قل وثيقة حقوق وقواعد ديمقراطية وليس وثيقة مبادئ حاكمة للدستور - سامر سليمان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قل وثيقة حقوق وقواعد ديمقراطية وليس وثيقة مبادئ حاكمة للدستور

نشر فى : الأحد 13 نوفمبر 2011 - 10:05 ص | آخر تحديث : الأحد 13 نوفمبر 2011 - 10:05 ص

هل يصح أن تُقام مباراة كرة قدم دون قواعد واضحة تحدد الممنوعات فى ممارسة اللعبة؟ أليس من الضرورى وجود وثيقة تقول على سبيل المثال أنه لا يحق لأى لاعب أن يمسك الكرة بيده ولا يصح له أن يلكم منافسه كما لا يحق لفريق فاز بمباراة أو بكأس أن ينصب نفسه بطلا إلى الأبد. أليس من الضرورى وجود حكم لمراقبة التزام اللاعبين بهذه القواعد؟ إذا كان ذلك كذلك فلماذا إذن يُراد لنا أن ندخل على عملية سياسية بدون تحديد الممنوعات؟ لماذا يُراد لنا أن ننتخب مجلس شعب دون أن نتفق على حدود سلطاته؟ يقولون إن ذلك يمثل اعتداء على «الإرادة الشعبية»! هكذا أصبح لدينا فزاعة جديدة فى السياسة المصرية هى فزاعة «الإرادة الشعبية»، التى هى فى الحقيقة الاسم الحركى للأغلبية البرلمانية. من حق الأغلبية البرلمانية أن تشكل حكومة ومن حقها أن يكون لها الصوت الأعلى فى كتابة الدستور. ولكن ليس من حقها كتابة دستور بشكل منفرد. وليس من حقها أن تكتب دستورا يعصف بحقوق الإنسان أو أن يصادر فرصة الأقليات السياسية فى الانتقال من موقع الأقلية إلى الأغلبية فى انتخابات لاحقة.

 

بالتأكيد البلد يحتاج إلى وثيقة تحدد الحقوق والقواعد الديمقراطية الأساسية التى لا يجب أن تخرج عليها أى أغلبية برلمانية. فلماذا يتعثر صدور هذه الوثيقة حتى الآن؟ لسببين: الأول لأن معظم من حاولوا ترويج فكرة هذه الوثيقة لم يحسنوا عرض الفكرة. فسموها مثلا مبادئ «فوق دستورية» بما يحمله ذلك من شبهة فرضها من أعلى على البرلمان، وهى فى الحقيقة مبادئ قبل دستورية. أى أنها مبادئ وقواعد سابقة على انتخاب البرلمان. بل أن بعض من تصدوا لكتابة الوثيقة انحرف بالفكرة إلى مسارات تخرج بالوثيقة عن تحديد الحقوق والقواعد إلى منح امتيازات، مثل إعطاء مؤسستى القضاء والجيش الحق فى صياغة القوانين المنظمة لهما بشكل منفرد وبطريقة تصادر حق ممثلى الشعب المنتخبين فى صياغة هذه القوانين.

 

السبب الثانى فى تعثر خروج وثيقة الحقوق الأساسية والقواعد الديمقراطية يكمن فى أن هناك تيارات تتوق تحقيق فوزا انتخابيا كبيرا يتيح لها أن تنفرد بكتابة دستور على هواها ومن ثم هى لا تريد أن تلزم نفسها بأى قواعد وأى عهود. هذه التيارات ترتكب خطئا كبيرا برفضها للوثيقة. لأنها لو حصلت على أغلبية كاسحة وبدأت تمارس الاستبداد فإن ذلك لن يؤدى إلا إلى العصف بالتحول الديمقراطى بالكامل. فلنتذكر تجربة الجزائر سنة 1991 حين فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية كاسحة فى الانتخابات البرلمانية وحينما خرجت تصريحات من بعض قياداتها تهاجم فكرة الديمقراطية ذاتها الأمر الذى فتح الطريق لانقلاب عسكرى أعقبه حرب أهلية لم تتعاف الجزائر من آثارها حتى اليوم.

 

•••

 

فلنكن صرحاء.. إن أى فوز انتخابى كاسح لتيار سياسى لديه ميول تسلطية سيفتح الطريق أمام الانقلاب على بناء النظام الديمقراطى فى مصر فى ظل تسامح الكثيرين مع ذلك على أساس أن ديكتاتورية العسكر أرحم من ديكتاتورية رجال الدين. الحق أن الميول الاستبدادية لا ينفرد بها التيار السياسى الدينى. لكن خصوصية هذا التيار تكمن فى أن ميوله المستبدة أخطر لأنها تبرر نفسها بحماية الدين. فلنتذكر أن بعض فصائل التيار السياسى الدينى لا تؤمن بالإرادة الشعبية من الأصل. هى تقبل الآن بفكرة الإرادة الشعبية لأنها تعتقد أن الإرادة الشعبية ستأتى بها إلى السلطة وتسمح لها بتنفيذ «الإرادة الإلهية». لكن فى عرف بعض هذه الفصائل الديمقراطية كفر لأنها تعطى السيادة للشعب فى حين أن السيادة لله وحده. وغنى عن القول أن تلك الفصائل تدعى أنها عارفة بماهية الإرادة الإلهية وصاحبة توكيل فى تحقيق سيادة الله.

 

هناك خطر حقيقى يتهدد بناء النظام الديمقراطى فى مصر ما لم تتكاتف التيارات السياسية الأساسية، ومنها الإخوان المسلمون، لكى تتفق على القواعد الأساسية للديمقراطية التى لا يجب الخروج عليها. إن أداء الإخوان فى المرحلة الماضية كان مخيبا لكثير من الآمال التى عقدت عليهم كى يجروا الفصائل المتشددة إلى الاعتدال. ففى أكثر من موقف بدا أن الإخوان يتم جرهم خلف الفصائل المتشددة. بل إن بعض وعود قيادات الإخوان باحترام الحريات الشخصية والعامة جاءت بشكل يطعن فى هذه الحريات من الأصل. خذ على سبيل المثال تصريح الأستاذ صبحى صالح الذى قال فيه إنهم لن يلزموا المرأة بارتداء الحجاب لأن من تصر على الذهاب إلى النار فلها ذلك. فناهيك عن أن هذا التصريح فيه اجتراء على إصدار أحكام بالجنة والنار على الناس وفيه قذف علنى للمرأة غير المحجبة، فإنه بالإضافة إلى ذلك يحمل فى طياته استبدادا كامنا. لأن من يتسامح اليوم مع حق المرأة فى «الذهاب إلى النار» له فى المستقبل أن «يحميها» من نفسها وأن يفرض عليها الحجاب بالقوة.

 

كاتب هذه السطور يصدق بعض قيادات التيارات السياسية الدينية حين تقول أنه ليس هناك تيار سياسى بمفرده يستطيع الاضطلاع بحل مشكلات مصر المزمنة وأنهم يسعون للمشاركة وليس المغالبة. المشكلة أن معظم العناصر المستنيرة داخل هذه التيارات انساقت إلى رفض وثيقة الحقوق والقواعد الديمقراطية الأساسية، والمشكلة الأكبر أنها بررت هذا الرفض باستخدام خطاب شبه ديمقراطى فيه مفردات مثل الإرادة الشعبية.

 

لكى نعبر التحول الديمقراطى بسلام يجب أن تتفق كل القوى السياسية على حدود لا تتخطاها، وعلى حكم تلجأ إليه عندما تختلف. فهل تستطيع المحكمة الدستورية العليا أن تلعب هذا الدور؟ أم أن قيادتها المرتبطة بالنظام القديم لا تحظى بقبول يتيح لها لعب هذا الدور؟ للأسف لم تنتبه قوى الثورة إلى أهمية الضغط من أجل إصلاح المحكمة الدستورية العليا وتغيير قيادتها لكى تكون عونا على بناء نظام ديمقراطى جديد. إن ضعف دور المحكمة الدستورية العليا يضع على عاتق الحكماء من الشخصيات العامة دورا كبيرا لكى تحاول لعب دور الحكم النزيه. لأن البديل عن ذلك هو قيام المجلس العسكرى بدور الحكم وهو ما يستحيل عليه القيام به لأنه طرف أساسى فى العملية السياسية التى تجرى الآن.

 

•••

 

ولكى نعبر التحول الديمقراطى بسلام يجب أن نتفق على أن الأغلبية البرلمانية التى ستختار الجمعية التأسيسية التى ستكتب الدستور يجب أن تكون أغلبية كبيرة لا تقل عن ثلثى البرلمان. فلا يعقل أن تنفرد أغلبية نصف + واحد بكتابة دستور. لقد جاء الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى خاليا من أى تحديدات خاصة بالأغلبية المطلوبة داخل البرلمان للبت فى شئون كتابة الدستور. فهل التقاليد الدستورية المصرية ــ التى تفرض أغلبية الثلثين كحد أدنى حينما يتعلق الأمر بالدستور وليس بالقوانين ــ راسخة بما يكفى لكى تفرض نفسها على البرلمان القادم؟ أم أن الحيطة تقتضى العمل على إضافة نص إلى الإعلان الدستورى؟

سامر سليمان  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات