواصل وجودها كنجمة متفردة فى دنيا التمثيل الكبيرة
بينما كانت انفعالات محمد فراج صادقة جدا وكانت شخصيته مركبة استطاع أن ينقلها للناس بصورة مبهرة وكاريزما خاصة لشخصية ذى تركيبات نفسية واجتماعية خاصة، فهل هو المحامى أم رجل أعمال أم رجل دين يمارس نشاطًا تبشيريًّا أم عاشق أم محروم من أمه إنها مساحة كبيرة منحته فرصة للتألق، وكذلك محمد ممدوح الزوج الحائر، كان أداؤه مدهشا وثريا بانفعالاته، وتنقلات الشخصية من مرحلة هنا لمرحلة أمينة التى جسدتها بخبرة كبيرة وإحساس عائشة بن أحمد، وخاصة فى النصف الثانى من المسلسل وبعد التصريح بحقيقة مرضها، وهنا برز على الخط الدرامى بدر «سيد رجب» الذى منح المشهد بريقا خاصا بعمق أدائه وغموض سلوكه وأفعاله إلى حد ما، الذى استغل فى إنتاج عسل طبيعى بخليط من مخدر الأفيون، وذلك لاستخدامه كعلاج أو مسكن لمرض رفيقته أمينة ومع مرور الوقت يتحول بدر إلى حالة من الزهد فى كل شىء.
ويبقى مسلسل «لعبة نيوتن» العمل الأنجح هذا الموسم بما له من عوامل جذب كثيرة على رأسها الأداء التمثيلى المتقن من كل الممثلين بلا استثناء، والاختيار الجيد للكثير من الوجوه الجديدة وتسكين الأدوار بما يناسب كل شخصية، وأنه يمثل خروجًا على التقليدية وجنوحًا نحو التجديد والابتكار على مستوى البناء المركب، والأسلوب السردى، ورسم الشخصيات وغيرها من الأسباب التى تؤكد أنه تجربة مهمة قد تمثل نقطة تحول ونقلة نوعية شاملة للدراما المصرية
والمشاهد.
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات