العراق.. بعد انسحاب القوات الأمريكية من المدن - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العراق.. بعد انسحاب القوات الأمريكية من المدن

نشر فى : الثلاثاء 14 يوليه 2009 - 6:57 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يوليه 2009 - 6:57 م

 
أعلن رئيس الحكومة العراقية فى 30 يونيو تنفيذ الشق الأول من الاتفاقية الأمنية الموقعة بينها وبين الولايات المتحدة، والتى تتضمن انسحاب القوات الأمريكية من المدن وأشار إلى أن يوم الانسحاب هو يوم الانتصار للسيادة العراقية، وعلى الرغم من أننا لا نعرف من انتصر على من، فالسيد المالكى وحكومته وجميع الأحزاب السياسية المشاركة فى العملية السياسية.

طفت على سطح الحياة السياسية العراقية بعد الاحتلال، وشاركت معه فى وضع هيكل النظام السياسى الجديد فى العراق، وكذلك شاركته فى إعداد الدستور الذى يحكم ذلكم النظام، ولم تكن الحكومة العراقية تحارب القوات الأمريكية بل تعمل معها وتحت غطائها.

المهم، ما هى طبيعة انسحاب القوات الأمريكية الذى تم الإعلان عنه؟ الذى حدث هو عملية إعادة انتشار لهذه القوات التى أعيد تمركزها فى 152 قاعدة عسكرية صحيح أنها خارج المدن ولكن فى ضواحيها، وفى مفاصل الطرق الرئيسية، وعلى ضواحى العاصمة.

وفى تخوم محافظات الموصل وديالى والبصرة والأنبار، ولا تزال هذه القوات حسب تصريح وزير الدفاع العراقى مسئولة عن توفير الإسناد النارى والجوى والدعم فى عمليات المراقبة والرصد والدعم الاستخباراتى وتنظيم الاتصالات بين الوحدات العسكرية على اتساع العراق.

الغريب أن السيد وزير الدفاع العراقى، فى غمرة الانتصار وبمزيد من الثقة، أضاف أن القوات العراقية مستعدة للدفاع عن القوات الأمريكية فى قواعدها التى انسحبت إليها. الواضح إذا أن القوات الأمريكية التى يبلغ تعدادها حوالى 130 ألفا لا تزال تملك السيطرة على الأوضاع العسكرية فى العراق، وللدلالة على ذلك يكفى أنها تسيطر على أكبر وأهم القواعد العسكرية والجوية التى تم إعادة تأهيلها وتحديثها.

ومن بينها قاعدة «بلد» الاستراتيجية التى تتجاوز مهامها الفضاء الاستراتيجى العراقى، إلى دوائر استراتيجية فى غرب آسيا والخليج العربى، وتعتبر إحدى نقاط الارتكاز التى تهدد إيران.

ما تم على هذا النحو، هو نوع من التراجع المنتظم الذى يكفل للقوات الأمريكية تحجيم التهديدات وتقليل مساحات التعرض لقواتها، ومحاولة تخفيف المسئولية العسكرية لضبط الأمن وتكلفتها وتحميلها للعراقيين، إلا أن الغريب فى الأمر أن محاولة إغلاق ملف الاحتلال قد أعاد فتح ثلاث ملفات مزمنة تشهد الكثير من الاحتقان وتهدد بصورة كبيرة مستقبل الاستقرار فى العراق.

يتصدرها المطالب الكردية بخصوص كركوك والمناطق المتنازع عليها، حيث وقفت القوات الأمريكية حائلا بين سيطرة البشمرجة الكردية على تلك المناطق طوال السنوات الماضية، وجاء انسحابها من داخل تلك المدن لتضع القوات الحكومية وقوات البشمرجة فى مواجهة مباشرة.

وقد استعدت القوات الكردية لهذه اللحظة فتم إقرار دستور لإقليم كردستان تضمن الحدود الإدارية للإقليم، لتشمل إلى جانب المحافظات الكردية أربيل ودهوك والسليمانية، محافظة كركوك بالإضافة إلى شريط يمتد من الحدود الإيرانية إلى الحدود السورية يضم تسعة أقضية من محافظة الموصل وقضاءين من محافظة ديالى، وتلك المنطقة تمثل حزام البترول شمال العراق.

الأغرب أن الأكراد كانوا يطالبون كذلك بضم قضاء بدرة وجصان فى وسط جنوب العراق، وإن كان السيد مسعود بارزانى رئيس الإقليم قد أعلن أنه على الرغم من أن المنطقتين عزيزتان على الأكراد فإنهم تنازلوا عنهما نزولا على رغبة حلفائهم فى المجلس الأعلى الإسلامى الشيعى.

وذلك لدعم مساعيه لإنشاء إقليم فيدرالى شيعى فى الجنوب، المهم أن الأكراد يعتقدون أنه بإقرار دستورهم للحدود الإقليمية تم الانتقال من مرحلة المطالبة بحقوقهم فيها ــ والتى كانت تخضع للتفاوض مع الحكومة المركزية ــ إلى مرحلة أعلى منها هى الدفاع عما أقره الدستور من حدود إدارية لم تعد مجالا للتفاوض.

والسؤال المطروح الآن ما هو موقف حكومة السيد المالكى هل ستدخل قوات الجيش والشرطة إلى تلك المناطق أم ستخضع للموقف الكردى؟

فى تقديرى أن هذا الملف سوف يشهد مزيدا من الاحتقان، ولن يتم التسليم بالمطالب الكردية بهذا الشكل وعلى سبيل المثال فإن القائمة التى فازت فى الانتخابات المحلية فى الموصل وهى قائمة الحدباء، والتى استأثرت بمعظم المناصب فى مجلس المحافظة ترفض مشاركة قائمة التآخى الكردية فى المجلس إلا إذا اعترفت بحدود المحافظة المستقلة عن الإقليم وخرجت قوات البشمرجة من بعض أقضية المحافظة.

المهم أن الولايات المتحدة تدرك خطورة هذا الملف، الأمر الذى دعا الرئيس الأمريكى إلى تكليف نائبه للقيام بمهمة التوفيق بين الطرفين وقد زار العراق يوم الجمعة قبل الماضى لهذا الغرض.

ويعتبر ملف المصالحة الوطنية هو الملف الثانى المسكوت عنه ويتم التحرك خلاله بكثير من السرية، فمن الثابت أن دوائر أمريكية بمساندة من بعض دول الجوار أجرت حوارات مكثفة مع أطراف على صلة ببعض فصائل المقاومة وتجمعات بعثية مختلفة لإقناعهم بالمشاركة فى العملية السياسية تأمينا للاستقرار بعد الانسحاب الأمريكى.

ولايزال هذا الملف يحظى بأهمية قصوى لدى واشنطن لإحباط النزاعات الطائفية،إلا أن الجهد الأمريكى يواجه بعدم تجاوب من جانب الحكومة العراقية وقادة الأحزاب الشيعية والكردية، بالإضافة إلى الضغوط الإيرانية الرافضة لهذه المصالحة،أو توسيع دائرة المشاركة السياسية بعيدا عن الإطار المذهبى القائم حاليا.

ومن المتوقع أن تتواصل الجهود خلال الفترة المقبلة خصوصا أن قوات الصحوة التى قامت بدور كبير فى مواجهة تنظيم القاعدة، بدعم أمريكى، تواجه الآن صعوبات كبيرة ارتبطت برفض الحكومة دمجها فى الجيش والشرطة واكتفت بدمج ثلاثين ألفا من أفرادها فقط من بين حوالى مائة ألف خوفا من تأثير ذلك على نظام المحاصصة المذهبية والعرقية الذى يقوم عليه هيكل هذه المؤسسات.

وبعد انكشاف الغطاء الأمريكى عنها من المرجح أن تعود مجموعات كبيرة منها إلى صفوف المقاومة وهذا ما تنبه له قادة القوات الأمريكية، ويقومون حاليا بدفع الحوار لتوفير أرضية للمصالحة الوطنية لتفاديه.

والملف الثالث الذى فتح مع بداية الانسحاب الأمريكى هو الخاص بمواقف دول الجوار وسعيهم لامتلاك مزيد من التأثير والفاعلية داخل النظام السياسى العراقى، ويأتى الموقف الإيرانى فى المقدمة، حيث تمارس إيران منذ شهور ضغوطا على جميع الأطراف الشيعية سواء داخل التحالف الشيعى أو خارجه، للمحافظة على تماسك هذا التحالف ولتكريس احتفاظ الطائفة بثقل متميز يكفل لها مناصب رئاسية تكون حكرا عليها.

بل إن المالكى نفسه تعرض لضغوط إيرانية بعد إقالته لمستشار الأمن القومى موفق الربيعى الذى كان يمارس ضغوطا على منظمة مجاهدى خلق التى تقيم فى معسكرات فى العراق بتكليف من إيران.

وكان قرار المالكى تجاوبا مع رغبة أمريكية بهذا الخصوص. ومن المرجح أن ينعكس التوتر الحالى فى العلاقات الإيرانية الأمريكية على الدور الإيرانى فى العراق، وذلك لامتلاك مزيد من عناصر وأوراق التأثير لاستثمارها مستقبلا سواء فى الحوار أو المواجهة مع الولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى يشير الدور التركى المتصاعد داخل العراق إلى حجم اهتمام أنقرة بالتطورات العراقية التى ستصاحب عملية الانسحاب. وشهدت الفترة الأخيرة حرصا من جانب تركيا على تكثيف صلاتها بجميع الأحزاب والقوى السنية كما استقبلت السيد مقتدى الصدر الزعيم الشيعى للتيار الصدرى باهتمام بالغ حيث قابله رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وسمح له بعقد اجتماع مع قيادات التيار فى اسطنبول.

وقد أكدت تقارير صحفية مختلفة أن ذلك تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة رغم العداء القوى بين الطرفين، إلا أن الصدر لا يزال بعيدا عن الهيمنة الإيرانية الكاملة، ويسعى لصياغة تحالفاته متجاوزا تلك الهيمنة ولكن بصورة تدريجية.

كما أنه يدعم الحكومة المركزية ويرفض الفيدرالية ويزيد من أرضية التفاهم بينه وبين تركيا رفضه ضم كركوك إلى إقليم كردستان. وهناك حديث حول جهود تركية حاليا للتقريب بين التيار الصدرى والحزب الإسلامى (السنى) ومجموعات سنية مختلفة، وأحزاب شيعية علمانية، لتشكيل تحالف عابر للطائفية يدعم السلطة المركزية ويحد من الدور الإيرانى المتزايد.

هكذا نرى أن بداية الانسحاب، دفعت الأطراف المختلفة فى العراق إلى السعى لتحقيق مكاسب ذاتيه، وهو ما يؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد محاولات مكثفة لصياغة تحالفات سياسية تؤمن للأحزاب والقوى المختلفة ما حصلت عليه من مكاسب خلال فترة الاحتلال وتستثمرها فى الانتخابات البرلمانية القادمة..

إلا أن كل ذلك سوف يكون مرهونا بنجاح المصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات