المشهد الجيوسياسى بعد الجائحة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المشهد الجيوسياسى بعد الجائحة

نشر فى : الإثنين 12 أكتوبر 2020 - 8:20 م | آخر تحديث : الإثنين 12 أكتوبر 2020 - 8:25 م

نشر مركز Project Syndicate مقالا للكاتب جوزيف ناى، تناول فيه خمسة سيناريوهات متوقعة للمشهد السياسى فى أعقاب فيروس كورونا... نعرضه فيما يلى:
لا أحد يستطيع أن يجزم بسيناريو وحيد للمستقبل إلى أن يحدث، وأى محاولة لتصور المشهد السياسى فى أعقاب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيدــ19) يجب أن تتضمن مجموعة من سيناريوهات المستقبل المحتملة. وأنا أقترح خمسة سيناريوهات معقولة للمستقبل فى عام 2030، ولكن من الواضح أننا لا نستطيع أن نستبعد سيناريوهات أخرى.
نهاية النظام الليبرالى الخاضع للعولمة. خلق النظام العالمى الذى أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إطارا من المؤسسات التى أفضت إلى تحرير ملحوظ للتجارة والتمويل الدوليين. وحتى قبل جائحة كوفيدــ19، كان هذا النظام يواجه تحديات تمثلت فى صعود الصين وتنامى الشعبوية فى الديمقراطيات الغربية. وقد استفادت الصين من هذا النظام، لكنها تصر، مع نمو ثِـقَـلِها الاستراتيجى، على وضع المعاير والقواعد. فتقاوم الولايات المتحدة، وتصاب المؤسسات بالضمور، وتتزايد المطالبات بالسيادة. وتظل الولايات المتحدة خارج منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ. وتساهم جائحة كوفيدــ19 فى زيادة احتمالية حدوث هذا السيناريو من خلال إضعاف «مدير النظام» الأمريكى.
نشوء تحد استبدادى على غرار ثلاثينيات القرن العشرين. تعمل البطالة الجماعية، واتساع فجوة التفاوت، والارتباك المجتمعى الناجم عن التغيرات الاقتصادية المرتبطة بالجائحة على خلق ظروف مواتية للسياسات الاستبدادية. لن نجد نقصا فى الانتهازيين السياسيين الراغبين فى استغلال الشعبوية القومية للوصول إلى السلطة. وتتزايد حدة عداء المهاجرين وتدابير الحماية. وترتفع الرسوم الجمركية والحصص المفروضة على السلع والأشخاص، ويتحول المهاجرون واللاجئون إلى كباش فداء.
نظام عالمى تهيمن عليه الصين. مع تمكن الصين من قهر الجائحة، تتغير المسافة الاقتصادية بينها وبين القوى الكبرى الأخرى بشكل كبير. يتجاوز اقتصاد الصين نظيره فى الولايات المتحدة المتراجعة بحلول منتصف عشرينيات القرن الحالى، وتنجح الصين فى توسيع تقدمها على المنافسين المحتملين السابقين مثل الهند والبرازيل. بزواجها الدبلوماسى القائم على المصالح مع روسيا، تصبح الصين على نحو متزايد الشريك الأكبر. وليس من المستغرب أن تطالب الصين بالاحترام والتوقير بما يتفق مع قوتها المتزايدة. وتستخدم الصين مبادرة الحزام والطريق للتأثير ليس فقط على الجيران بل وأيضا الشركاء البعيدين مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية. ومع ضعف الاقتصادات الغربية مقارنة بالصين بسبب الجائحة، تصبح الحكومة الصينية وشركات الصين الكبرى قادرة على إعادة تشكيل المؤسسات ووضع المعايير كما تشاء.
أجندة دولية خضراء. ليست كل سيناريوهات المستقبل سلبية. بدأ الرأى العام فى العديد من الديمقراطيات يعطى أولوية أعلى لتغير المناخ والحفاظ على البيئة. وتقوم بعض الحكومات والشركات بإعادة ترتيب أمورها للتعامل مع مثل هذه القضايا. حتى قبل أزمة كوفيدــ19، كان بوسع المرء أن يتنبأ بأجندة دولية لعام 2030 يحدد هيئتها تركيز البلدان على القضايا الخضراء. ومن خلال تسليط الضوء على الروابط بين صحة البشر وصحة كوكب الأرض، تعمل الجائحة على التعجيل بتبنى هذه الأجندة.
المزيد من الشىء ذاته. فى عام 2030، تبدو جائحة كوفيدــ19 بغيضة بذات القدر الذى بدت عليه فى عام 1930 جائحة الإنفلونزا الكبرى التى دامت طوال الفترة من 1918 إلى 1920، مع تأثيرات جيوسياسية محدودة مماثلة فى الأمد البعيد. وتستمر الظروف السابقة. ولكن إلى جانب نمو القوة الصينية، والشعبوية المحلية والاستقطاب فى الغرب، وظهور المزيد من الأنظمة الاستبدادية، تنشأ درجة من العولمة الاقتصادية والوعى المتزايد بأهمية العولمة البيئية، يدعمها إدراك على مضض بعجز أى دولة عن حل مثل هذه المشكلات بالعمل منفردة. وتتمكن الولايات المتحدة والصين من التعاون فى التصدى للجائحات وتغير المناخ، حتى فى حين يستمر التنافس بين الدولتين فى ما يتصل بقضايا أخرى مثل القيود على الملاحة فى بحر الصين الجنوبى أو بحر الصين الشرقى. ورغم محدودية الصداقة، يصبح من الممكن إدارة الخصومة. وتذبل بعض المؤسسات، ويجرى إصلاح بعضها الآخر، فى حين تنشأ مؤسسات جديدة مخترعة. وتظل الولايات المتحدة الدولة صاحبة القوة الأعظم فى العالم، ولكن بدون الدرجة من النفوذ التى كانت تتمتع بها فى الماضى.
يحظى كل من السيناريوهات الأربعة الأولى بفرصة واحدة تقريبا من عشرة لرسم صورة تقريبية للمستقبل فى عام 2030. بعبارة أخرى، نجد أن احتمالات تسبب تأثير جائحة كوفيدــ19 الحالية فى إحداث عملية إعادة تشكيل عميقة للمشهد الجيوسياسى بحلول عام 2030 أقل من النصف. وقد تعمل عوامل عديدة على تغيير هذه الاحتمالات. على سبيل المثال، من شأن التطوير السريع للقاحات فـعـالة وجديرة بالثقة ورخيصة، مع توزيعها على نطاق واسع دوليا، أن يعمل على تعزيز احتمالية الاستمرارية وتقليص احتمالية حدوث السيناريو الاستبدادى أو الصينى.
ولكن إذا أفضت إعادة انتخاب دونالد ترمب إلى إضعاف تحالفات أميركا والمؤسسات الدولية، أو إلحاق الضرر بالديمقراطية فى الداخل، فإن احتمالية سيناريو الاستمرارية أو السيناريو الأخضر تتضاءل. من ناحية أخرى، إذا نجح الاتحاد الأوروبى، الذى أضعفته الجائحة فى البداية، فى تقاسم تكاليف استجابة البلدان الأعضاء، فقد يتحول إلى قوة فاعلة دولية مهمة وقادرة على تعظيم احتمالية السيناريو الأخضر.
لا يخلو الأمر من تأثيرات أخرى محتملة، وربما تنتج جائحة كوفيدــ19 تغيرات محلية مهمة ترتبط بأوجه التفاوت فى الرعاية الصحية والتعليم، فضلا عن تحفيز إنشاء ترتيبات مؤسسية أفضل فى الاستعداد للجائحة التالية. الواقع أن تقدير التأثير البعيد الأمد للجائحة الحالية ليس من قبيل التنبؤ الدقيق بالمستقبل، لكنه ممارسة فى تقييم الاحتمالات وتعديل السياسات الحالية.

النص الأصلى

التعليقات