استهداف سيناء: كلام فى الأمن القومى - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الإثنين 11 نوفمبر 2024 4:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استهداف سيناء: كلام فى الأمن القومى

نشر فى : الأحد 12 مارس 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 12 مارس 2017 - 10:00 م
استهداف سيناء حقيقة لا يمكن إنكارها والحرب مع الإرهاب قد تطول بأكثر من أى توقع.

من وقت لآخر، وأحيانا بصورة متسارعة، تنشأ مواجهات عنيفة وضربات متبادلة مع جماعات الإرهاب دون أن يبدو واضحا متى تحسم الحرب؟

فى مثل هذا النوع من الحروب فإن التفاف الرأى العام حول قواته التى تحارب مسألة لا غنى عنها، أن يعرف ماذا يحدث بالضبط؟.. وما دوره فيها؟.. وأين الثغرات التى يتعين سدها؟.. ثم أن يكون على يقين من الصورة التى سوف تستقر عليها الأوضاع فى سيناء بعد أن تصل الحرب إلى نهايتها، سيناء ليست مجرد ميدان مفتوح مع جماعات إرهاب شأن أى ميدان آخر فى الداخل المصرى. سيناء مسألة أمن قومى إذا سلخت فلا قومة لمصر بعدها.

وضوح الحقائق من مقومات حسم الحرب. لا يصح تجاهل التسريبات الإسرائيلية عن وطن بديل فى شمال سيناء، أو تبادل أراضٍ وفق تسوية تضمن التخلص من صداع غزة، وهضم ما تبقى من أراضى فى الضفة الغربية، وتهويد القدس بالكامل و«تطهير الدولة العبرية» من الفلسطينيين تحت عنوان «الدولة الواحدة».

التسريبات بذاتها مزعجة، فهى من ناحية شبه رسمية لاختبار ردات الفعل المحتملة، ومن ناحية أخرى فالإدارة الأمريكية الجديدة لا تمانع فيها على أقل التقديرات.

إذا لم يكن الكلام صارما والتصرفات على قدر الخطر فإن كل السيناريوهات محتملة بما فيها سلخ أجزاء من سيناء.

بغض النظر عن نظريات المؤامرة وضلوع «أنصار بيت المقدس» فيها فإن النتائج على الأرض تحسمها السياسات المعلنة.

هنا.. خط أحمر نهائى.

هنا.. الحدود الأخيرة للأمن القومى المصرى.

هنا.. الحرب من جديد إذا اقتضى الأمر.

بصياغة أخرى مصر لا تحتمل ولا تتحمل سلخ أى جزء من أراضيها.

بصورة أو أخرى سوف تهرع لحمل السلاح أيا كانت النتائج، فالتخاذل فى هذه الحالة لا يمكن تبريره والصمت عليه.

باليقين فإن أحدا فى مصر لا يطلب الحرب، لكنها قد تفرض عليها إذا ما استهانت إسرائيل بتكامل ترابها الوطنى.

أرجو أن نتذكر أن كل الحروب، التى خاضتها مصر على مدى سبعة عقود، ارتبطت بسيناء.

وقد اكتسبت رمزيتها من حجم الدماء والتضحيات التى بذلت حتى تكون مصرية وحرة.

فى عام (١٩٤٨) عبرت القوات المصرية سيناء إلى فلسطين، حيث قاتلت من أجل أمنها القومى قبل أى شىء آخر ــ بتعبير الضابط الشاب «جمال عبدالناصر» بخط يده أثناء العمليات العسكرية.
أفضت النتائج العسكرية لنكبة فلسطين إلى تغييرات راديكالية فى نظم الحكم ومراجعات جذرية فى الأفكار والتصورات وانقلابات كاملة فى موازين القوى.

وفى عام (١٩٥٦) اقتحمت القوات الإسرائيلية سيناء لإرباك الجيش المصرى حتى يتسنى للقوات البريطانية والفرنسية احتلال منطقة قناة السويس بلا مقاومة يعتد بها.

أفضت النتائج السياسية لحرب السويس إلى بروز الدور المصرى على المسرح الإقليمى قائدا بلا منازع لعالمه العربى وقارته الإفريقية، التى شهدت مطلع الستينيات من القرن الماضى أوسع عملية تحرير فى التاريخ.

وفى عام (١٩٦٧) تعرضت لهزيمة عسكرية فادحة استهدفت بالمقام الأول إجهاض تجربتها التنموية والتحررية من بين ثغرات نظامها السياسى، قبل أن تقف على قدميها من جديد فى سنوات حرب الاستنزاف.

بتضحيات الرجال عبرت أخطر مانع مائى فى التاريخ لتحرير أراضيها المحتلة فى أكتوبر عام (١٩٧٣) .

وبغض النظر عن النتائج السياسية لتلك الحرب فإن جيلا كاملا أبدى استعدادا لبذل كل تضحية ودفع فواتير دم حتى تظل سيناء مصرية وحرة.

تلك حقائق تاريخ لا يصح أن تنسى.

وتلك بديهيات سياسة لا يجوز أن تبهت.

سيناء قضية أمن قومى، لا التهاون ممكن ولا التخاذل محتمل.

كلما طالت الحرب مع جماعات الإرهاب يرتفع منسوب خطر سلخ أجزاء من سيناء.

وبقدر وضوح المواقف يكتسب البلد مناعته وقدرته على صد أية أخطار.

مستقبل سيناء تحدده اعتبارات متداخلة.

ما يجرى فى الإقليم من تطورات أساسية قد تؤسس لخرائط جديدة بعد انتهاء الحرب على «داعش» له دور وحساب.

وما يجرى فى الغرب من تحولات فى التوجهات الرئيسية بعد صعود «دونالد ترامب» له دور وحساب.

لابد أن يكون الصوت عاليا والكلام حاسما فيما يتعلق باستهداف سيناء وإلا فإن العواقب مرعبة.

كما أن مدى تماسك الوضع الداخلى له دور وحساب. تحصين الوضع الداخلى بقواعد دولة القانون، التى تضمن الحريات والأمن بالوقت نفسه، من ضرورات بناء أية استراتيجية متماسكة لدحر الإرهاب.

وتكامل الاستراتيجية يستدعى حضور المجتمع بحرية وعافية فى المشهد بعيدا عن صخب الدعايات.

تحت الخطر فإن المجتمع كله مدعو إلى التماسك، الذى يستدعى بالضرورة احترام القواعد الدستورية فى العدل الاجتماعى، كما فى الحريات العامة.

بقدر الخطر تماسكت، لكنها لم تتوقف عند رسائل ما جرى ولا نظرت فى سياقاته الإقليمية ولا تحسبت لما يمكن أن يحدث بعده.

تجاوز الصدمة لا يمنع تكرار مثل هذه الحوادث التى تستهدف إخلاء شمال سيناء، أو اعتبارها منطقة خطرة على سكانها بغض النظر عن هويتهم الدينية.

وقد كان مثيرا أن الألفاظ غلبت المعانى، فقد كان الحرص بالغا على عدم وصف ما جرى بـ«التهجير».

سواء كان تهجيرا، أو نزوحا، أو مغادرة فإن المعنى واحد والرسالة التى طلبتها الجماعات الإرهابية واحدة.

بالعمق فإن استهداف المسيحيين من استهداف سيناء نفسها. لم يكن استهداف المسيحيين هدفا عشوائيا، فهناك من طلب إخلاء شمال سيناء من مواطنيها المسيحيين لأسباب لم تنجلِ كل حقائقها.
أين الخطر بالضبط؟

هل فى الفكر الذى يحرض على العنف ويرى فى المسيحيين عدوا لا شريكا فى وطن؟

أم هو تمهيد ميدانى لإنشاء ولاية إسلامية تتبع «داعش» فى سيناء؟

أم أن الأمر يتجاوز ذلك كله إلى نزع شمال سيناء عن الجسد المصرى فى إطار مشروع لتبادل الأراضى؟

حيث الخطر بتنويعاته فإن القضية كلها يجب أن توضع فى عهدة الرأى العام حتى يستبين الحقائق قبل أن تداهمه بأخطارها.