العلاقات السورية ــ الأمريكية - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلاقات السورية ــ الأمريكية

نشر فى : الجمعة 13 مارس 2009 - 7:22 م | آخر تحديث : الجمعة 13 مارس 2009 - 7:22 م

 أثارت زيارة كل من مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية (فيلتمان) وعضو مجلس الأمن القومى الأمريكى لشئون الشرق الأوسط (شابيرو) إلى دمشق ــ الحديث حول التطورات التى تشهدها العلاقات بين واشنطن ودمشق.

خصوصا أنه قد سبقتها زيارة لثلاثة وفود من أعضاء الكونجرس الأمريكى لسوريا ضمت بعض الشخصيات ذات الأهمية (رئيسى لجنة العلاقات الخارجية بمجلسى الشيوخ والنواب ) ومن الواضح أن زيارات أعضاء الكونجرس الأمريكى قد استهدفت الاستماع إلى وجهة النظر السورية بخصوص التطورات، والملفات المثارة فى المنطقة والتعرف على حقيقة الموقف السورى إزاءها، وقد أوضح هؤلاء الأعضاء فى أعقاب زيارتهم أن سوريا لديها استعداد جدى لحوار فعال ولتقديم المساعدة فى بعض القضايا الشائكة، وأنها يمكن أن تساعد بصورة كبيرة فى تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتوفير مزيد من الأمن والتقدم فى الأوضاع فى العراق.

وهو الأمر الذى مهد للزيارة الأخيرة للمسئولين الأمريكيين والتى تعتبر أهم التحركات الأمريكية أهمية على هذا المستوى وكان الحوار خلالها أكثر تحديدًا خصوصا أن فيلتمان عمل سفيرا فى لبنان، وكان مناهضًا للسياسة السورية. كما أن شابيرو وثيق الصلة بالدوائر وجماعات الضغط الصهيونية المؤثرة فى الولايات المتحدة، وكان من اللافت أن زيارتهم لدمشق أعقبت زيارتهما لبيروت كما عاد إليها بعد زيارة دمشق فى إشارة واضحة إلى أن أى تحسن فى العلاقات بين دمشق وواشنطن لن يكون على حساب لبنان، وللتأكيد على ثبات الموقف الأمريكى الداعم لاستقرار لبنان.

وعلى الرغم من الاهتمام الأمريكى الواضح للحوار مع سوريا ،وتعدد قنوات هذا الحوار فإن مراجعة
تصريحات العديد من المسئولين الأمريكيين أخيرا تشير إلى أن التوجه الأمريكى للحوار مع سوريا ليس مقصودا به العلاقات مع سوريا فى حد ذاتها فقط، ولكنه خطوة فى مجال السعى لفك الاشتباك السورى فى عدد من الملفات الإقليمية بما يتوافق مع المصالح الأمريكية.

وهو الأمر الذى أكدت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية فى تعليق لها على زيارة المسئولين الأمريكيين خلال مؤتمرها الصحفى فى أعقاب زيارتها الأخيرة لتركيا حيث أوضحت أهمية مواصلة الحوار مع سوريا لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة، ولاستكشاف مدى استعدادها لحوار جدى لا يستهدف ضياع الوقت وتأخير الاستحقاقات المطلوبة منها.

ويرى كثير من المراقبين أن زيارات المسئولين الأمريكيين، وما أعقبها من تصريحات أمريكية وسورية تشير إلى أن سوريا الآن أكثر استعدادا للقيام بتغيرات فى حركتها الإقليمية، وهو ما يمكن أن يزيد من مناخ التهدئة والتفاهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ويرون أن سوريا قد بادرت بإرسال إشارات إيجابية لواشنطن بهذا الخصوص خصوصا تحركها الجاد والمتواصل لتطبيع العلاقات مع العراق، وضبط الحدود المشتركة بصورة كبيرة.

كما أن تكرار المطالبة السورية بضرورة رعاية الولايات المتحدة لمفاوضات السلام مع إسرائيل تكشف بوضوح عن اقتناع سورى بأن واشنطن تملك التأثير الحاسم والأساسى فى ملف التسوية، وهو أمر كانت تتحاشى الإشارة إليه علنا وانتقدت الرئيس السادات عندما أكد على ذلك، إلا أن هذا الحوار الثنائى لا يزال فى بدايته ومن المرجح أن يتحرك ببطء وحذر.

حيث إن تطوير العلاقات الثنائية من جانب واشنطن لا يزال محكوما بإجراءات اتخذتها الإدارة الأمريكية السابقة، خصوصا قانون محاسبة سوريا الذى يتضمن قيدا على تطوير التعاون الاقتصادى والتجارى، وإن كانت هناك مؤشرات على تحرك إدارة الرئيس أوباما لمراجعته، وتبنى قضية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريرى، وعلى الرغم من التأكيد الأمريكى المتواصل على عدم حدوث أى تراجع عن دعم المحكمة ومحاكمة القتلة، فإن هذا الموقف لن يمثل عقبة كبيرة فى هذاالمجال،خصوصا أنه لا يتوقع صدور القرار النهائى للمحكمة قبل خمس سنوات تقريبا وهو ما يعطى مساحة كافية من الوقت للتعامل بين الطرفين إذا ما أبدت سوريا تغييرا إيجابيا لا يتعارض مع المصالح الأمريكية.

وهكذا نرى أن نجاح هذا الحوار الأمريكى السورى فى تحقيق اختراق إيجابى سوف يظل مشروطا من الجانب الأمريكى بضرورة تقديم سوريا مبادرات إيجابية فى الملفات اللبنانية والفلسطينية والعراقية. كما أنه من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى تقديم بعض الحوافز التى يمكن أن تساعد على تبلور هذه المبادرات الأمر الذى يتضح فى بعض التحركات المتزامنة مع الحركة الأمريكية والتى تخدمها بصورة مباشرة وتزيد من حجم التفاعل السياسى الداعم لتحقيق التفاهم فى النهاية.

ومن أهم مظاهر ذلك الإعلان التركى ــ خلال زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية ــ عن الرغبة فى العمل على استئناف التفاوض السورى الإسرائيلى، وتصريح هيلارى كلينتون الإيجابى بهذا الخصوص والحديث فى الوقت نفسه داخل إسرائيل عن وجود نوايا لدى نتنياهو لتحقيق تقدم على مسار التفاوض مع سوريا، يجنبه الضغوط الأمريكية لتحقيق إنجاز على المسار الفلسطينى ويساعد فى تغيير الموقف السورى من حماس وهو ما يتوافق مع المصالح الأمريكية فى النهاية، ويأتى فى هذا المجال أيضا ما أعلن عن زيارة مرتقبة لوفد من شركة بوينج الأمريكية إلى دمشق لدراسة تفاصيل صفقة طائرات لشركة الطيران السورية بعد الموافقة على تسلمها قطع غيار لطائراتها بعد فترة حظر لأكثر من أربع سنوات، ومن الواضح كذلك أن الجهود السعودية للتصالح مع سوريا والوساطة لتصالح سورى أوسع يساعد فى توفير ظروف إقليمية مواتية لسوريا ويخدم فى النهاية التحرك الأمريكى تجاه دمشق.

وهكذا يتضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تزال تحرص على وجود توازن بين أولويات المصالح الأمريكية فى المنطقة، وإن كانت آلية التنفيذ تركز على استثمار ما يسمى بالقوة الذكية التى تعتمد على الدبلوماسية كمحور رئيسى للحركة وسوف تشهد الفترة المقبلة فحصًا لجدية التجاوب السورى مع المطالب الأمريكية خصوصا دعم الاستقرار فى لبنان وتنفيذ استحقاقات القرار 1701 والمساعدة فى توفير متطلبات الاستقرار والأمن فى العراق فى أعقاب الانسحاب العسكرى الأمريكى من هناك وتقديم الدعم اللازم لتحقيق التفاهم والتهدئة الفلسطينية.

وفى تقديرى أن الهدف الأمريكى الرئيسى فى هذه المرحلة ليس التركيز على سحب سوريا من التحالف مع إيران ولكن دفعها لاتخاذ سياسات وسلوكيات تساعد على حل بعض المشكلات المثارة وتسمح فى النهاية بوقف التدخل والامتداد الإيرانى داخلها. وعلى الرغم من أن التجاوب السورى مع التحرك الأمريكى يشير إلى الابتعاد مسافة عن إطار الحركة الإستراتيجية الإيرانية، فإن مجمل التحركات السورية لم تتناقض مع الإطار الذى يحكم علاقات البلدين حتى الآن، إلا أن كثافة التوجه الأمريكى تجاه دمشق بدأت تقلق إيران رغم التطمينات السورية بهذا الخصوص.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات