«بناهى.. رسولوف.. الأحمد».. هل تكره إيران السينمائيين الكبار.. ولماذا؟ - خالد محمود - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 7:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«بناهى.. رسولوف.. الأحمد».. هل تكره إيران السينمائيين الكبار.. ولماذا؟

نشر فى : الجمعة 15 يوليه 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : السبت 16 يوليه 2022 - 11:19 ص
هل تكره إيران السينمائيين؟
سؤال حيرنى كثيرا، فى دولة أتى لها أبناؤها بالأوسكار والجولد جلوب والسعفة الذهبية والدب الذهبى، لتتوج خزائنها بالجوائز العالمية الرفيعة وهو ما لم تحظ به دول أخرى عتيقة فى الصناعة!!
فى خطوات متتابعة ألقت السلطات الإيرانية القبض على ثلاثة من أصحاب تلك الجوائز، فى أسبوع واحد لتزج بهم فى المعتقل لأنهم يصنعون أفلاما تتنفس حرية وحق المجتمع فى الحب وفى الحياة بقصص إنسانية بسيطة.
طبيعى أن تدخل إيران فى اشتباك مع العالم لإصرارها على صنع أسلحة نووية بحجة الدفاع عن نفسها، إنما أن تشتبك مع صناع الفن والقوة الناعمة فهذا سلوك يحتاج إلى تحليل نفسى.. ما هو العداء الذى يمكن أن يصل لهذه الدرجة بين السلطة وهؤلاء المخرجين الكبار الذين ألقت القبض عليهم منذ أيام؟ وسجنوا فى مكان مجهول بسبب احتجاجهم على العنف ضد المدنيين فى إيران واتهمتهم بالارتباط بجماعات معارضة خارج البلاد، وبالتخطيط لتقويض أمن الدولة، وهم الذين يحظون بمكانة رفيعة ومجموعة بين نظرائهم من مخرجى العالم وصفق لإبداعهم الجمهور، بل ووضعوا اسم إيران على الخريطة وكتبوا تاريخا مجيدا لها.
أتعرفون من هؤلاء المخرجين.. هم الثلاثة محمد رسولوف ومصطفى الأحمد وجعفر بناهى الذين تتباهى بهم الشاشات.
كان رسولوف قد حُرم بالفعل من حريته فى الحركة والعمل منذ عام 2017، بعد عرض فيلمه «رجل النزاهة»، الذى فاز بجائزة «نظرة خاصة» فى الدورة السبعين لمهرجان كان. كما تم عرض أفلامه «المخطوطات لا تحترق»، الفائز بجائزة الفيبرسى عام 2013 وفيلم «وداعا»، الفائز بجائزة أفضل مخرج فى نظرة خاصة عام 2011 بمهرجان كان، لكن لم يسمح له بالسفر إلى فرنسا لتسلمها. بعد ذلك، فاز بجائزة الدب الذهبى لأفضل فيلم فى مهرجان برلين عام 2020 مع فيلمه «لا يوجد شر»، الذى يروى أربع قصص مرتبطة بشكل فضفاض بقضايا عقوبة الإعدام فى إيران والحريات الشخصية.
بعد فترة وجيزة من حصوله على الجائزة حكم عليه بالسجن بسبب ثلاثة أفلام قام بتصويرها واعتبرتها السلطات «دعاية ضد النظام». واستأنف محاميه الحكم.
كما منع من مزاولة مهنة الإخراج ومن السفر إلى الخارج. وهو يركز فى أفلامه على الوضع الاجتماعى فى وطنه.
المخرج جعفر بناهى الذى تم اعتقاله الاثنين الماضى فى طهران قدم العديد من الأعمال المهمة التى شاركت فى مسابقة مهرجان كان، مثل «ثلاثة وجوه»Three Faces، عام 2018، وحصل على جائزة أفضل سيناريو، وفيلم «الذهب القرمزى» Crimson Gold الفائز بجائزة لجنة التحكيم فى مسابقة «نظرة خاصة» عام 2003. وفاز جعفر بناهى أيضا بالدب الذهبى فى مهرجان برلين عام 2015 عن فيلمه «تاكسى» ليثبت فى أعماله نظرية الصراع داخل المجتمع الإيرانى، ويعريها بشكل فاضح، وقف الشعب المحب للسينما مع المخرج الذى تطارده السلطة، والسلطة لا تستطيع إيقافه عن إنتاج الأفلام رغم قراراتها السابقة، حيث كان بناهى عام 2009 حكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات.
إلى جانب المنع من ممارسة الإخراج لعشرين عاما، والمنع من السفر خارج البلاد، وإن كانت هذه الأحكام قد خففت لاحقا، وخرج بناهى من السجن، إلا أنه ظل رهين الإقامة الجبرية لفترة أنتج فيها فيلمه «هذا ليس فيلما» من داخل منزله، وهربه إلى الخارج عبر قرص USB صلب مرر بداخل كعكة.
كان طبيعيا أن تنتفض المهرجانات السينمائية الكبرى ضد قرارات السلطات الإيرانية، وتطالب بالإفراج عن المخرجين الكبار الذين تألقوا فى مسابقاتهم ومنحوا شاشاتهم بريقا خاصا بأفلامهم المدهشة فنيا، مهرجان برلين أصدر بيانا شديد اللهجة منحازا فيه للفن، وقال مديرا المهرجان، مارييت ريسنبيك وكارلو شاترى إننا ملتزمان بشكل أساسى بحرية التعبير وحرية الفنون. ولذلك احتج المهرجان على حبس المخرجين، ونحن قلقان للغاية بشأن اعتقال محمد رسولوف ومصطفى الأحمد. إنه لأمر مروع أن يتم احتجاز الفنانين بسبب مساعيهم السلمية ضد العنف.
كذلك الأمر مع مهرجان كان السينمائى الذى أدان بشدة هذه الاعتقالات وموجة القمع الجارية فى إيران ضد فنانيها واعتبر ذلك ناقوس خطر.
وطالبت إدارة المهرجان بالإفراج الفورى عن محمد رسولوف ومصطفى الأحمد وجعفر بناهى.
وأكد المهرجان مجددا دعمه لجميع أولئك الذين يتعرضون للعنف والقمع فى جميع أنحاء العالم، وأن المهرجان سيظل دائما ملاذا للفنانين من جميع أنحاء العالم وسيظل دائما فى خدمتهم من أجل إيصال أصواتهم بصوت عالٍ وواضح، دفاعا عن حرية الإبداع وحرية التعبير.
الحق أن السينمائيين فى إيران سواء من اختاروا التكيف مع المساحات الضئيلة المتاحة، أو من اختاروا الهرب والعيش خارج البلاد، لم يحملوا أفلامهم بالكثير من الإشارات السياسية، ولم يهتموا كثيرا بالدخول فى حالة صراع مع الدولة، لكنهم اهتموا بإبراز الجانب الإنسانى فى حياة الشعب، وأشاروا إلى القيود الرقابية بشكل ذكى ومعبر، من دون رسائل صاخبة، ومن دون شعارات عالية، فقط فن عالى الجودة، نجح فى أن ينتزع الاعتراف بوجوده داخل الدولة انتزاعا حسبما أشار الباحث حسين السيد.
ويبقى السؤال مستمرا هل تكره السلطات الإيرانية السينمائيين الذين يمثلون واجهة إيران المشرفة أمام العالم اليوم. وإذا كانت الإجابة نعم فإن السؤال الثانى هو: لماذا؟!!
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات