السياحة.. ما لها وما عليها - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياحة.. ما لها وما عليها

نشر فى : الإثنين 15 سبتمبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 ديسمبر 2014 - 11:53 ص

ترجع نشأة السياحة فى مصر إلى ذيوع صيتها بأن لديها حوالى سدس مقتنيات العالم من الآثار التى خلفتها سلسلة من الحضارات، فى مقدمتها إحدى أعرق الحضارات فى العالم، تميزت ليس بغرابة عناصرها عما تشهده الإنسانية الآن، بل بكونها قامت على أسس علمية غاية فى التقدم بالنسبة لعصرها، وبعضها ظل الفكر الإنسانى عاجزا عن فك أسراره حتى الآن، فضلا عن أنه يتحدث عن قوم ربطوا بين الحياتين الدنيا والآخرة. وساهم فى ترويجها ما تتمتع به مصر من جو متوسطى معتدل، وأن أهم مواقعها يشهد دفئا يجذب الرواد الذين يقطنون مناطق باردة، فجمع بين جاذبية المشاهد ومتعة الجو. وبحكم توطن الجزء الأكبر من تلك الآثار فى مناطق تضعف فيها الأنشطة الاقتصادية حتى الأولية منها، فقد فتحت أبواب رزق لأهلها، وأكسبتهم معرفة بثقافات ولغات أقوام آخرين. وساعد تركز الجانب الأكبر فى الجنوب من دولة تتركز غالبية الحياة فيها فى وادٍ يمتد حول أحد أشهر أنهار العالم، على تعزيز سبل الانتقال بين الشمال الزاخر بالنشاط وبوفرة الآثار الإسلامية والجنوب الغنى بالآثار الفرعونية، فضلا عن آثار قبطية، تثرى السياحة التاريخية.

•••

وكانت هناك حركة محدودة للسياحة الثقافية والعلمية لعب فيها الأزهر دورا هاما، وساهمت جامعة القاهرة بدور محدود فيها. كما جذبت السياحة العلاجية أعدادا محدودة من دول الجوار. ومع توالى استقلال الدول العربية وتوافر الأموال فى مناطق تعانى من قسوة القيظ المصحوب بالرطوبة، بدأت السياحة الصيفية العربية التى تجمع بين الاستجمام والترفيه تجد فى القاهرة مقصدا يرحب بها وتجد فيه ألفة تفوق ما تشعر بها فى مزارات سياحية أجنبية. وشيئا فشيئا تحولت السياحة العربية إلى ما يمكن اعتباره «سياحة استيطانية» كان من أوائل ملامحها ثلاث عمارات بناها سعوديون فى منطقة العجوزة، ويستأجرها سياح يدفعون إيجاراتها فى الخارج، فحرمت الدولة المضيفة من مصدر هام للإيرادات بالعملة الأجنبية، فجرى تأميمها فى الخمسينيات. وحينما تعرضت مصر لضائقة مالية بعد 1967 ظهرت بجلاء الأبعاد السلبية للسياحة باعتبارها نوعا فريدا من الصادرات. ومع تنامى عناصر «ثورة التصحيح» أو بالأحرى ثورة الردة، أضيف أحد أخطر سلبيات السياحة المشوهة، وهو التردى الثقافى الذى كان أهم أسلحة الثورة المضادة لهدم أهم أركان ثورة يوليو.

ومن المعلوم أن أى اقتصاد مهما بلغت قدرته لا يستطيع أن يكتفى ذاتيا بامتلاك القدرة اللازمة ليس فقط لإنتاج كافة احتياجاته من متطلبات الاستهلاك النهائى، بل وأيضا من مستلزمات إنتاج تلك الاحتياجات، ومن السلع الرأسمالية اللازمة للاستثمار فى توسيع طاقات الإنتاج. ولذلك يجرى التوسع فى إنتاج بعض هذه المنتجات عما يلزم لاستخدامه محليا، ويجرى تصدير ما يفيض عن الاحتياج المحلى مقابل نقد أجنبى ينفق على استيراد ما لا يتم إنتاجه محليا. وقد حرص النظام الرأسمالى العالمى على دفع الدول النامية للتخصص فى إنتاج الخامات الزراعية والمعدنية وتصدير ما يفيض عن احتياجاتها منها والحصول مقابل حصيلة التصدير على ما يلزمها من سلع مصنعة أو نصف مصنعة، سواء لأغراض الاستهلاك أو الإنتاج أو الاستثمار. وتعتبر السياحة خدمة تصديرية مشابهة للمنتجات الأولية، بحكم أنها تقوم على منشآت تاريخية أو طبيعية. إلا أن الفارق بين هذا النوع من الصادرات وتصدير السلع الأولية المنتجة محليا، هو أن من يستخدمها، لا يقيم فى الخارج، بل يأتى ليقيم بصورة مؤقتة، ويشكل بذلك طلبا استهلاكيا إضافيا.

وهنا تكمن معضلة السياحة من الجانب الاقتصادى، بغض النظر عن الجانبين الثقافى والاجتماعى. فخلال فترة الإقامة يحتاج السائح إلى مسكن ومأكل وانتقال، فينافس بذلك المواطنين فى احتياجاتهم المعيشية، فضلا عن أنه عادة يكون ميسورا فلا يتضرر إذا جرى التعامل معه بأسعار أعلى مما هو سائد، فيتضرر المواطنون من هذا الارتفاع. أذكر أنه بعد أيام من تسلمى حقيبة التخطيط فى مارس 1976 أن شاركت فى أعمال مؤتمر لجمعية الاقتصاد والإحصاء والتشريع بالتعقيب على دراسة قيمة للدكتورة محيا زيتون عن السياحة. وفى ذلك الوقت كنا نعانى من تبعات حربى الاستنزاف والعبور، ومن تداعيات انطلاق الانفتاح سداح مداح. وبينت أن ذلك الطلب الاستهلاكى الإضافى كان يمكن أن يكون مقبولا لو أن القطاعات المعرضة لزيادة الطلب على منتجاتها كانت بها طاقات إنتاجية معطلة، أو يسهل توسعها. ولكنها انصبت على أساسيات الحياة التى تحملها المصريون بصبر أملا فى النصر، وتحملت الدولة أعباء متزايدة من الدعم، أدى المساس بها إلى انفجار انتفاضة 18 و19 يناير 1977. أذكر أن سائحا عربيا استوقفنى سائلا عن إمكانية الحصول على بعض السكر بعد أن حفيت قدماه. وقام بعض الأفراد القاطنين فى منازل صالحة لسكنى من ينشدون الراحة من السياح، بالتخلى عنها لتأجيرها شققا مفروشة.

•••

وعندما انتعشت سياحة الشواطئ على البحر الأحمر توجهت الاستثمارات ومواد البناء إلى تشييد أبنية سياحية بينما ظل قضية الإسكان وقوانين الإيجار المزعجة يؤرقان المواطنين. واستغل سائقو التاكسى طلب السياح للانتقال فلاقى المواطنون عنتا فى الحصول على خدماتهم، وإن حصلوا عليهم عوملوا خارج البنديرة. فضلا عن ذلك فإن الفنادق العالية المستوى كانت تستورد احتياجاتها من الأثاث والمأكولات المفضلة لدى السياح، وكل ذلك جعل حصيلة الإيرادات السياحية من النقد الأجنبى تتآكل، واتجاهات الاستثمار تنحرف عن أولويات الاقتصاد المحلى. وإذا كان السياح يدفعون رسوما لزيارة أماكن معينة ويستعينون بخدمات من نوع لا ينافس الطلب المحلى، ويشترون منتجات حرفية لا يهتم بها المواطن العادى، فإن سياحة الشواطئ، لاسيما المرجانية، لم تضف طلبا على أى من تلك الأشياء. وصحب ذلك اضطرار العاملين بهذه الأنواع من السياحة للابتعاد عن محال إقامتهم، وتعرضهم لاضطراب دخولهم بسبب موسمية السياحة.

•••

دعانى مجلس أوروبا إلى مؤتمر فى 1996 حول الشراكة الأورومتوسطية فى بالما دى مايوركا وهى جزيرة شهيرة، فإذا مطارها به 84 بابا، ويزورها 12 مليون سائح تسعى لمضاعفتهم، يشكلون نسبة هامة من سياح إسبانيا الذين يبلغ عددهم سنويا ضعف سكانها الأصليين، وبها مدرسة للسياحة يدرس فيها طلاب من مختلف الجنسيات. وكنت أتابع أرقام البطالة فى إسبانيا (عضو الاتحاد الأوروبى) فأجدها تفوق 20% بصورة مستمرة. وتعرضت لتراجع اقتصادى حاد مع دول أوروبية جنوبية أخرى. فى سفرى إلى الخارج إلى دول متقدمة فى مهام رسمية أو علمية، كنت أختلس سويعات أمارس سياحة لأطلع على مزيج من التراث القديم والإبداع الحضارى الحديث، ونمط للحياة اليومية يفسر كيف أصبحت الديمقراطية تعبيرا عن واقع وليس لتقويم مجتمع مضطرب. إن السياحة ليست دافعا للنمو بل حصيلة لتنمية جديرة بالاعتبار.

ردوا الحصان إلى موقعه من العربة.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات