الجهادى الأوروبى - الأب رفيق جريش - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجهادى الأوروبى

نشر فى : السبت 15 يوليه 2017 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 15 يوليه 2017 - 8:30 م

تستغل الحركات الجهادية ضعف القيم الروحية فى أوروبا وفقدان الأيديولوجيات الكلاسيكية قدرتها على حشد الجماهير بجانب الأمراض الاجتماعية والسيكولوجية كالتفكك الأسرى وبهتان معنى القدسية داخل مسيحية تآكلتها العلمنة. فهل تعتبر الحركة الجهادية تطرفا للإسلام أم أسلمة للتطرف، هل هى ظاهرة «زعامة» أم هيكل منظم؟
هناك أيضا إشكاليات أخرى كما يراها بعض المحللين منها إحباط الجهاديين أو مشاكل كبتهم الجنسى أمام المجتمعات المنفلتة والمتحررة، أو أن الحركة الجهادية تنبع من طبيعة دينية طائفية تلقن عقيدتها للشباب، أو وجود طلب «ثورى» من جانب الشباب الذين يودون سلوك هذا الطريق، فالمعلومات المتوفرة تحلل أن الساحة الجهادية فى أوروبا موسومة بحالة من المثالية والتى تتسم بزوال الأساطير وأدبيات القرن التاسع عشر الكبرى، والصراع الطبقى والفلسفى. هذه الأزمة تترافق وأزمة الطبقة المتوسطة التى لم يعد أبناؤها مقتنعين بانتمائهم إلى قطاعات المجتمع الصاعدة، بل يعتريهم شعور بالانكفاء والتقهقر الاجتماعى. وهكذا شباب الطبقة المتوسطة يشعرون بفقدان الثقة بمستقبل أصبح مهددا بسبب غياب الطبقة المتوسطة، ذات القيـم النبيلة إضافة إلى شـــباب الضـــواحى (والمنبوذين من جانب المجتمعات الأوروبية) الذين لا أمـل لهم بالمستقبل. فهناك قبل كل شىء جهاديون من الأحياء المحرومة المصابة بالفقر ولهم سمات مميزة وربما ماضٍ إجرامى وفترة فى السجن واحتكاك بشباب آخرين فى طور التطرف، وفى أغلب الأحيان رحلة تعارف ـ مثالية إلى بلد تجتاحه حرب أهلية استحوذ فيه المتطرفون على مساحة نشاط أو أسسوا فيه دولة (العراق وسوريا ومالى واليمن وليبيا) والسعى لإنشاء علاقات مع داعش عبر الإنترنت تنتهى بتجنيدهم.
وليس سرا أن شباب الأوروبيين الذين هاجروا إلى سوريا بدءًا من 2013 والذين ازدادت أعدادهم بشكل كبير فى عامى 2014 و 2015 والذين غادروا بلادهم للقتال إلى جانب داعش (وبشكل أقل إلى جانب جبهة النصرة القريبة من القاعدة) يقدر بخمسة آلاف شخص من بينهم 500 امرأة.
كذلك هناك عدد متزايد من الشباب والشابات المتحولين إلى الإسلام ويتم التحول لدى المراهقين فى فترة زمنية وجيزة. ويطغى البُعد العاطفى على الانتماء الأيديولوجى. فتحولهم يُعبر عن بحثهم عن جماعة جديدة «تؤمن» حيث أن الديانة الأصلية بالنسبة للشباب معدومة وحالة «اللادين» مع العلمانية كما فى الماضى وشعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لم يعد لها أى معنى مقدس.
ويقع البحث عن الإسلام لدى هذه الفئات على سبب مزدوج، أولهما هو تعظيم داعش بانتصار، إذا استطاعت أن تتوسع بسرعة فى العراق وسوريا بعد أن هزمت الجيش العراقى والجيش السورى. فقد اعتبر كثيرون من الشباب هذا النجاح دليلا على صواب فكر الدولة الإسلامية وشهادة على نصر الله لها رغم أن لا تشدد فى دعاية داعش الموجهة إلى الشباب على البعد الدينى، بل على الشعور بالذنب بأن الإسلام فى خطر ويجب التحرك والالتزام الكامل له مع سحر الحياة البطولية التى تشكل نقيضا للحياة اليومية المملة والخالية من أية انفعالات قوية فى أوروبا.
لقد نشأ كذلك هؤلاء الشباب فى عائلات لا تمارس معظمها الواجبات الدينية وثقافتها دينية ضحلة فقد كشف عدة شبان للباحثين فى هذا الموضوع أنهم تحولوا إلى الإسلام فى السجن وشرحوا بأن الإسلام هو أول ديانة تمتلك مجموعة من النظم والأحكام بينما المسيحية معقدة.
إن هؤلاء الشباب يبحثون فى الواقع عن أحكام على عكس شباب مايو 1968 وشعارتهم الرافضة للقوانين السارية آنذاك بحثا عن العفوية والذاتية داخل الحب المتحرر «مارس الحب لا الحرب» والمجون والحفلات الموسيقية الصاخبة، فحاجة هؤلاء الشباب إلى تحديد دقيق للخط الفاصل بين الحلال والحرام هو جزء من نفسيتهم الباحثة عن معنى. ففى المجتمعات الأوربية التى لم تعد تلوح فى أفقها أية حقيقة تقدم داعش مثالية مضادة إعجاب هؤلاء الشباب رغم رجعيتها. فالشباب يبحثون عن «المعنى المفقود» ويجدونه فى النسخة العنيفة من الدين والتى لا علاقة لها البتة بحياتهم اليومية والهادئة فى ذلك الجزء من أوروبا الذى ينعم بالسلام منذ سبعة عقود. فنشوة الحرب، التى رفعتها تلك الجماعات باسم الإسلام الراديكالى إلى مرتبة القداسة تحت مسمى الجهاد، تحرك مشاعر شبان كثيرين يودون تحقيق حلمهم بحياة بطولية لا تجد مجالا لتحقيقها فى بلادهم الاصلية. ويكمن نجاح داعش فى قدرته على التلاعب والعزف على أوتار الشعور بالذنب والبطولة لدى شباب الطبقة المتوسطة الخائفين من التقهقر الاجتماعى أو لدى شباب الضواحى أو الطبقات الاجتماعية الدنيا المجبرين على حياة بائسة وتافهة هذا التوق إلى المقدس وإلى الخلود الذى يعترى الشباب تصاحبه الرغبة فى أن يصبحوا «شخصا مهما» فداعش يوفر فرصة عبور يسمح ببلوغ سن الرشد بسرعة، على عكس ما يجرى فى أوروبا حيث يبقى الشباب فى كنف أهلهم أو المؤسسات التعليمية مما يطيل أمد مراهقتهم. فالمغادرة إلى سوريا غالبا ما توفر الحق فى الحصول على مسكن وعمل فى الحقل العسكرى وكذلك على الزواج وتكوين أسرة، وهو حلم صعب تحقيقه فى أوروبا حيث يشكل العبء المالى للشباب عائقا كبيرا أمام تلك الرغبة «بالانطلاق» فهم يقتلون ويقتلون من غير اكتراث بحياتهم ولا بحياة الآخرين.

الأب رفيق جريش الأب رفيق جريش
التعليقات