من الظلمات إلى النور.. ٧ــ الفقه أعلى درجات الفهم - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الظلمات إلى النور.. ٧ــ الفقه أعلى درجات الفهم

نشر فى : الجمعة 14 ديسمبر 2018 - 1:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 ديسمبر 2018 - 5:39 ص

لشديد الأسى والأسف يتداول الناس ألفاظا عظمى على أنها مثل غيرها بسيطة واضحة، ومن أشهر الألفاظ المظلومة بين العامة والخاصة: لفظ الفقه، فالتلاميذ والمدرسون ومن حولهم يعتبرون مصطلح الفقه اسم المقرر الدراسى الخاص بأداء العبارات والمعاملات. وإذا تعمق البعض وأراد أن يتزود رجع إلى معاجم ومراجع الفقه واستخرج تعريفا للفقه يقول:
الفقه فى اللغة: يعنى فهم الشىء، كما يعنى: فهم المسائل الدقيقة فى الشىء، وأصل لفظ الفقه: «الفهم الواسع»، وقد غلب استعماله فى فهم الشريعة. والفقه فى الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.. الخ.

1ــ وهذا التعريف للفقه هو «التعريف المدرسى» أو «التعريف المبدئى» على سبيل التقرى. وهكذا تم محاصرة الفقه وجعله مقررا دراسيا، أو مادة للجدل بين الأطراف، و لهذا فمن الأفضل إعادة الشىء إلى أصله ورد الاعتبار إليه، فالفقه بصفة عامة الذى يحق لحامله لقب فقيه أوسع من هذا المعنى المدرسى، وأبعد كثيرا عن ظنون «الحفظة» وعن قدرات هؤلاء المتسلقين الذين لا يكفيهم أن الله قد منّ عليهم فأجلسهم مجلس التلاميذ بالأمس فيسرعون إلى مجلس الدرس صباحا وينسبون أنفسهم إلى مصاف الخبراء والفقهاء بل والمحكمين فى الاختلاف ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2ــ بداية يجب أن نقرر فى وضوح أن الفقه – كل الفقه – هو بضاعة بشرية وليس شرعا ولا وحيا... وليس معنى هذا القول أن يتطفل كل راغب على مائدة الفقه، ولا أن يدعى كل مغرور أو مأجور، أو مستدرج من قبل قوى الشر – هو لا يدرى – العلم ولا يحق له أن يقارب مجلس الفقة ولو استضافته عشرات البرامج، ورحبت به نوافذ ومنافذ الإعلان المتخفى تحت ستار الإعلام. فمع إقرارنا أن الفقه جهد بشرى، إلا أن حده الأدنى تخصص علمى له اعتباره. فكما لا يرضى الناس فى علاجهم إلا بالطبيب المتخصص المشهود له، فلن يرضى العقلاء بغير فقيه متخصص خال من الادعاء
والغرور وغير متربص بمناخ الفتنة ليسعى لاستثماره.

3ــ وما دام الفقه بضاعة بشرية، فلا شك أنه مجال للتنافس وساحة للنقاش، و لكن... هل يسمح بالاشتراك فى التنافس بين الفرق الرياضة لغير المؤهلين؟ وهل يسمح بوصف الدواء بل وربما تركيبه وترويجه لغير المختصين؟!! فلماذا هذه الجرأة غير المحمودة على الفقه بصفة عامة، والفقه الشرعى بصفة خاصة؟
لماذا الخلط بين حق التعليم والفهم، وحق الاجتهاد والافتاء؟
لماذا هذا التضليل والشعوذة باسم الاجتهاد وحرية الفكر، وأنتم تنسون أنكم تحادون الله ورسوله ولا تجرأون على مجادلة مسئول صغير؟

4ــ نعم – وفى وضوح – فالفقه جهد بشرى، ولكنه جهد المتخصصين. وهو جهد بحثى، ولكنه جهد تلميذ تحت إشراف أستاذ فى معهد أكاديمى. وهو جهد متجدد متغير، ولكنه يتغير
ويتطور إلى «التى هى أقوم» و«التى هى أصلح» و«التى هى أعم نفعا»، والتى هى «أكثر سلامة وأمنا»، وقبل كل ذلك وبعده فهو تغيير إلى «ما أنزل الله فى كتابه» و«ما بلغه الرسول تفعيلا وتطبيقا».

5ــ فإن كان من حق البعض أن يدرس، أو يبحث، أو ينتسب إلى معهد أو حتى يتخرج فيه أو يحصل على مؤهله، فإن حق هؤلاء جميعهم لا يتيح لهم إلا استفسارا أو مناقشة أو حتى مجادلة أهل الاختصاص فى مجلسهم الخاص. فحتى يومنا هذا ما زالت الدنيا لا تسمح لمبدع فى الطب أن يتولى تشريح جثة أو علاج مريض إلا فى المكان الخاص بذلك وباتباع جميع الضوابط.. فهل يكون لعلاج شخص واحد ضوابط وقوانين ولا توجد ضوابط للعدوان على العقول والقلوب والعقائد والشرائع؟ ما لكم كيف تحكمون؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات