خطط تفكيك القوات المسلحة العربية - عبدالمنعم المشاط - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطط تفكيك القوات المسلحة العربية

نشر فى : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 8:00 ص

فى أعقاب حرب 1973، والتنسيق الاستراتيجى الفريد بين الرئيسين السابقين السادات والأسد بشأن توقيت الحرب وأهدافها الاستراتيجية، بدأت الخطط الدولية بشأن تفكيك القوات المسلحة العربية وإضعافها وإحباط وتطويق المحاولات الجادة لصناعات السلاح العربية وما ارتبط بها من توقعات بقيام تنسيق عسكرى عربى ليس على مستوى التجمعات الإقليمية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجلس التعاون العربى فقط، وإنما أيضا على مستوى استعادة العمل بمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول أعضاء جامعة الدول العربية لعام 1950، وتزامن ذلك بعقد عدة اتفاقيات تعاون استراتيجى وضمان لأمن إسرائيل ومدها بأحدث الصواريخ المضادة للصواريخ، والتى تضمن أمن سمائها، وتمثل الهدف الاستراتيجى من كل ذلك فى كسر شوكة القوات المسلحة العربية كقوات وطنية لكل دول المواجهة من ناحية، وتعطيل أى تعاون عسكرى إقليمى عربى لأية مواجهة عسكرية مع جيش إسرائيل من ناحية أخرى، هذا فضلا عن خلق الظروف والتعقيدات الإقليمية التى تسمح بتعاون استراتيجى بين تلك الجيوش والجيش الأمريكى من ناحية ثالثة، وتمثل ذلك بصورة خاصة فى حرب تحرير الكويت.

•••

وبدأت محاولات تفكيك أول جيش عربى، وهو الجيش العراقى، القوة العربية التى كانت تحمى الجبهة الشرقية للوطن العربى، بدراسة قدمها نائب وزير الدفاع الأمريكى الأسبق، وولفووتز، أثناء رئاسته لجامعة جون هوبكينز بواشنطن، والتى تقضى بأن القدرات العسكرية للجيش العراقى لم يتم إضعافها تماما بعد حرب السنوات الثمانى بين العراق وإيران، وأنه يجب تفكيك وتدمير الجيش العراقى بقدراته العسكرية لطمأنة إسرائيل على أمنها من ناحية الشرق، وتحقق ذلك عند احتلال الولايات المتحدة للعراق فى عام 2003، حينما اتخذ بريمر، الحاكم العسكرى الأمريكى للعراق، قراره بحل وتسريح الجيش العراقى، وهو القرار الذى أدى إلى استشراء الفوضى حتى يومنا هذا، والذى حول العراق من دولة موحدة إلى دولة فيدرالية بين ثلاث قوى متصارعة هى؛ الأكراد والسنة والشيعة، وهكذا، تم تفكيك أول جيش لإحدى دول المواجهة مع إسرائيل.

•••

وانتقل الأمر منذ 2011 إلى محاولة تفكيك الجيش السورى، والذى يعد بالنسبة لنا فى مصر الجيش الأول، لأن الجيشين الثانى والثالث يشكلان الجيش المصرى، وفى إطار الثورات العربية، بدأت الثورة السورية فى منتصف عام 2011 بعد اشتعال الثورات التونسية والمصرية واليمنية، بيد أن المشهد تغير جذريا وبسرعة فى سوريا بما ينبئ بالتحول من الثورة إلى تفكيك الجيش السورى كاملا؛ فقد تعدد الفاعلون ما بين الجيش السورى الحر، والذى يبدو أنه كان ولا يزال يطبق استراتيجية مرسومة خارجيا لتقويض، ليس فقط النظام السورى، ولكن أيضا، وهذا هو الأخطر، الدولة السورية، وهى دولة المواجهة المهمة مع إسرائيل، ثم صعدت فجأة جبهة النصرة، والتى لا تعد فقط واجهة لتنظيم الإخوان، ولكنها، وهذا هو الأهم، تعبير عن تنظيم القاعدة بما يهدف إليه من تقويض كيان الدولة وتفكيك الجيش الوطنى وتجزئة المواطنين على خلفية كل من الانتماءات الدينية والمذهبية، وما تسعى إليه من إقامة كيان ثيولوجى شمولى لا يؤمن بالدولة القومية ولا بالحدود السياسية أو السيادة الوطنية، وهكذا، انكسرت الثورة السورية دون أن يحدث أى تغيير إيجابى، وإن ترتبت عليها، ولا تزال، مظاهر إضعاف وتفكيك الجيش السورى، والذى يمكن أن يحكم عليه بقلة حيلته فى حالة مواجهة جادة مع إسرائيل، ويزيد من ذلك أيضا التحالف الجديد قيد التشكيل بين الولايات المتحدة وإيران فى أعقاب مؤتمر جنيف، والذى خفف إلى درجة الحد من الحصار الأوروبى ــ الأمريكى، وهو يُعِد لتحالف ثلاثى بين تركيا وإيران وإسرائيل. ويبدو أن الثمن الذى دفعته إيران للولايات المتحدة يتمثل فى رفع يدها عن مساندة الجيش السورى فى حربه ضد القاعدة والإخوان ومحاولة الحفاظ على قوة فاعلة يواجه بها إسرائيل إذا لزم الأمر إن لم يكن حتى لتحرير الجولان.

•••

وفى خضم تفاعلات الثورة المصرية، اتجهت الجهود الدولية أيضا إلى محاولة إيجاد المناخ والبيئة الملائمة لإضعاف القوات المسلحة المصرية ودورها فى تحقيق الأمن القومى المصرى والعربى، وقد وُضِعت عدة استراتيجيات متشابكة ومتكاملة ومتزامنة؛ تقضى الأولى منها بالدفع بالإخوان وقوى الإسلام السياسى إلى الجلوس على عرش مصر واقتناص السلطة فيها، وما كان لذلك أن يحدث دون أن يتم التشكيك فى وطنية الجيش المصرى والتزامه بأهداف الثورة، واتهامه بقتل الثوار وغيرهم، ولقد قادت تلك القوى حملة شعواء نجحت مرحليا قبل وأثناء استيلاء الإخوان على السلطة، بل إن مئات الآلاف من المصريين صوتوا للرئيس المعزول مرسى فقط نكاية فى المرشح المنافس ذى الخلفية العسكرية. وتشمل الثانية خطط الإخوان فى إنشاء جيش موازٍ من خريجى السجون من الجهاديين والتكفيريين والجماعات الإرهابية تكون مهمته، بالتنسيق والتعاون مع الميليشيات الإخوانية، كسر شوكة القوات المسلحة المصرية، ولقد اختار هؤلاء سيناء بالذات لمناصبة الجيش المصرى العداء، وإقامة إمارة مصرية على أرضها متحالفة مع حكومة حماس المصنفة عالميا بالإرهابية، وفى هذا الإطار، كان الإخوان يتحركون فى خطين متوازيين؛ فقد حاولوا ــ من ناحية ــ الاستيلاء على المخابرات العامة وأخونتها، ولقد تم بالفعل إعداد رئيس جديد لها، وهو المسئول عن قاعدة بياناتهم والفرقة 95، ومن ناحية أخرى، ما سمى بإعادة هيكلة الداخلية، والتى قصد منها أن يتولاها طبيب إخوانى بعد أن يتم اختراقها وتطهيرها من العناصر الوطنية والفاعلة بها، وتمثلت الاستراتيجية الثالثة فى حرب استنزاف لا تنقطع للجيش المصرى بعد ثورة 30 يونيو على جبهتين تتنافسان فى الأهمية الاستراتيجية وفى تهديد الأمن القومى المصرى؛ الأولى سيناء وما يجرى فيها من محاولات إنهاك قدرات الجيش وقوات الأمن، والثانية الجبهة الداخلية؛ حيث مظاهرات العنف بالشوارع والمؤسسات التعليمية، وما يتبعها من تفجيرات عنف وإرهاب بقصد بها خلق حالة من الخوف الدائم لدى المصريين، والتى تعد خطوة أولية لفقدان الثقة فى القوات المسلحة وقوات الأمن.

•••

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن عشرات الملايين من الشعب المصرى، والتى خرجت فى 30 يونيو، و26 يوليو أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، أن كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل، وأن الشعب يلتف حول قواته المسلحة وقوات الأمن، وأن تلك الثلاثية المتكاملة؛ الجيش والشعب والشرطة، شكَّلت القاعدة الفاعلة للأمن القومى المصرى والعربى معا، وربما يستطيع المرء أن يؤكد أن المرحلة القادمة سوف تشهد عدة مبادرات استراتيجية على المستوى القومى والمصرى يقصد بها بناء قوات مسلحة عربية قوية وقادرة وذلك كما يلى؛ أولا: إحياء معاهدة دفاع مشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول أعضاء جامعة الدول العربية عام 1950 بما تتضمنه من قيادة عسكرية مشتركة، ويرتبط بذلك إنشاء مجلس الأمن القومى العربى، والذى يعد أداة مؤسسة القمة العربية لحماية الأمن القومى العربى، وفى هذا الإطار؛ فإنه لابد من أن تتحول إدارة الأمن القومى بجامعة الدول العربية إلى أمانة للأمن القومى العربى. ثانيا إعادة النظر فى هيئة التصنيع العربية وإعادة هيكلتها ومدها بأحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية وتحولها بالفعل إلى هيئة للصناعة العسكرية العربية، كما تصورها منشئوها، تستطيع أن تسد حاجة الجيوش العربية من احتياجاتها من الأسلحة الحديثة والذخائر دون الحاجة إلى استيرادها من الخارج، ويمكن أن نحذو حذو الهند والبرازيل فى هذا الشأن. وثالثا فإن التحالف الاستراتيجى الجديد بين تركيا وإيران وإسرائيل، من ناحية، واستقرار وأمن دول الخليج العربى، من ناحية أخرى، ينبئ بأن الخطر القادم إلى الوطن العربى يتعلق بتهديد أمن دول الخليج، من ثم؛ فإن هناك حاجة ملحة إلى توسيع عضوية مجلس تعاون دول الخليج العربية، وذلك بإنشاء عضوية جديدة، وهى العضوية المنتسبة، والتى تسمح بانضمام دول عربية على رأسها مصر للانضمام إلى المجلس، إن هذه التطورات المتوقعة تضمن للأمة العربية والوطن العربى الخروج من حالة السيولة الراهنة إلى حالة الأمن المبتغاة.

استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

عبدالمنعم المشاط استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات