عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء

نشر فى : السبت 14 مايو 2011 - 8:47 ص | آخر تحديث : السبت 14 مايو 2011 - 8:47 ص

 أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها بعد حدثين شهدتهما القاهرة مؤخرا. أما الأول فكان توقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، والثانى كان إعلان مصر عزمها على فتح معبر رفح بصفة دائمة.

وصل تبجُّح إسرائيل منتهاه باعتراضها على عودة الأمور لوضعها الطبيعى، حيث أعلن نتنياهو دون أن تطرف له عين، أن اتفاق المصالحة الفلسطينية جاء كضربة قاضية للسلام وكانتصار عظيم للإرهاب!! ولم تكتف إسرائيل بذلك بل قامت بتجميد الرسوم والضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية التى تحصلها إسرائيل لحسابها، والتى بلغت حتى يوم توقيع الاتفاق 89 مليون دولار. ثم قامت إسرائيل، واللوبى الذى يعمل لحسابها فى الولايات المتحدة، بحث أعضاء الكونجرس الأمريكى على قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية عقابا لها على ذلك الجرم الذى اقترفته!

المهم ألا أحد قد أعار التصريحات الإسرائيلية أى اهتمام. فقد حرص على حضور الاحتفال بتوقيع الاتفاق بالقاهرة يوم 4 مايو الجارى، إلى جانب أمين عام الجامعة العربية وأمين عام المؤتمر الإسلامى وممثل الأمم المتحدة، سفراء الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى. حتى الولايات المتحدة لم يستطع المتحدث باسم خارجيتها الاعتراض على الاتفاق، بل طالب الفلسطينيين بتنفيذه بما يخدم مستقبل السلام، مكررا فى نفس الوقت الموقف الأمريكى التقليدى بضرورة اعتراف حماس بإسرائيل، ونبذها للإرهاب. ورفض المتحدث الأمريكى أن يُستدرج للحديث عن قطع المعونة الأمريكية عن السلطة الفلسطينية. على أية حال فقد قطع الاتفاق الطريق على ما يثار حول إشكالية تواجد حماس فى الحكومة حيث تقتصر المشاركة فيها على شخصيات مستقلة عن كل من حماس أو فتح.

ولعل أبلغ وصف للمسلك الإسرائيلى تجاه كل تطور قد يخدم قضية السلام، ما ذكره أحد المعلقين الإسرائيليين من أن «الرفض» قد أصبح النشيد الوطنى الجديد لإسرائيل! أما افتتاحية صحيفة هاآرتس المنشورة فى نفس يوم توقيع الاتفاق، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك بدعوتها الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية من أجل الدخول فى حوار وأمام علاقات حسن الجوار مع الدولة الفلسطينية مستقبلا. وسخرت الصحيفة من الحملة الإسرائيلية على الاتفاق متسائلة عما إذا كان الانقسام الذى كان قائما بين فتح وحماس قد وفر لإسرائيل الأمان الذى كانت تتطلع إليه وهل كانت إسرائيل جادة فعلا فى توقيع اتفاق سلام قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق المصالحة؟!

يشير كل ذلك إلى أمر واحد، وهو ازدياد عزلة إسرائيل يوما بعد يوم. فلم نسمع أن قادة بريطانيا وفرنسا قد شاركوا نتنياهو فى تقييمه الخائب لاتفاق المصالحة، وذلك عندما زار الأخير الدولتين منذ أسبوعين. كما أنه ليس من المتوقع أن ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلى فى إقناع البلدين بالتصدى لسعى السلطة الفلسطينية لانضمام دولة فلسطين كعضو كامل فى الأمم المتحدة، خاصة مع توالى اعترافات الدول وآخرها دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية.

•••


ولنعد الآن إلى حملة إسرائيل الضارية على مصر عندما أعلنت عزمها على فتح معبر رفح بشكل دائم. اعتبرت إسرائيل ذلك تهديدا خطيرا لأمنها القومى (كذا). تتجاهل إسرائيل أن لمصر العديد من منافذ الدخول والخروج على امتداد أراضيها، بعضها برى، وبعضها بحرى، والآخر جوى. هذه المنافذ كلها تخضع للسيادة المصرية، وتديرها وفق المعايير الدولية. وفى صدد معبر رفح أود أن أشير إلى الآتى:

أولا: لم تكن مصر فى يوم من الأيام طرفا فى اتفاقيتى المعابر اللتين تم التوصل إليهما فى 15 نوفمبر 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل (اتفاق شامل لكل المعابر إلى غزة والثانى خاص بمعبر رفح تحديدا). كما أنها ليست طرفا فى الاتفاق الخاص بالمراقبين الأوروبيين الذين عهد إليهم بمتابعة أداء أجهزة السلطة الفلسطينية على جانبها من معبر رفح.

ثانيا: مدة سريان الاتفاقات السابقة عام واحد منذ تاريخ التوقيع عليها.

ثالثا: نص الاتفاق الخاص بمعبر رفح على إمكانية استخدامه لغرض مرور البضائع المصدرة إلى مصر، إلى جانب انتقال الأشخاص والسيارات. وحتى إن كان المعبر قد صمم فى الأساس من أجل انتقال الأشخاص، فليس هناك ما يمنع مصر من أن تقوم بتوسيع المعبر وتطويره من أجل تسهيل انتقال البضائع من وإلى غزة إلى جانب انتقال الأشخاص.

رابعا: لم تنفذ إسرائيل أيا من بنود اتفاق المعابر الشامل بما فى ذلك ما نص عليه الاتفاق من إنشاء ميناء بحرى على شاطئ غزة، واستكمال إنشاء مطار غزة، وتسيير الحافلات والشاحنات بين الضفة الغربية وغزة.

خامسا: ساهمت بعثة المراقبين الأوروبيين فى واقع الأمر فى خنق قطاع غزة حيث كانت تستجيب لكل مطلب إسرائيلى بإغلاق المعبر فى أى وقت تشاء.

•••


ولا أجد ما أضيفه إلى ما كنت قد أنهيت به مقالى بصحيفة الشروق منذ عام تقريبا وبالتحديد يوم 26 يونيو 2010، حيث ذكرت بالحرف الواحد: «ما أدعو إليه وأتمناه، تماما كما يتمنى ذلك كل مصرى وفلسطينى وعربى، أن تعلن مصر بشكل قاطع وواضح أنها ستعامل منفذ رفح نفس معاملتها لمختلف المنافذ المصرية الأخرى، وتسرى عليه جميع الإجراءات المطبقة على المعابر الأخرى من السلوم غربا، إلى العريش شرقا، ومن الإسكندرية شمالا حتى سفاجا جنوبا. ويعنى هذا أن تتواجد على معبر رفح سلطات الجوازات والجمارك والحجر الصحى والزراعى... إلخ، ليكون فى مقدور أهل غزة التنقل وشراء احتياجاتهم وتصدير منتجاتهم عبر المنفذ».

لجأت إسرائيل فى السابق إلى «فزّاعات» عدة، وأسرفت فى أساليب الإخافة والترويع كى تحقق أغراضها ومآربها. ربما اعتقدت إسرائيل فى السابق أن مقولاتها كانت تلقى آذانا صاغية، أو ربما تكون قد استمرأت تلك الأساليب وحسبت أنها تستطيع أن تستمر مستقبلا فيما دأبت عليه فى الماضى.. إلا أننا ندعو إسرائيل إلى أن تَكُفَ عن هذه المحاولات عديمة الجدوى، لأن الأمور ببساطة قد تغيرت، وعقارب الساعة لن تعود للوراء.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات