جانب من الوجود الصيني في الشرق الأوسط - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جانب من الوجود الصيني في الشرق الأوسط

نشر فى : الخميس 16 فبراير 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الخميس 16 فبراير 2023 - 8:50 م
خلال رحلته فى الشرق الأوسط التى قادته إلى إسرائيل وفلسطين والمملكة العربية السعودية فى يوليو الماضى، أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن أن بلاده «لن تبتعد وتترك فراغا تملأه الصين أو روسيا أو إيران». وعلى الرغم من تفهم موقف بايدن بصورة عامة، إلا أن الشرق الأوسط أصبح مجالا مفتوحا يرحب بشدة بالدور المتزايد للصين فى أغلب دوله.
وقد نما وجود الصين فى الشرق الأوسط بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة فى جميع مجالات الاقتصاد والدفاع والدبلوماسية ومظاهر القوة الناعمة. وترى بكين حاليا أن مصالحها فى الشرق الأوسط تُخدم بشكل أفضل من خلال التركيز على التجارة والابتعاد عن الشئون الأمنية والسياسية. ومع ذلك، فإن دول الشرق الأوسط تجر الصين بشكل متزايد إلى القضايا السياسية والأمنية، وهو ما سيدفع بالصين إلى لعب دور أمنى أكثر بروزا فى المنطقة.
تتميز الصين بموقف فريد بين القوى الكبرى، إذ تنفرد بالتمتع بعلاقات جيدة مع المجموعات العرقية الأربع الرئيسية فى المنطقة، العرب، والفرس، والأتراك، واليهود. ويرجع جزء من هذا إلى مبدأ السياسة الخارجية للصين المتمثل فى «عدم التدخل فى الشئون الداخلية»، والذى يقربها من الأنظمة الحاكمة بعيدا عن سجلها الحقوقى والديمقراطى.
ولم يعد من المفاجأة أن تتقدم صورة الصين على صور الدول الغربية فى استطلاعات الرأى التى تجرى فى دول الشرق الأوسط.
• • •
يوفر نموذج التنمية الصينى، الذى أنتج نموا اقتصاديا كبيرا مع الحفاظ على استقرار النظام، مثالا جذابا للدول الشرق أوسيطة خاصة عند مقارنته مع الدعوات الغربية الشكلية لإجراء إصلاحات سياسية وحقوقية. وفى الوقت الذى يوجد فيه أكثر من أربعين ألف جندى أمريكى بالمنطقة، يتوزعون بالأساس فى الدول الخليجية، وصل الوجود البشرى الصينى فى إمارة دبى الإماراتية وحدها إلى ما يقرب من ربع مليون شخص.
نشطت الصين فى الساحة العربية والشرق أوسطية خلال العقود الأخيرة. ووازنت بكين بين علاقات معقدة وواسعة مع صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية، وبين مصالحها فى مصادر الطاقة العربية. كذلك وازنت الصين بين علاقاتها بالغريمين السعودية من جانب وإيران من جانب آخر.
تشارك الحكومة الصينية بانتظام المنظمات الإقليمية الرئيسية فى الشرق الأوسط مثل مجلس التعاون الخليجى، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، وترسل وفودا دبلوماسية رفيعة إلى مؤتمراتها.
تمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حجر الزاوية فى مبادرة الحزام والطريق (BRI) الصينية حيث مثلت 28.5٪ من استثماراتها عام 2021.
ولدى الصين «شراكات استراتيجية شاملة» مع خمس دول فى منطقة الشرق الأوسط، (الجزائر ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) و«شراكات استراتيجية» مع سبع دول (العراق والأردن والكويت والمغرب وعمان وقطر وتركيا)، وخلال السنوات الماضية، وقع عملاق التكنولوجيا الصينى هواوى عقد شبكات الجيل الخامس G 5 مع 12 دولة شرق أوسطية.
• • •
تاريخيا لم تلعب الصين دورا هاما فى سياسات الشرق الأوسط منذ التأسيس الحديث لها منتصف القرن الماضى، وتمحور دور الصين فى تقديم دعم معنوى لحركات التحرر الوطنى العربية من الاستعمار الغربى بعد الحرب العالمية الثانية، وتأييدها العام للحقوق الفلسطينية والعربية فى صراع الشرق الأوسط. وفى المقابل دعمت الدول العربية بصفة عامة جهود الصين فى الحصول على مقعدها بالأمم المتحدة ومن ثم مجلس الأمن وحق الفيتو خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى. وعلى الرغم من تراث الاستعمار الغربى للدول العربية، وعلى الرغم من دور دول مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فى إنشاء ورعاية إسرائيل، اختارت الدول العربية التقرب من الغرب ونموذجه الاقتصادى والثقافى، إلا أن هذا الواقع قد لا يصمد أمام ما تشهده الصين من تطورات متسارعة والتى ستصل تبعاتها للدول العربية. من ناحية أخرى، لم يعد بإمكان الصين تجاهل هذه المنطقة الغنية بثرواتها الطبيعية خاصة مصادر الطاقة اللازمة لاستمرار تقدمها من بترول وغاز، ولا تستطيع كذلك تجاهل السوق الاستهلاكية العربية الواعدة والمتزايدة باستمرار، من هنا لن يستطيع العرب وجيرانهم تجاهل الصين طوعا أو كرها.
ويؤدى التبادل التجارى الضخم بين دول المنطقة والصين إلى تغير فى وجهات النظر حول ثقافة الصين واقتصادها وسياساتها السياسية بما أدى إلى زيادة الاهتمام بدراسة اللغة الصينية. ويشعر عدد متزايد من رجال الأعمال فى الشرق الأوسط أن تعلم اللغة الصينية ضرورى لخدمة مصالحهم التجارية المستقبلية.
تنتشر معاهد كونفوشيوس ــ وهى منظمات تمولها الحكومة الصينية لتعليم اللغة والثقافة الصينية فى الخارج ــ بالفعل فى لبنان، والأردن، وإيران، وإسرائيل، ومصر، والمغرب. وتعكس خطوات الصين الاقتصادية بالاستثمار فى مناطق حرة صناعية أو فى إنشاء شبكات متنوعة من مشروعات البنية التحتية طموحا كبيرا فى علاقاتها المستقبلية بالدول العربية.
• • •
ليس من المبكر أن نقول إن الصين ستتمتع بنفوذ كبير بين الشعوب العربية، لكن لا يجب أن يُفهم من ذلك أن الصين ستزيح النفوذ الغربى (أوروبى ــ أمريكى) من الدول العربية لتحل مكانهما فى أى وقت قريب.
وعلى الرغم من وجود أسس جديدة للقوة الناعمة الصينية، فإن تأثيرها ما زال محدودا، ويرجع ذلك لعوامل تتعلق باللغة وحواجزها، أو ربما يرجع لعدم احتكاك العرب أو اقترابهم من اللغة والثقافة ونمط الحياة الصينى.
لا يعرف العرب الكثير بعد عن المؤسسات التعليمية الرائدة فى الصين، على عكس الحال مع الحالة الغربية، ولا يعرفون كذلك أسماء مشاهير الفن والثقافة الصينية فى حين يعرفون نظراءهم الغربيين. من هنا قد يستمر الميل العربى للغرب فى المستقبل القريب، إلا أنه من سوء التقدير توقع استمرار هذا الاتجاه على المدى الطويل. نعم تتحدث النخب العربية اللغة الإنجليزية وربما الفرنسية بطلاقة، لكن مع ذلك عليهم بدء الاستثمار الجاد فى مدارس اللغة والثقافة الصينية.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات