تراث الإنسان فى قلب الموسم المهرجانى القاهرة ومكانتها عاصمة للسينما.. العودة الأبدية (٣ من ٤) - إبراهيم العريس - بوابة الشروق
الأحد 16 نوفمبر 2025 9:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

تراث الإنسان فى قلب الموسم المهرجانى القاهرة ومكانتها عاصمة للسينما.. العودة الأبدية (٣ من ٤)

نشر فى : الخميس 13 نوفمبر 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الخميس 13 نوفمبر 2025 - 7:05 م

... وبعد وهران، وقبل قرطاج ومراكش، والبحر الأحمر فى جدة السعودية، ها نحن اليوم فى القاهرة. وتحديدًا فى وصول متوقَّع ومنتظَر بلهفة للمشاركة فى ذاك الذى كان ويبقى دائمًا أكبر المهرجانات السينمائية العربية، وواحدًا من أهم ما يحدث من مناسبات سينمائية فى الشرق الأوسط. ففى العام السادس والأربعين، وفى دورة جديدة من دورات «حسين فهمى»، يعود الشأن السينمائى العربى والعالمى ليشغل العاصمة العربية الأجمل والأكبر. وتعود القاهرة كما كانت دائمًا، وربما ستبقى أبدًا، عاصمة السينما العربية.
أما كون القاهرة تُسمّى، ولعام جديد، تظاهرتها الكبرى هذه على اسم النجم الكبير ورئيس مهرجانها، فأمر طبيعى حين تكون قامة سينمائية بحجم آخر النجوم السينمائيين العرب الكبار ممسكة بشئون مهرجانٍ يستعصى عادةً على أى قيادة، وعلى الأقل منذ رحيل مؤسسه الثانى بعد المؤسس الأول كمال الملاخ، أى الراحل سعد الدين وهبة، الذى لا شك يعود إليه الفضل الأكبر فى النهوض بهذا المهرجان إلى القمة فى الزمن المسمّى «ذهبيًا» فى التاريخ المضىء للمهرجانات العربية.
ولعل أول ما يلفت فى شخصية حسين فهمى هو أنه عرف كيف يتطور ويُطوّر أداءه معه، بعدما كان قد حصد إخفاقًا نسبيًا حين أمسك بالمهرجان بعد سنوات من رحيل وهبة، وربما كان ذلك الإخفاق يعود إلى واقع أن أى متسلِّم لشئون المهرجان، ومهما علا شأنه، كان سيحصد إخفاقًا مشابهًا من جرّاء قوة شخصية ذلك الراحل وتحويله - كما قد يفعل أى عسكرى كبير - المهرجان إلى ميدان مجدٍ شخصى. وهكذا كان على حسين فهمى أن يُخفق ثم يبتعد، فيما تمكَّن الراحل سمير فريد من إعادة الكثير من ألق سعد الدين وهبة فى الدورة الوحيدة التى تسلَّمها، قبل أن يسقط مهرجان القاهرة فى الكآبة مرة أخرى، ليتمكّن محمد حفظى – ومتأثرًا باعترافه بما «تعلَّمه» خلال الدورات الأولى لمهرجان الجونة، المصرى فى صميمه هو الآخر، وإن تحت قيادة العراقى انتشال التميمى – من الإقلاع بالمهرجان القاهرى من جديد.
فى النهاية، إذًا، عاد حسين فهمى إلى «القاهرة» منذ سنوات، وريثًا لمحمد حفظى، ولكن أيضًا للكبار الآخرين الذين جعلوا لمهرجان المحروسة مكانة لا تُضاهى، فإذا به يُبدِّل إخفاقه السابق بنجاحٍ كبير هذه المرة. وذلك رغم أن مهرجانات أخرى كثيرة كانت قد برزت كالعشب الشيطانى فى بلدانٍ ومدنٍ أكثر ثراءً من المهرجان القاهرى، وأكثر قدرة بالتالى على الإنفاق. ونعرف - على أى حال - أن درب حسين فهمى لم يكن ممهدًا، فمحاربوه فى الداخل المصرى كانوا أكثر وأشرس من منافسيه الخارجيين، وأشد ضراوةً من معاونيه المخلصين. لكنه كان أثناء ابتعاده قد تعلّم ليس فقط كيف تُصنع المهرجانات، بل كيف تُقاوَم كل من يحاول نسفها، حتى ولو كان من أقرب المقرّبين، وغالبًا بالصمت والابتسام... وبالصبر أيضًا.
ويقينًا أن الدروس كانت فى هذا المجال مفيدة، إذ تمكَّن نجم السينما المصرية الكبير وفتاها المدلّل من أن يستعيد للقاهرة - وحتى وسط تنافسٍ غير متكافئ - جوهرة حياتها السينمائية، التى هى مهرجاناتها بالطبع، دون أن يُقدّم أية تنازلات. وهكذا، خلال ثلاث سنوات أو أكثر قليلًا، عاد المهرجان القاهرى قبلةً للسينمائيين العرب، وعادت عروضه تجتذب أفضل عددٍ من الأفلام العربية والعالمية، وحضوره يهرعون إلى التوزّع الممتد على الجغرافيا التى تنتشر فيها المهرجانات وتتجذّر.
وحتى الآن، وإن كنا لا نزال فى الأيام الأولى من المهرجان الذى يمكن – على أى حال – اعتباره الأطول زمنًا بين المهرجانات العربية، ها هى اختيارات الأفلام تبدو موفَّقة، حتى وإن كان كُثُر من السينمائيين العرب، بمن فيهم مصريون أيضًا، يفضّلون أن تكون العروض الأولى لأفلامهم الجديدة حكرًا على مهرجانات أخرى، إمّا أملًا فى مكاسب مالية وفيرة، أو توقّعًا لوعودٍ أكثر وفرة، تلوح من خلال المضمر فى العلاقة بين السينمائيين والسينمات الأكثر ثراءً، ولا سيما فى بلدانٍ لم يعد أحد يهتم فيها بما إذا كانت عريقة أم أقل عراقة فى مجال السينما على الأقل.
صحيح أن مهرجان القاهرة فى حلّته الجديدة، وبالتحديد عبر انتشاره جغرافيًا بشكلٍ لا سابق له، لم ولن يتمكن أبدًا من جعل القاهرة «كان» أو «برلين» أو «فينيسيا» جديدة، وبكلمات أخرى، مدينةً تغوص فى السينما وتعيش فيها ولو لأسبوعين بحيث تُضحى السينما كل حياتها، فالقاهرة أوسع همّا وأعمق همومًا من أن تفعل ذلك. لكنها، وبأفضل كثيرًا مما يحدث فى أية مدينة سينمائية مهرجانية عربية أخرى – وما أكثر هذه المدن فى أيامنا هذه ومنذ ما قبل بدايات الألفية الجديدة! وما أسرع ما تنفرط إحداها بعد الأخرى! – تصبح قبلةً للسينمائيين العرب أنفسهم، وهم يحاولون الحصول ولو على ربع ما يريدونه من تذاكر، وسط جمهورٍ حقيقى محبٍّ للسينما، وربما أكثر مما يفعل أى جمهورٍ آخر فى أى مدينة من مدن العالم... جمهورٌ هو الذى أمَّن ويؤمّن للمهرجان القاهرى وصولًا إلى دورةٍ تحمل الرقم ٤٦، كرقمٍ لا يمكن أن يصل إليه أى مهرجانٍ سينمائى عربى، بل لا تصله فى العالم كله سوى قلّة من أكثر المهرجانات قوةً وديمومة.
وتلكم أيضًا «معجزة مصرية صغيرة» تدفعنا، على أى حال، إلى سؤالٍ يبدو أننا – وسط انشغالنا فى السطور السابقة بما نفكر به حول مهرجاننا القاهرى – قد نسيناه، لكن مقالنا المقبل سوف ينفى بالتأكيد هذا النسيان: سؤال... فماذا بشأن ما تعرضه هذه الدورة؟

إبراهيم العريس إبراهيم العريس
التعليقات