لماذا تخلفنا وتقدم سوانا؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 11:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا تخلفنا وتقدم سوانا؟

نشر فى : الإثنين 13 نوفمبر 2023 - 6:40 م | آخر تحديث : الإثنين 13 نوفمبر 2023 - 10:01 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب كرم الحلو، أجاب فيه عن سبب تخلف العرب وتقدم الأمم الأخرى، مستعينا بمؤلف للكاتب اللبنانى حازم صاغية بعنوان (فى أحوالنا وأحوال سوانا)... نعرض من المقال ما يلى.
لماذا تأخر العرب وتقدم الآخرون؟ سؤال إشكالى مركزى شغل حيزا كبيرا فى الفكر العربى المعاصر والحديث، وطرح بصيغ مختلفة ومن خلفيات إيديولوجية متناقضة. فهل هذا التخلف بنيوى لا يمكن تجاوزه أو استئصاله أم هو عائد إلى عوامل تاريخية أو سياسية أو إلى هيْمنة الغرب التى فرضت علينا حداثة شوهاء منزوعة من عقلها الحداثى أم أنه يرجع إلى أن ثمة قطيعة بيننا وبين تراثنا الذى به ارتقت حضارتنا إلى مقدمة الحضارات الإنسانية؟
يستعيد المفكر السياسى حازم صاغية فى كتابه «فى أحوالنا وأحوال سوانا» (دار الساقى 2003) هذه الإشكالية، من موقع التشديد على الدور الذاتى، وأول هذا الدور «يطال مكافحتنا نظام القرابة الموسع ــ طائفية، إثنية... مما كافحه غيرنا ممن تقدموا». ذلك أن نيْلنا حقوقنا وإقرار الآخرين بعدالة قضايانا لن يحصل ما لم نفعل ما يتعدى هجاء الغرب.
لا ينفى المؤلف انحيازه إلى ليبرالية الغرب، بل هو نبه إلى ذلك فى المقدمة، لأن التقدم الذى حصل خارج الغرب جىء به، فى رأيه، من الغرب، ولأن النماذج المناهضة للغرب التى عرفها القرن الماضى ليست مقنعة بأى معنى كان. وعليه، يرفض صاغية رد الإشكال الحضارى العربى إلى الحقبة الاستعمارية؛ ففى هذه الحقبة أحرز المثقفون الشرط الأول للعمل الثقافى، وهو الحرية وما يصاحبها من نزعات نقدية ونقاش عام. فى العام 1902 اندلع السجال بين محمد عبده وفرح أنطون حول الدين والحرية والعلم والعلْمنة، وفى العام 1925 دعا على عبدالرازق فى «الإسلام وأصول الحكم» إلى فصل الدين عن الدولة، وفى العام 1926 كتب طه حسين «فى الشعر الجاهلى»، وفى العام 1937 وضع إسماعيل أدهم رسالته «لماذا أنا ملحد؟». وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر أنشئت دار الكتب المصرية وصدرت صحف ومجلات مثل «الأهرام» و«المقتطف» و«المقطم» فى مصر، و«حديقة الأخبار» و«نفير سورية» فى لبنان، وفى هذه الحقبة أيضا، تعرف العالم العربى إلى المسرح والفن الروائى والسينما، وذلك كله كان على صلة بالغرب والثقافة الغربية التى تأثر بأفكارها ومبادئها رواد نهضتنا الحديثة، من رفاعة الطهطاوى وبطرس البستانى إلى جرجى زيدان وطه حسين، مرورا بجبران خليل جبران وأمين الريحانى، ومن دون أن يذهب هؤلاء إلى ادعاء التبعية الكاملة للغرب أو أبوته لنا.
لم يكن المثقفون فى هذه الحقبة، فى رأى المؤلف، على رداءة زملائهم اللاحقين، بل كانوا أفْعل وأشد تأثيرا، فقد استبعدت تلك الرؤية المتنورة للتاريخ ولوظيفة المثقفين التى ميزت الجيل السابق، بعد نشأة الإخوان المسلمين فى العام 1928، ونكبة فلسطين فى العام 1948، وثورة 1952، ليحل محلها الالتحاق بالسرديات الشعبوية.
فى هذا الوقت راجت نظريات المنظر الشيوعى الايطالى أنطونيو جرامشى فى «المثقف العضوى» حيث خنق العضوى الثقافى وقيده بمهمات يصعب ردها إلى الثقافة، فى حين لم يكن الالتزام هو قضية المثقف بل الديموقراطية التى أساسها الحريات العامة. وقد انتهت تجارب مثقفينا العضويين، حتى مع أحزابهم وقياداتهم، إلى المهانة والأذى الذى بلغ حد القتل. وفى ما نزل بفرج الله الحلو ورئيف خورى وصلاح الدين البيطار وعبدالخالق السمرائى وسواهم أدلة ساطعة على المآل البائس للمثقف العضوى والثقافة على السواء. فقد أسفر ذوبان الثقافة فى السياسة عن ضمور الإبداع الثقافى وتراجع الدور المركزى للمثقفين فى الدفاع عن الحرية.
• • •
إزاء القاموس السياسى العربى السائد الذى بات مثقلا بحديث العصبيات المذهبية والطائفية والإثنية والجهوية، استحضر صاغية نظرية ابن خلدون فى «العصبية» لما تتميز به من راهنية لفهم مجتمعاتنا العربية. فما يعانيه العالم العربى من تفكك وأزمات وصراعات يجد تفسيره فى سياسات العصبية، إذ إن «الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة» على ما رأى ابن خلدون. ينطبق ذلك على حالات اليمن ولبنان وليبيا والعراق وفلسطين وغيرها لانتفاء غلبة عصبية «أقوى من سائر العصائب ليقع الغلب منها وتتم الرئاسة لأهلها».
أما الإصلاح الدينى الذى دشن عصرا جديدا فى الغرب، فلا يعول المؤلف على إصلاح مشابه له ممكن فى الإسلام فى الظرف العربى الراهن لافتقاره إلى حامل اجتماعى يرتكز عليه، على عكس الإصلاح الأوروبى الذى جاء جزءا من عملية تاريخية عريضة وسعت نطاق الحرية والفردية. وفى مقابل الصعود الشامل الذى أحاط بالإصلاح الأوروبى، يغمرنا فى العالم العربى اليوم محيط من التراجع والتبديد يتسع بإيقاع يومى، حتى أن ما كان متاحا مع محمد عبده ثم تلاميذه يبقى على تواضعه أكبر بلا قياس مما هو متاح اليوم.
ترافق هذا التراجع مع تدمير مدن ثلاث من مدن المشرق العربى هى من أهم مدنه وأعظمها: الموصل فى العام 2014، وحلب فى العام 2016، ثم بيروت فى العام 2020. وقد عمدت الأنظمة والأحزاب السلطوية إلى تطويع المدن، فـ 2 فى المائة فقط من قيادة الحزب الحاكم فى سوريا إبان 1963 ــ 1966 كانوا دمشقيين و8 فى المائة حلبيين، بينما وصل عدد أفراد التنظيمات الفلاحية الموالية للنظام إلى 46239 فى العام 1990. وتعرضت بيروت لموجة نزوح وسلسلة حروب تأدى عنها طرد السلطة المركزية وتسليم المدينة إلى ميليشيات الطوائف. وبدلا من أن تؤدى هجرة أبناء الريف إلى تمدينهم، فقد أقاموا فى المدن بكل حمولاتهم الاجتماعية السابقة. وهكذا امتلكت روابط كالعشيرة والقبيلة حضورا يفوق حضور الاشتراك فى جماعة مدينية. الأمر الذى حدا بالمؤلف إلى القول باستحالة المدينة وإلى تفضيل بل تبنى الليبرالية مقابل الأيديولوجيات القومية والماركسية والإسلامية. فالليبرالية أساسها الأول الاعتقاد بأن الحرية هى القيمة السياسية الأولى، وأن الفرد يتقدم على الجماعة وبقيمة قائمة بذاتها، وبكرامة وفرادة إنسانيتين، وأنه وحده صاحب القرارات التى تتعلق بحياته. ولذلك فإن قرارات الأفراد التى لا تنبع من دين أو تقليد موروث أو عواطف، هى وحدها القرارات العقلانية. فالمعرفة من منظور ليبرالى ليست نصا مقدسا أو شبه مقدس، بل هى التفحص العلمى والنقدى الحر والمتواصل.
• • •
«فى أحوالنا وأحوال سوانا» يشكل إضاءة على جوانب واسعة من فكرنا السياسى والاجتماعى المعاصر، فقد طرح إشكاليات هذا الفكر بكل خلفياتها التاريخية، من منظور عقلانى نقدى يحرض على الخروج من الانتماءات الضيقة، القرابية أو الطائفية أو المذهبية، والانطلاق من دون أى قيود فى فضاء الحرية الإنسانية الرحب. ولعل فى ذلك سر الإجابة عن سؤال «لماذا تخلفنا وتقدم سوانا؟» الذى لا يزال يدور حوله فكرنا العربى منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم.

النص الأصلي
https://bitly.ws/327je

التعليقات