لا عادى ولا ديمقراطى - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا عادى ولا ديمقراطى

نشر فى : الإثنين 15 مارس 2010 - 9:12 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 مارس 2010 - 9:12 ص

 لا يستطيع المرء أن يكتم شعوره بالغيظ، حين يقصده مذيع إحدى القنوات وسط الحراك المثير الذى تشهده مصر الآن، ويسأله: ما الذى يمنع من أن يترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، شأنه فى ذلك شأن أى مواطن عادى، ولماذا يحرم من ذلك لمجرد أنه ابن رئيس الجمهورية؟ وما الضرر فى أن يشارك فى أى انتخابات ديمقراطية مقبلة؟
ألقيت علىّ هذه الأسئلة، فذكرتنى بما كدنا ننساه، لكننى نظرت مليا إلى السائل لكى أتعرف على ما إذا كان يتخابث ويستعبط أم أنه رجل عبيط من أصله.

كنت أعرف أن أحد المنافقين فعلها فى اجتماع خاص برئاسة الرئيس مبارك، حين انبرى مشيدا بمواهب وفضائل جمال الابن، ثم تهدج صوته بعد ذلك. وأسبل عينيه ثم توجه إلى الرئيس برجاء حار متمنيا عليه ألا يظلم جمال ويحرم البلد من مواهبه وقدراته لأنه ابنه! (فهمت من راوى القصة أنه كان يقصد إسناد منصب تنفيذى كبير إليه).

إذا نحيت وصلة النفاق المكشوفة فى الفقرة السابقة، وعدت إلى أسئلة البداية ستجد لأول وهلة أن الكلام لا يخلو من منطق. لكنك إذا دققت فيه جيدا ستكتشف أن الفرضيات، التى انبنت عليها الأسئلة مغلوطة ومغشوشة، خصوصا الادعاء بأن جمال مبارك مواطن عادى من حقه أن يتنافس مع غيره على منصب الرئاسة، كذلك القول بأنه هو وغيره سيحتكمون إلى صناديق الانتخابات فى ظل ممارسة ديمقراطية حرة ونزيهة. دعك من الفرضية الأساسية التى تسلم بأنه سيرشح نفسه للانتخابات ضمن آخرين، لأن كثيرين يرجحون أن ذلك لن يحدث، وأن الرئيس مبارك سيرشح نفسه للمرة السادسة، وأن الزيارات والجولات التى يقوم بها فى الآونة الأخيرة تمهد لذلك.

كان ردى ولا يزال أن جمال مبارك إنسان عادى ومواطن غير عادى. هو إنسان عادى شأنه شأن ملايين الشباب فى مصر، ولابد أن تكون له فضائله على المستوى الإنسانى، التى يشاركه فيها الملايين أيضا، لكنه أيضا مواطن غير عادى لسبب جوهرى هو أنه ابن للرئيس الذى يمسك بكل خيوط البلد فى يده، الأمر الذى أتاح له أن يتصدر المشهد السياسى. ويصبح شريكا فى القرار السياسى، إذا تحرك فهو يصطحب معه فريقا من الوزراء ويتقدم عليهم بطبيعة الحال. وإذا تكلم فإنه يتحدث باعتباره صانعا للسياسة (أليس أمينا للجنة السياسات كلها، وليس السياسة فى مجال معين؟). ناهيك عن أنه يتنقل فى موكب تتقدمه سيارات الأمن، وحركته تستصحب احتياطات من نوع خاص، بعضها على الأرض وبعضها فى الجو. وأى مكان يقصده لابد أن يكون مؤمنا تماما، ولابد أن تكون القيادات التنفيذية والشعبية على الباب، فى انتظاره ورهن إشارته، أما سفرياته خارج مصر، فلها ترتيبات أخرى سياسية وأمنية ومالية، لا تعرف حدودها، إلى غير ذلك من الأوضاع الاستثنائية شديدة الخصوصية التى تحيط به، الأمر الذى يدعونا إلى التساؤل عن المعيار، الذى يحتكم إليه فى وصفه بأنه مواطن عادى، وعن المشترك بين هذه الترتيبات التى تحيط به أينما حل، وبين أى مواطن عادى آخر فى بر مصر.

لا يقف الاستعباط والاستهبال عند هذا الحد (لاحظ أننى لم أطرح احتمال العبط لأن أى عبيط يستطيع أن يكذب الادعاء بأنه مواطن عادى، بالنظر إلى موكبه وليس بالعقل). لكنه يشمل أيضا القول بأنه وأقرانه من المرشحين سوف يحتكمون إلى الصناديق فى انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة. ليس فقط لأن مصر منذ قامت ثورة يوليو عام 52 لم تعرف انتخابات ديمقراطية حقيقية. أدت إلى تداول السلطة ناهيك عن حق الشعب فى المشاركة والمساءلة. ورغم أن هناك من يقول بأن البلاد شهدت انتخابات حرة نسبيا فى الستينيات. حين كان السيد شعراوى جمعة وزيرا للداخلية. لكن حتى هذه كانت مجرد لقطة ديمقراطية وليست حالة ديمقراطية. ثم إنها ظلت الاستثناء الذى يؤكد القاعدة ويثبتها.

من ناحية أخرى، فإن احتكار الحزب الوطنى للسلطة طوال الثلاثين سنة الأخيرة على الأقل. أحدث نوعا من الذوبان للحزب فى الأجهزة التنفيذية، بحيث أصبح يعتمد بالكامل على مساندة تلك الأجهزة وليس على التأييد أو المساعدة الشعبية. وذلك يشكل حائلا يحول دون إجراء أى انتخابات نزيهة، الأمر الذى يجعل فكرة الاحتكام إلى الصناديق مجرد فذلكة لغوية وفرقعة إعلامية، لا علاقة لها بما يجرى على الأرض ــ حتى الكذب خبنا فيه ولم نعد نتقنه.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.