صدام حضارات أم صدام جهالات وأصوليات؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صدام حضارات أم صدام جهالات وأصوليات؟

نشر فى : الإثنين 13 سبتمبر 2021 - 9:45 م | آخر تحديث : الإثنين 13 سبتمبر 2021 - 9:45 م
فى الذكرى العشرين لهجمات ١١ سبتمبر ومع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وما رافق ويرافق ذلك من تساؤلات حول ما إذا ستعود أفغانستان لتشكل قاعدة للقاعدة وأخواتها من منظمات وحركات إرهابية، يعود البعض إلى السؤال الذى طرح منذ ذاك الوقت خاصة مع عولمة الإرهاب: هل نحن أمام عالم يحكمه صدام حضارات حسب نظرية صامويل هانتجتون (مقالته فى عام ١٩٩٣ تلاها كتاب له فى هذا الموضوع) يقوم على صدام الجغرافيا الثقافية أو الجغرافيا الحضارية. هجمات ١١ سبتمبر حصلت بعد ١٢ عاما من سقوط جدار برلين الذى كرس سقوط نظام قام على صدام الجغرافيا السياسية. صدام الحضارات أو صدام الهويات الثقافية يعكس رؤية حتمية ونظرة اختزالية للعالم؛ رؤية تقيم جدار برلين جديدا على أسس مختلفة. وجاءت هجمات ١١ سبتمبر لتعزز هذه الرؤية. ولكن حقيقة الأمر أن الحضارات لا تتصارع أو تتعاون بل يحصل ذلك باسمها لأسباب سياسية أو عقائدية من طرف من ينتمى إليها والذى قد يدعى للأسباب ذاتها أنه وحده يملك الحقيقة والحق بالتعبير عن مصلحة هذه الحضارة أو تلك. نحن فى حقيقة الأمر فى هذه الحالات أمام صراع جهالات أو صراع أصوليات كما يصف ذلك أكثر من كاتب ومراقب. فالاختلاف حسب مدرسة صراع الحضارات، يعنى حتمية الخلاف باعتبار أن «أصحابه» يملكون الحقيقة المطلقة. صراع يغذى ويتغذى على موقف «الآخر« الذى يشابهه فى الرؤية والتفكير من موقع مقابل.. «ثقافة» صراع الحضارات تقوم على «رباعية» الشك والتبسيط والاختزال والإلغاء فى نظرتها للآخر المختلف.
بطبيعة الأمر تتغذى هذه الخطابات على الأعمال الإرهابية بجميع أشكالها وعلى السلوكيات أو خطاب الكراهية الذى يصدر عن بعض من ينتمى إلى الآخر المختلف فى هويته وبالطبع عبر منطق التعميم والاختزال.
إن محاربة الإرهاب ليست فقط عملا أمنيا أو عسكريا رغم أهمية ذلك وضرورته بل تتعدى هذا المجال إلى ضرورة اعتماد مقاربة شاملة تتناول مختلف أوجه وأبعاد الحياة فى المجتمع؛ من السياسى إلى الثقافى إلى الاقتصادى إلى التربوى إلى الاجتماعى. تزداد التحديات فى كوننا نعيش فى قرية كونية وفى ظل ثورة وسائل التواصل الاجتماعى وازدياد حدة الفروقات الاقتصادية بتداعياتها المختلفة على مختلف أوجه الحياة، ضمن الدول وبين الدول والأقاليم الجغرافية. وما زاد من التحديات والمخاطر انتشار جائحة الكورونا وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ولو اختلفت هذه التداعيات بين دولة وأخرى وإقليم وآخر.

أمام ذلك كله يقوم التحدى المطلوب التعامل معه بفاعلية ونجاح على مستويات ثلاثة متكاملة (وطنى وإقليمى ودولى)، كل واحد منها يعزز الآخر، وذلك من أجل التغلب على منطق صدام الحضارات بتعبيراته المتعددة وتداعياته المختلفة والخطيرة والمكلفة للجميع. إن تعزيز مفاهيم وقيم وبرامج التنمية المشتركة (codevelopment) والشاملة على جميع الأصعدة يبقى المدخل الضرورى لاجتثاث العوامل التى تغذى الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله. إنه تحد ليس من السهل مواجهته بفعالية ونجاح ولكن ليس من المستحيل القيام بذلك إذا ما توفرت القناعة والإرادة والرؤية لذلك.

كلمة أخيرة، إن الصراع ليس بين الحضارات بل هو صراع ضمن الحضارات: إنه صراع بين احترام الاختلاف والتنوع كمصدر للغنى بجميع أبعاده من جهة وبين من يعتبر الاختلاف بمثابة خلاف مطلق ومفتوح فى الزمان والمكان من جهة أخرى.
ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات