4ــ الخطاب الدعوى إلى أين؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

4ــ الخطاب الدعوى إلى أين؟

نشر فى : الأحد 15 فبراير 2015 - 3:00 م | آخر تحديث : الأحد 15 فبراير 2015 - 3:00 م

1ــ المصدر: القرآن والسنة (ج)

الخطاب الدعوى الأزهرى وجميع الخطابات الدعوية الأخرى ــ سواء المحاورة أو المناوئة له ــ يجب تأسيسها على الأساس الشرعى الوحيد وهو "القرآن الكريم" و"بيانه النبوى الشريف". وحينما نقول القرآن الكريم، فإننا نقصد ــ دون لف أو دوران ــ الآيات "القرآنية المحكمة قطعية الدلالة" فتلك الآيات البينات وما أكثرها هى القواعد الرئيسة التى يرتفع منها الأعمدة الحاملة للبناء والمحيطة به من جميع الجهات. كذلك فإننا لانُنكر مقولة إن "القرآن حمال أوجه" ولكن مع إيماننا بها نضعها فى سياقها الشرعى والعقلى الصحيح الذى يعنى:


أن القرآن حمال لأوجه كثيرة لا مكان لأحدها إلا بتكامله مع بقية الأوجه وتقاربه منها وعدم تضاده مع بقية النسق القرآنى، فالقرآن الكريم بوجه عام وآيات التكليف بوجه خاص، آيات محكمات لم يصبها نسخ ولم يحط بها إبهام، ولا تتعلق بها أسرار يمكن لأحد أن يكتشفها ويحاج بها الآخرين.. أما إذا اتجه أحدهم ناحية فهم خاص ارتضاه لنفسه فلا حرج عليه وعلى من يرتضيه معه، أما إذا تصور أحد أن يفرض رأيه ورؤيته وفهمه أو تلك "الأسرار" التى يدعى الانفراد بها ويحاول فرضها على الآخرين ويعتبرها توجيها إلهيا، فكل ذلك لامجال له ولا حق فى الإسلام بصفة عامة وهو أبعد ما يكون عن إجماع المتخصصين الذين تشهد الأمة لهم بإنقطاعهم وتفرغهم وإحتسابهم للإجتهاد والاستنباط داخل منظومة شرعية تحوز رضا الكافة والخاصة.

2ــ

والقرآن الكريم هو أساس التكليف الشرعى، فما ورد فيه هو التكليف، وما صح وتواتر بيانه من الرسول هو البيان العملى التطبيقى للقرآن الكريم، وهذا القدر المتعلق بتطبيق القرآن الكريم هو الذى نطلق عليه اسم "سُنة نبوية"، أما باقى الحديث النبوى الصحيح فهو حديث نبوى إرشادى من فعله أُثيب عليه، ومن تركه لا يعاقب، أما ما يتعلق العقاب بتركه أو إهماله فهو أوامر القرآن ونواهيه والطريقة النبوية لتنفيذ تلك الأوامر والنواهى لاغير.


3ــ

وأحد أكبر أدوات البحث فى القرآن الكريم أداة "اللغة العربية" إذ كثيرا ما ركز القرآن على صفة "عربية القرآن" بل زادها ضبطا بقوله تعالى: ((...وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجا))، ثم أوضح ((..قُرآنا عَرَبِيّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ..)) فلغة القرآن العربية لا يصلح تفسيرها مرة طبقا للسان قريش، ومرة أخرى طبقا لألسنة قبائل أخرى، بل لابد وأن يتم فهم القرآن الكريم كله كجملة واحدة تحمل نظرية واحدة لاتضاد فيها ولا انحراف ولا نسخ فيها ولا تعطيل. وأكبر المعجزات القرآنية أنه لا خلاف ولا اختلاف فيه، حيث يقول ((..وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافا كَثِيرا)) فليست مهارة المُفسر، ولا قدرة الفقيه أن يصنع صنع "الحواة" فيفسر لفظا أو آية بأنه بلهجة غير اللهجة التى يفسر بها ألفاظا ونصوصا أخرى. وكذلك ليس من التفقه والاستنباط أن يُفرّغ القرآن من بعض آياته لأن بعض العقول عجزت عن الجمع بين آيتين أو أكثر بدعوى النسخ التى ابتدعوها.

4ــ

وحينما أخذ القرآن يُربى أتباعه على ضرورة التراحم والتكافل، فتح الباب واسعا وذلك بفرض الوصية فى قوله تعالى ((كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) فهكذا كانت الوصية (عامة لشرائح كثيرة من المجتمع) غير أصول الشخص وفروعه، فلما تقدم المجتمع خطوات جاء الشرع بالقواعد المُكملة فى آيات المواريث، وحتى لا يتصور الناس نسخ وإلغاء آية الوصية، جاء القرآن بالقواعد المُكملة عبر ثلاث آيات فى سورة النساء وأولها قوله تعالى: ((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَّعْرُوفا)) ثم جائت الآية ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ..)) ثم جائت الآية (12) وآخر جملة فيها ((..وَصِيَّة مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ )). فهكذا جاءت آيات المواريث مجددة للوصية ومؤكدة عليها وزادت فيها تخصيص الأصول والفروع بنسب خاصة قدرها الشرع، وفى ضوء هذا نفهم أن آيات المواريث لم تنسخ "الوصية" بل خصصت الوصية العامة الواردة فى آية 180 البقرة بالوصايا الخاصة فى الآيات الثلاثة من سورة النساء.
يتبع..

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات