أشكال وألوان.. الصيام - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أشكال وألوان.. الصيام

نشر فى : الخميس 14 مارس 2024 - 8:35 م | آخر تحديث : الخميس 14 مارس 2024 - 8:35 م
نشر موقع 180 مقالا للطبيب والكاتب اللبنانى حسان يحيى، يوضح فيه أنواع الصيام الذى يمتنع فيه الإنسان عن الطعام منها، الصيام الدينى، والروحى، والسياسى (الإضراب عن الطعام كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف سياسية)، والعلاجى. ويقول الكاتب إن الصيام فرصة للإنسان لبناء أنظمة غذائية جديدة صحية... نعرض من المقال ما يلى:
يتوقف الإنسان عن الطعام لألف سبب وسبب، وإذا استثنينا الامتناع القسرى عن الطعام فى ظروف الشحّ والفقر، فإننا نجد، منذ فجر التاريخ، أنواع صوم كثيرة. هناك الصوم الدينى والصوم الروحانى والصوم السياسى والصوم العلاجى وأنواع من الصيام المتقطع الذى يجرى على قاعدة صوموا تصحوا.
فى التاريخ الحديث، استعمل الصيام كأداة احتجاج وضغط على السلطة بهدف تحقيق أهداف سياسية. هذا ما فعله مارتن لوثر كينج وكثيرون فى خضم النضالات السياسية. وهذا ما يلجأ إليه باستمرار الأسرى الفلسطينيون فى معارك «الأمعاء الخاوية» فى السجون الإسرائيلية، وفعله السجناء السياسيون فى أيرلندا، كما الأب بيار فى فرنسا. ولا بد من التذكير أن غاندى صام 17 مرة فى نضاله من أجل استقلال الهند، ودام أطول صوم له 21 يوما.
وتشترك الأديان، اليهودية والمسيحية والإسلامية، فى وضع الصيام فى صلب الممارسة الدينية للمؤمنين. فكان على الدوام بمثابة اختبار طوعى لتقرّبهم من الخالق ومدرسة روحية لتهذيب النفوس أو مناسبة لتوطيد التألف بين فئات المجتمع الغنية والفقيرة.
فى تاريخ الدين اليهودى، أن النبى موسى صام أربعين يومًا قبل أن يتلقى وصايا الله. وكان الصيام عندهم يرمز ويتوافق مع مناسبات الحداد والحزن أو كوسيلة تضرّع لدرء الأخطار والنكبات. واقتصر الصوم المقرّر فى الديانة الموسوية فى يوم الكفّارة أو عيد الغفران بقصد التطهّر من الخطايا. وقد عرفوا أياما مُحدّدة للصوم كانت ترتبط بذكرى حوادث تاريخية أليمة فى تاريخهم، لكنها لم تكن إلزامية. وشاعت أيامٌ يكون الصيام فيها كفّارة لأسباب شخصية أو إثر رؤية أو وفاءً لنذر. كما نجد أيام صيام تشترك فيها جميع الفئات الشعبية لكنها كانت تختلف باختلاف الأقاليم الجغرافية.
فى التاريخ ثمة رواية أن السيد المسيح صام عن الطَّعام لِمُدَّة أربعين يوما، لكِنَّهُ لَم يَصُم عن الماء. وضع المسيح مبادئ الصوم ولم يُشرّع أحكاما تطبيقية. ويُعتبر الكتاب المقدس الصوم وسيلة توبة وتقرّب من الروح القدس، وطريقا إلى الروحانية.
فضلا عن الصوم الكبير الذى يدوم أربعين يوما تسبق عيد الفصح، ظهرت نزعة مغالاة فى الممارسة نبذت الاعتدال ورفعت القطاعة عن اللحوم إلى مستوى المثل العليا. ففرضت القطاعة عن اللحم نحوا من نصف أيام السنة. وبانتهاء القرن المسيحى الأول ونصف قرن، أضاف عدد من رجال الكنيسة صوما لمقاومة الإغراءات المادية والجنسية. وكان المسيحيون الأوائل يصومون يومى الأربعاء والجمعة.
لكن مع مرور الزمن، برزت اختلافات جزئية فى طرق الصوم بين المذاهب المسيحية. بعضها كان يُنهى ويفطر عند الفجر، والبعض الآخر عند حلول الليل. ومنهم من يُمسك عن تناول أية لحوم خلافا للذى يجتزئ بالسمك والطيور، أو يُضرب عن البيض. واختلفت عادات الصيام باختلاف الأقاليم، فكان صيام روما مختلفًا عن صيام الإسكندرية. وفيما بعد حدّدت الكنيسة الإنجليزية أيام الصيام، لكنها لم تضع قواعد للصائمين تاركة المسئولية لضمائرهم.
وكان العرب يصومون فى الجاهلية صوم الرمضاء وهى عادة كانت دارجة فى الجاهلية وعندما جاء الإسلام فرض الصيام طوال شهر رمضان من كل عام. والصوم هو أحد أركان الإسلام الخمسة. لكن بالإضافة إلى صوم شهر رمضان نجد أيام صيام مستحبّة أو صوم النفل الزائد عن الفرض، منها صيام ستة أيام من شهر شوال، وشهر محرم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة لغير الحجيج. بالإضافة إلى صوم القضاء عن الأيام التى لم يستطع المرء الصيام فيها أو الصوم لوفاء النذر أو الكفّارة. ووضع الإسلام شروطا للصيام من الواجب توفرها، وهى البلوغ والعقل والصحة والإقامة. وعفا من صيام شهر رمضان الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات والنساء خلال فترة الحيض ومن كان على سفر. ويمتنع المسلمون عن الشراب والطعام والتدخين وممارسة الجنس، من شروق الشمس إلى غروبها.
ثمة من يصوم من باب الزهد والسمو كالنسّاك فى الصين والهند والأولياء المتصوفين. يسعى هؤلاء للولوج إلى حالة روحية من الرضا والتصالح مع الذات والتفكّر بالنصوص المقدسة والابتعاد عن الشهوات والملذات. فالتأمل يعطى طاقة نفسية جديدة تزيد من قدرة الصائم على التحّكم بذّاته، وتُدخله فى حالة من الترفع عن الماديات، تُحرّره من سيطرة رغبات الجسد وتجعله يدرك أعلى درجات السمو والاتصال الوجدانى بالرب.
• • •
منذ القدم يُعالج الطب الأمراض بالحمية الغذائية، على قاعدة أن الحمية رأس كل دواء. ففى القرن الحادى عشر، اعتمد الفيلسوف الطبيب ابن سينا خيار الصوم لمعالجة الأمراض. وصفه فى كثير من حالات المرض لمدة ثلاثة أسابيع.
الحجة المضمرة فى ذلك، أن الامتناع عن الأكل يضع الجسم فى حالة استقلابية مختلفة عن تلك التى اعتادها. وهى حالة من الحماض عرفها الأسلاف طويلا بسبب الفاصل الزمنى الطويل الذى كان بين وجبات الطعام عندهم. هذه الحالة تُنشّط عمليات الاستقلاب الحيوية داخل الجسم فتُستهلك الطاقة الحرارية من احتياط الدهون مباشرة، مما يخفض مستوى الدهنيات فى الدم. وهى حالة يتجدّد فيها النشاط داخل أجهزة الجسم وتساعده على التخلص من الفضلات المتراكمة.
وبعد القرن التاسع عشر، كرّس الكثير من الأطباء والباحثين أنفسهم لدراسة فوائد الصيام العلاجية. وأقرّت الدراسة المتعمقة لفسيولوجيا الجسم قبلَ وبعدَ الصيام بأن الصوم هو ممارسة صحية طبيعية، وتشكل علاجا تكميليا للكثير من الأمراض المزمنة.
بإلإضافة إلى ذلك، يلفت المختصون فى علم النفس الانتباه إلى أثر الصوم على معالجة الاضطرابات النفسية. وقام معهد الطب النفسى فى موسكو منذ أكثر من عقدين من الزمن بإجراء دراسات جادة تتعلّق باضطرابات النوم كالأرق وغيره من صعوبات النوم.
أثبتت الدراسات أن الصيام يُخفّف من أعراض الاكتئاب مثل الأفكار السوداوية، الحزن، الشعور بالضيق، البكاء، والشعور بالفشل.. وأيضا من أوجاع الصداع النصفى. وعند المسنين يساعد فى مقاومة مرض ألزهايمر وتحسين مستوى الأداء العقلى لديهم. وازدهرت تجارب متنوعة من الصيام فى أوروبا وأمريكا.
وتتكاثر على الدوام الأبحاث العلمية وإصدارات الكتب فى فرنسا، كلها تشهد بفوائد الصوم الوقائية والعلاجية لأمراض القلب والأوعية الدموية. وتوصّلوا أخيرا إلى أن الجمع بين فترات صيام قصيرة والعلاج الكيميائى يُعزّز بشكل كبير فرص الشفاء من السرطان.
• • •
تظهر فى السنوات الأخيرة موضة صيام تُفتح لها الأبواب فى الإعلام الرائج. سُميّت «الصيام المتقطع» لأنها وصفة تتمحور على تقطيع مختلف لمواقيت وجبات الطعام، بأن يكون الصيام مثلا لمدة 12 إلى 16 ساعة أو أكثر، بما يشبه تخطى وجبة طعام. مرة أو مرتين فى الأسبوع. وطرق الصيام المتقطع لا تُحدّد الأطعمة التى يمكن تناولها، بل متى نأكل. فتبدو أسهل من الريجيمات التى تستوجب العيش تحت ضغط مراقبة السعرات الحرارية على مدار الساعة.
بالإضافة أنها تُحاكى حاجة المستهلك إلى نتائج سريعة تحصل بكبسة زر. لا توجد خطة صيام متقطع تُعتبر مثالية أو تناسب الجميع، بل أخذ كل من شاء باقتراح طريقته.
ولا يُنصح بالصيام المتقطع لمرضى السكرى وللمصابين بأمراض مزمنة فى الكبد والكلى والجهاز الهضمى.. ولا عند المراهقين والأمهات المرضعات والنساء الحوامل.
خلاصة بعد هذا الاستعراض لأنواع الصيام وأشكاله، وبغض النظر عن دوافع الصوم أكانت دينية أو روحانية أو سياسية أو علاجية، فإن الصوم يُسلّط الضوء على مسئولية الصائم تجاه صحته. فالصوم سيُدخل الجسم فى نظام غذائى جديد. وستكون كل العادات الغذائية تحت المجهر. وهى فرصة ثمينة للاستفادة من الطاقة النفسية التى يُوفّرها الصوم لبناء عادات غذائية جديدة ونمط سلوكيات صحية حميدة.
النص الأصلى

التعليقات