السبنسة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السبنسة

نشر فى : الخميس 16 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 16 مايو 2013 - 8:00 ص

فى 11/9/1995 نشرت مقالا فى العربى بعنوان «سيدى الرئيس.. أعد لنا وطننا».. والكلام كان، بطبيعة الحال، موجها إلى الرئيس الذى قضى فى القفص أضعاف المدة التى قضاها الرئيس الحالى فى الحكم. ولكن ما يفعله فى الأسابيع القلائل الماضية تجاوز ما أوصلنا إليه سابقه خلال خمسة عشر عاما هى نصف مدة حكمه المنقضى، ولا أدرى هل هذا يحسب للرئيس الحالى أم عليه؟ على أى حال أستأذن القارئ فقرتين من مقدمة ذلك المقال رغم ضيق المساحة المتاحة لى هنا:

 

«المتتبع لأحاديث الرئيس مبارك الصحفية، ولقاءاته وتصريحاته التى تذاع فى مناسبات عديدة، يلمس فيها نبرة ثابتة تتردد، وهى أنه يجوب العالم من أجل جلب الخير لأهل بلده الذين يعانون الكثير بسبب نقص الموارد، وأنه زاهد فى تلك الجولات التى يقوم بها، فهو لا يقوم بها من أجل متعة ينشدها، ولكنه يجد نفسه مجبرا عليها، من أجل خير شعب مصر المسكين الذى يعتمد على جلب قوته من الخارج، والذى ينتظر المال يأتيه من أهل الميسرة، رغم أنه غنى والحكومة هى الفقيرة، والذى حُرم لسبب غير مفهوم من المعرفة التى يبدو أن الإرادة الإلهية اختصت بها شعوبا غيره، فهو أبدا ينتظر من يجود عليه بثمار عقول اعترفت بنعمة الخالق عليها فأبدعت.

 

«والمتابع لتعبيراته عندما يدلى بهذه الأقوال يدرك كم يشعر بثقل المهمة التى أخذها على عاتقه، ويلمس فى نبراته آلام رب الأسرة الذى ابتلاه الله بكثرة العيال وشح فى الرزق، يضيق بمطالبهم ولكنه مع ذلك يود لو أمكنه أن يحققها جميعا. ومن يعلم مدى صدق الرجل فى التعبير عما يجيش فى صدره، ومدى ميله إلى الإفضاء بما يعتمل فى نفسه دون تزييف أو مواربة أو تغليف مشاعره بعبارات منمقة، يشفق عليه من هذه المعاناة، وينسى همومه الشخصية كواحد من هذا الشعب المسكين الذى رغم كل ذلك الجهد المبذول لا تتفتح أمامه بارقة أمل، ويتساءل هل من حل يخفف عن رئيسه همومه ويزيح عنه بلواه ؟

 

«ولكن حتى يكون الأمر كذلك لابد من تغيير النظرة إلى الشعب من كونه أفواها جائعة وأصواتا عالية تلح فى المطالب، إلى حقيقته من أنه عقول تفكر فتبدع وسواعد تعمل فتتقن ونفوس تعتز بلفظ كاد يختفى من قاموس العالم الحديث الذى نلهث وراءه، هو العزة والكرامة».

 

●●●

 

ولا أعتقد أن المصريين بعد الثورة من أجل العزة والكرامة يقبلون أن تصبح «السبنسة» لقاطرة اكتسبت اسمها «بريكس» من الأحرف الأولى لأسماء دول نهضت بشعوبها لتنتشلها من وهدة التخلف وتنظفها من أطفال الشوارع والتفرقة بين المواطنين وتحرز من التقدم ما يكسر أنف الصندوق والبنك، وتستجيب لدعوة أطلقها الرئيس التنزانى الأسبق جوليوس نيريرى منذ ربع قرن بـ«الاعتماد الجماعى على النفس». ليس هناك مانع من طرق أبواب الآخرين ابتغاء المساعدة فى عملية البناء شريطة استكمال البنية الداخلية وإعادة بناء منظومة ثقافية جرى تجريفها، ونسيج مجتمعى قطعت أوصاله، ومهارات علمية وعملية أضاعتها أفكار ظلامية.. ليرى الجميع قدرات شعب يستعيد مكانته فى بناء الحضارة وقيادة أمته العربية وموطنه الأفريقى يخاطب الجميع على قدم المساواة، مدركا أنه كأى طرف آخر ينطلق من رؤية لمصلحته فيما يقدم، وإلا طبقت علينا قواعد السمع والطاعة.

 

●●●

 

ونستخلص مما تقدم أمرين على رأس قائمة طويلة.. هما التخطيط والاستثمار. وأذكر ــ بمناسبة إشادة د. مرسى بمصنع الحديد والصلب الذى أراده عبدالناصر قاعدة لقطاع صناعى يقود التنمية المتواصلة ذاتيا، أن عبدالناصر قال فى افتتاح مركز هيئة التحرير فى شبين الكوم فى 23/2/1953 «إننا لا نبغى فقط نهضة عمرانية أو صناعية أو عسكرية، ولكننا نبغى نهضة بشرية». لقد ظلت الأمم المتحدة تلهث وراء التنمية حتى توصلت إلى هذا المفهوم فى 1990. لذلك أرجو من المهندس دراج أن يعيد النظر فى مفهومه للتخطيط من الناحية الشكلية الهندسية (لعله كان يقصد الأسلوب العلمى) إلى المضمون الإنسانى الذى دفعنى لأن أنشر ورقة فى معهد التخطيط القومى فى 1960 بعنوان «الأهداف الاجتماعية للتخطيط» أشدد فيها على العدالة الاجتماعية التى ثار من أجلها الشعب بعد نصف قرن. وفى ذلك الوقت كلفتنى الأمم المتحدة برئاسة فريق من كبار علماء التخطيط (الأوروبيين) لننشئ معهدا يكسب الأفريقيين مهارات يفيدون بها دولا حديثة الاستقلال. وحينما تحملت مسئولية التخطيط فى 1976 كان الهاجس هو البحث عن تمويل استنفدته الحروب لدى العرب، غير أننى رأيت أن الخطة ليست عمل وزارة ومسئولية وزير، بل مسئولية دولة يفترض فيها أن تعكس إرادة شعب، لا تقف عند قوائم مشروعات ومصادر تمويلها، بل تقوم على استراتيجية شاملة تراعى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية قوامها البحث العلمى الذى يفتح آفاقا جديدة تجذب الأموال من كل مكان، شريطة إبقاء السيطرة للشعب؛ ويساعد فى تمويلها جهاز مصرفى مصرى خالص حتى لا نعود إلى عصر صندوق الدين أو إلى وقوف البنوك الأجنبية فى وجه استعادة الشعب لقناة السويس التى يراد انتزاعها منه لتتسلط عليها فئات انتهازية تحرم منها الأجيال المقبلة. وكانت تداعب مخيلتى استراتيجية أعددتها فى 1970 للعراق كانت حجر الزاوية فى عملية تأميم البترول الذى استرد للشعب العربى العراقى حقه فى ثرواته. وتذكرت انتقاد القائمين بثورة يوليو 1958 سيطرة المهندسين على التخطيط فى العهد الملكى.

 

●●●

 

ويقودنى هذا إلى النقطة الثانية وهى الاستثمار. لقد كنت أقدر للدكتور محيى الدين تمكنه من علمه وأسفت لاستيزاره وهو فى مستهل حياته فحُرمت أجيال من الانتفاع بعلمه، ولم يكن لديه من الخبرة ما يمكنه من قيادة قاطرة الاستثمار. والعارفون بأبعاد المهمة يقدرون العناء الذى يبذله شباب يتخصصون فى هذا الفرع الذى هو عماد الاقتصاد الوطنى، خاصة فى النظام الليبرالى. إن القضية ليست شطارة فى التجارة تباع فيها مصر بالجملة والقطاعى وليست مجرد ترويج منتج قائم بل رؤية تقنع ممولين يحسنون تقدير الفرص وليس من لديهم زكائب أموال لم يبذلوا جهدا لرصها ولا يفقهون من التكنولوجيا حتى معناها اللفظى.

 

سيدى الرئيس.. أنقذ بلدنا.. أو دعنا نقوم بهذه المهمة التى فيها حياتنا ومستقبل أولادنا.

 

 

 

خبير فى التخطيط

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات