حين يصبح الذكاء الاصطناعى غبيا - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الإثنين 17 نوفمبر 2025 4:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

حين يصبح الذكاء الاصطناعى غبيا

نشر فى : الأحد 16 نوفمبر 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الأحد 16 نوفمبر 2025 - 6:40 م

يتحدث العالم اليوم عن الذكاء الاصطناعى وكأنه الكائن الأذكى على الكوكب، القادر على الكتابة والتحليل واتخاذ القرار، لكنه فى الحقيقة كأى عقل آخر، لا يمكنه أن يتفوق إلا بقدر ما يتغذى من معرفة نقية ومصادر موثوقة. فحين تبدأ هذه النماذج العملاقة فى التهام كميات هائلة من البيانات الرديئة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعى، يبدأ الذكاء بالتحول إلى نوع آخر من الغباء المصنّع.
تحذر دراسات حديثة من ظاهرة أطلق عليها الباحثون «تدهور النماذج» أو Model Collapse، وهى حالة يفقد فيها الذكاء الاصطناعى قدرته على التحليل المنطقى والإبداعى بسبب تدريبه على بيانات متكررة أو سطحية، ففى دراسة نُشرت مؤخرًا على خادم ما قبل الطباعة arXiv ونقلتها مجلة Nature، وجد علماء من جامعة تكساس فى أوستن أن النماذج اللغوية الكبيرة، تبدأ بالتصرف بطريقة أقل دقة وأكثر ميلا للأخطاء حين تُغذى بمحتوى منخفض الجودة، كالتغريدات القصيرة المليئة بالإثارة أو النقاشات العشوائية المنتشرة على المنصات الرقمية.
ويفسر الباحثون ذلك بأن الذكاء الاصطناعى يتعلّم من النصوص التى يراها، فيستنتج منها أنماط اللغة والفكر والسلوك، فإذا كانت هذه النصوص مليئة بالتناقضات أو المشاعر السطحية، فسوف يعتقد النموذج أن هذا هو «الواقع» الذى يجب أن يقلّده. وهكذا نرى الذكاء الاصطناعى يكرر عبارات بلا معنى، أو يختلق معلومات زائفة بثقة عمياء.
الأمر لا يتعلق فقط بالدقة اللغوية أو المنطقية، بل يمتد إلى ما هو أعمق، مثل فهم السياقات الثقافية واتخاذ المواقف الأخلاقية، فحين تُدرَّب النماذج على نصوص مشحونة بالعنف اللفظى أو التحيز أو التنمر، فإنها تميل بشكل غير مباشر إلى إعادة إنتاج هذه الأنماط فى مخرجاتها، وهذا ما يجعل الحديث عن «ذكاء اصطناعى أخلاقى» مرتبطا أولا بنوعية البيانات التى نغذيه بها، وليس فقط بالخوارزميات التى تُشغّله.
يتطلب الحفاظ على ذكاء هذه الأنظمة بناء منظومة بيانات مسئولة، تُشرف عليها فرق متخصصة فى مراجعة المحتوى وتصفية المعلومات وموازنتها، فبدون هذه الطبقة الوقائية، سنصل إلى زمن تتحدث فيه النماذج بطلاقة لكنها لا تفهم، وتستدل لكنها تخطئ، وتُجيب دون أن تُدرك المعنى الحقيقى للسؤال. أى إننا سنعيش فى عالم مملوء بالمحادثات الذكية التى لا تقول شيئا.
إن الذكاء الاصطناعى لا يصبح غبيًا من تلقاء نفسه، بل حين نغذّيه ببيئة فكرية فاسدة أو نحمله مسئولية فهم عالم لم نوضّح له معاييره. ولذلك فإن الاستثمار فى إعداد البيانات ليس ترفا تقنيا، بل هو حجر الأساس فى بناء أنظمة تفكر وتتعلم وتخدم الإنسان بوعى. فحين نحسن تغذية الذكاء الاصطناعى، نمنع غباءه ونمنح المستقبل فرصة أن يكون أذكى منا جميعا.

عبد الرحمن الخطيب

جريدة القدس الفلسطينية

النص الأصلى

 

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات