رهانات متضادة: وصول حرب التجارة بين بكين وواشنطن إلى أمريكا اللاتينية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رهانات متضادة: وصول حرب التجارة بين بكين وواشنطن إلى أمريكا اللاتينية

نشر فى : الجمعة 13 سبتمبر 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الجمعة 13 سبتمبر 2019 - 10:15 م

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة «صدفة محمد محمود»، نعرض منه ما يلى:
شكَل إعلان شركة «هواوى» الصينية عزمها إنشاء مصنع للهواتف الذكية فى البرازيل، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع أوروجواى لتعميق التعاون فى مجال شبكات اتصالات الجيل الخامس والرقمنة الصناعية وتدريب الموهوبين على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، استمرارا للجهود الصينية الهادفة إلى تعزيز حضورها فى أمريكا اللاتينية، وهو الحضور الذى برزت بوضوح العديد من مؤشراته خلال السنوات الأخيرة.. الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد أوجدت دوافع لدى بكين لتوطيد علاقاتها مع دول القارة اللاتينية، التى أصبحت تُمثل ساحة جديدة من ساحات التنافس الأمريكى الصينى.

دوافع متعددة
هناك عدد من الدوافع المحرِكة لرغبة الصين فى تعزيز وجودها فى أمريكا اللاتينية، ومنها على سبيل المثال:
1ــ التقليل من تأثير العقوبات الأمريكية: مع نشوب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، عملت بكين على تعزيز علاقاتها مع بقية دول العالم لتعويض الخسائر الاقتصادية التى مُنيت بها جراء الحرب التجارية مع واشنطن. لذا حولت وجهة وارداتها من بعض السلع الأولية من الولايات المتحدة إلى دول أمريكا اللاتينية.
واتفق المسئولون الصينيون والبرازيليون على إنشاء شركة «هواوى» مصنعا للهواتف الذكية وكذلك لتصنيع معدات الاتصالات الداعمة لتقنية الجيل الخامس، وذلك بمدينة ساو باولو البرازيلية، بتكلفة تُقدر بنحو 800 مليون دولار. وتسعى الشركة الصينية إلى الاستفادة من نمو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى القارة اللاتينية، وخاصة البرازيل التى تُعد رابع أقوى الأسواق العالمية فى مجال مبيعات الهواتف الذكية. مما يعنى أن علاقات الصين الاقتصادية القوية بدول القارة اللاتينية، ساهمت فى تعزيز قدرة بكين على الصمود أمام الضغوط الأمريكية
2ــ مزاحمة النفوذ الأمريكى: عكفت الصين على تعزيز حضورها الاقتصادى والسياسى فيما يُعرف بـ«الحديقة الخلفية للولايات المتحدة»، رغبة منها فى موازنة النفوذ الأمريكى فى هذه المنطقة، التى اعتبرتها واشنطن، على مدى عقود طويلة، مجالا مباشرا لممارسة هيمنتها وسيطرتها الإقليمية، بل والدولية. وارتباطا بذلك، تسعى بكين لموازنة النفوذ الأمريكى المتزايد فى العديد من الدول الآسيوية، فى ظل المحاولات الأمريكية الدؤوبة لمحاصرة النفوذ الإقليمى للصين، ومحاولة تطويقها اقتصاديا وعسكريا، وذلك بتغلغل واشنطن داخل مجال بكين الحيوى ومناطق نفوذها، وكذلك من خلال تعزيز الحضور العسكرى الأمريكى فى جنوب شرق آسيا. لذلك فإن الصين تفعل الشىء نفسه فى أمريكا اللاتينية، فى إطار محاولاتها منع الولايات المتحدة من الإضرار بالمصالح الصينية فى آسيا والعالم.
3ــ ضمان مصالحها الاقتصادية: باعتبارها ثانى أكبر قوة اقتصادية فى العالم، فإن الصين تعمل على ترسيخ نفوذها الاقتصادى لضمان الوصول إلى الأسواق الشاسعة فى أمريكا اللاتينية، وكذلك للمخزون الاستراتيجى الهائل من المواد الأولية ومصادر الطاقة التى تحتاج إليها لتعزيز نموها الاقتصادى وضمان استمراريته. كما تحتفظ بثروات طبيعية هائلة، تؤهلها لأن تكون موردا بديلا للطاقة للصين. وجميعها عوامل ساهمت فى انتعاش حركة التبادل التجارى بين الطرفين، لتصل إلى 306 مليارات دولار عام 2018، لتصبح بكين الشريك التجارى الأول للبرازيل وشيلى وبيرو، وثانى أكبر شريك تجارى لبعض الدول الأخرى فى المنطقة. هذا بالإضافة إلى سعى الصين الحثيث لتوسيع نطاق مبادرة «الحزام والطريق» لتشمل دول القارة اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، وهو الأمر الذى ارتبط بضخها استثمارات ضخمة فى المنطقة، تجاوزت مائتى مليار دولار، لتصبح بذلك أمريكا اللاتينية والكاريبى ثانى أكبر وجهة للاستثمارات الصينية فى الخارج.
4ــ حشد الدعم السياسى: سعت الصين إلى ترجمة نفوذها الاقتصادى المتعاظم فى أمريكا اللاتينية إلى دعم سياسى مباشر من قبل دول المنطقة للمواقف والقضايا ذات الأهمية الخاصة بالنسبة للصين، وفى مقدمتها قضية تايوان، حيث ضغطت بكين على دول أمريكا اللاتينية لتقليص الدعم الدبلوماسى لتايوان، خاصة أن القارة اللاتينية تُعد موطنا لبعض الدول التى تعترف بتايوان. وفى هذا الإطار، أعلنت السلفادور فى أغسطس 2018، عن إقامة علاقات دبلوماسية مع العملاق الآسيوى، لتحذو بذلك حذو بعض الدول الأخرى فى المنطقة، والتى كان آخرها جمهورية الدومينيكان التى تخلت عن اعترافها بتايوان، وأقامت علاقات دبلوماسية مع الصين فى مايو من العام الماضى، وذلك فى إطار الالتزام بسياسة «الصين الواحدة». والشىء نفسه ينطبق على بنما، حيث إن هناك علاقة واضحة بين الاستثمارات الصينية الضخمة فى بنما، وقرارها الاعتراف بـ«بكين» بدلا من «تايبيه».

قيود مزدوجة
على الرغم من الجهود التى بذلتها الصين، على مدى العقود الماضية، لتوطيد علاقاتها بدول أمريكا اللاتينية، لا يزال التقارب الصينى اللاتينى يواجه العديد من العقبات والقيود، كما يتضح فيما يلى:
1ــ الدور الأمريكى: تُمثل الضغوط التى تمارسها الإدارة الأمريكية الحالية عقبة رئيسية أمام الجهود الصينية الرامية إلى توسيع نطاق علاقاتها مع دول القارة اللاتينية. ويُشكل تعزيز الصين حضورها فى أمريكا اللاتينية، من وجهة نظر إدارة الرئيس «ترامب»، تحديا كبيرا للهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية فى القارة اللاتينية، وذلك بسبب ما نتج عن ذلك من حدوث تحول إقليمى فى اتجاهات التجارة فى المنطقة؛ حيث نجحت الصين فى إزاحة الولايات المتحدة، لتصبح الشريك التجارى والمستثمر الرئيسى وكذلك المقرض الأكبر للعديد من دول أمريكا اللاتينية. وفى هذا السياق، عمل وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو»، على الضغط على دول أمريكا اللاتينية بسبب علاقاتها مع الصين خلال جولاته المتكررة فى المنطقة. واتهم «بومبيو» بكين بـ«زرع الشقاق» فى المنطقة من خلال «فخ الديون»، وقال: «عندما تأتى الصين لا يكون ذلك دائما أمرا طيبا لمواطنيكم»، وأضاف: «الحقيقة ببساطة هى أن الصين استثمرت فى مناطق من العالم بأساليب جعلت الدول فى حالة أسوأ، ويجب ألا يكون هذا هو الحال أبدا».
2ــ الضغوط الداخلية: يلقى الدور الصينى فى القارة اللاتينية معارضة من قبل بعض القوى الداخلية، والتى من بينها بعض رجال الأعمال والمنظمات غير الحكومية. ويرجع ذلك إلى المخاوف من تفاقم العجز التجارى مع الصين، والذى يبلغ ــ فى الوقت الحالى ــ نحو عشرين مليار دولار، إلى جانب انخفاض سعر السلع الصينية مما يُضعف من القدرة التنافسية للسلع المحلية. هذا بالإضافة إلى الاعتماد الكبير لاقتصادات تلك الدول على المواد الأولية كصادرات للصين، مما ساهم فى إضعاف القطاع الصناعى لديها. فمنذ عقد مضى، أعطى التوسع الاقتصادى الصينى السريع دفعة قوية لاقتصادات أمريكا اللاتينية، التى كان نموها مدفوعا بارتفاع أسعار السلع الأساسية. ولكن عندما تباطأ النمو فى الصين، انخفضت أسعار السلع، مما ألحق أضرارا بالغة باقتصادات دول المنطقة. علاوة على الانتقادات التى توجهها العديد من منظمات حماية البيئة وحقوق الإنسان للمشروعات التى تمولها الحكومة الصينية، نظرا لعدم التزامها بالمعايير البيئية المطلوبة، وغياب الشفافية فيما يتعلق بمعايير وشروط تنفيذ المشروعات، هذا إلى جانب معارضة السكان الأصليين لبعض المشروعات الصينية التى يجرى تنفيذها فى المناطق التى يقطنون فيها.

مستقبل الدور الصينى
يتوقف مستقبل الدور الصينى فى أمريكا اللاتينية على عدة عوامل، من أهمها:
1ــ استمرار المساهمة الإيجابية للصين: ليس من قبيل المبالغة القول بأن بروز الصين كلاعب رئيسى فى أمريكا اللاتينية قد ساهم فى تقليل اعتماد دولها على الولايات المتحدة، وتنويع مصادر التمويل والاستثمار فيها، وفتح أسواق جديدة لصادراتها. وساهمت الاستثمارات الصينية بالفعل فى تنمية دول المنطقة، وزيادة حجم الطبقة المتوسطة، وخفض معدل الفقر فى الإقليم، كما ساهمت فى خلق ما لا يقل عن 1.8 مليون فرصة عمل مباشرة.
وفى السياق ذاته، لعب الدور الصينى إلى جانب الروسى دورا محوريا فى استمرار النظام الحاكم فى فنزويلا على الرغم من جميع الضغوط الدولية والداخلية المفروضة عليه. وهذه الفوائد المتحققة لدول أمريكا اللاتينية نتيجة الاستثمارات والتجارة مع الصين، تجعل دول المنطقة ترحب بالدور الصينى، وذلك بغض النظر عن طبيعة التيار السياسى الحاكم فى تلك الدول، سواء كان اليمين أو اليسار.
2ــ فاعلية الضغوط الأمريكية: من الواضح أن الضغوط الأمريكية، حتى الوقت الراهن، لم تُؤتِ ثمارها بعد، ولم تنجح فى تعديل سلوك دول المنطقة تجاه الصين؛ فالبرازيل التى كان من المرجح أن تُعيد صياغة علاقاتها مع الصين فى عهد رئيسها اليمينى «جايير بولسونارو»، الذى يُولى أهمية خاصة لتوطيد علاقات بلاده بالولايات المتحدة، استمرت فى الترحيب بالاستثمارات الصينية، كما دعت الحكومة البرازيلية إلى زيادة حجم التبادل التجارى مع الصين التى تُعد أكبر شريك تجارى للبرازيل.
وفى الإطار ذاته، أعلن «هاميلتون موراو» نائب الرئيس البرازيلى، أن بلاده لن تفرض قيودا على نشاط الشركة الصينية فى البرازيل، مؤكدا أن «علاقات بلاده مع الصين لن يتم تجاهلها»، وذلك على الرغم من الضغوط الأمريكية على دول المنطقة لحظر شركة «هواوى»، ومنعها من تطوير شبكات الجيل الخامس من الهواتف المحمولة. وفى السياق ذاته، تخطط كل من المكسيك والأرجنتين وشيلى للتعاون مع الشركة الصينية من أجل البدء فى إدخال تقنية الجيل الخامس خلال العام القادم. ومن الواضح أنه فى ظل تعثر النمو الاقتصادى فى دول المنطقة، تزداد حاجتها إلى جذب المزيد من الاستثمارات الصينية.
3ــ موقف دول أمريكا اللاتينية: وضعت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، دول أمريكا اللاتينية بين شقى رحى، حيث وجدت نفسها ممزقة بين شريكها التقليدى فى أمريكا الشمالية والمستثمر الآسيوى الجديد نسبيا. وتتوقف مدى استفادة دول أمريكا اللاتينية من الدور الصينى فى المنطقة على قدرتها على تحقيق التوازن بين الولايات المتحدة والصين، من خلال اتباعها استراتيجية «مرنة وبراجماتية»، تستهدف تعظيم الفوائد المتحققة لتلك الدول من علاقاتها بالطرفين. وقد استفادت بالفعل بعض دول المنطقة نتيجة الحرب التجارية الأمريكية مع الصين، حيث قامت بعض دول أمريكا اللاتينية بإمداد الصين باحتياجاتها من بعض المنتجات الزراعية وخاصة فول الصويا عقب التعريفات الجمركية التى فرضتها بكين على فول الصويا الأمريكى، وتوقفها عن الشراء من المنتجين الأمريكيين.

النص الأصلي:من هنا

التعليقات