ما وراء الكلمات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 29 مايو 2024 9:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما وراء الكلمات

نشر فى : السبت 13 فبراير 2010 - 9:29 ص | آخر تحديث : السبت 13 فبراير 2010 - 9:29 ص
بذكاء شرير، أدركت قوى الاستعمار أن الإنسان يفكر بالكلمات، وبالتالى أخذت المدارس التى أنشأها جنرالات بريطانيا، فى نيجيريا، تعليم اللغة الإنجليزية، وتعمدت أن تكون الكلمات المقررة ذات طبيعة تساهم فى تربية «المواطن الصالح»، من وجهة نظرها طبعا، فاختارت كلمات من نوع: هادئ، مؤدب، مطيع، متسامح، مبتسم، ممتثل للأوامر، يؤدى واجباته.. وفى ذات الوقت تتحاشى كلمات من قبيل: ثائر، مظلوم، عدالة، مطالب بحقوقه، عنيف، حرية.. وهى الكلمات التى استخدمها القادة النيجيريون لنشر الوعى عند الجماهير من أجل المطالبة بالاستقلال عقب الحرب العالمية الأولى.

إذن، الكلمات لها روح، وطاقة، وقوة إيحاء، كما تعبر عمَّن يستعملها، ويروج لها.. وحين نتلفت حولنا، عقب حصولنا على كأس الأمم الأفريقية، فى كرة القدم، نجد كلمات فظة، أقل ما توصف بها أنها غير متحضرة، تعبر عن غرور واستعلاء من ناحية، ورياء وادعاء من ناحية أخرى، فأكثر من مجلة وجريدة، كتبت عناوين تعلن بالنص، فوق صورة الفريق المصرى «أسياد أفريقيا» و«الكأس: يحتكره أسياد الناس»، وفى إعلان كبير، على واجهة مبنى رياضى مكتوب «الفراعنة.. أسياد أفريقيا».. إلغاء كلمة «أبطال» ووضع كلمة «أسياد» بدلا منها، تعنى أن الآخرين مجرد «عبيد»، الأمر الذى يليق بنا رفضه تماما، ذلك أنه يعبر عن نوع من الكبر «يخفى تحته الإحساس بالضآلة وصغر الشأن.. والأبشع أن تقرأ، غداة الفوز على فريق الجزائر تقريرا تحت عنوان «ليلة دخلة الفريق المصرى على الجزائر»، وهو عنوان يعبر عن خفوت الحس الأخلاقى، ويتطلب متخصصا فى علم الاجتماع أو علم النفس، كى يفسر ويشرح حالة «الهوس الجنسى» التى تتضح فى تلك الكلمات، والتى تتجلى فى تعليق المعلق الرياضى الذى يردد، أكثر من مرة، بصوت تمتزج فيه النشوة بالقلق «مضت ثلث ساعة والشبكة مازالت بكرا».

الوجه الآخر لهذا الهوس تجده واضحا فيما يمكن أن تسميه «استعراض الورع» فالصحف، وبعض القنوات التليفزيونية أصبحت تطلق اسم «فريق الساجدين» على فريق الكرة المصرية، كما لو أن أعضاءه من «النساك»، هم وحدهم الذين «يسجدون» لله شكرا، خاصة بعد إحرازهم هدفا، والملاحظ أنهم لا يسجدون حين تحل بهم الخسارة، فهل من الممكن القول «فريق الساجدين ــ فقط ــ إذا من الله عليهم بالكسب».. نزعة «استعراض الورع» ليست قاصرة على فريقنا الجميل وحسب، بل تمتد إلى الكثير من مظاهر حياتنا، حتى أنك إذا سألت أحدا عن اسمه، فإنه سيغلق عينيه نصف إغماضة، ويجيبك بصوت مفتعل الرقة: إنشاء الله.. حنفى».
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات