هذا البرنامج يأتيكم برعايتهم - محمد موسى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذا البرنامج يأتيكم برعايتهم

نشر فى : الثلاثاء 16 مايو 2017 - 10:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 مايو 2017 - 2:47 م
«مافيش حد عايز يتكلم فى الموضوع. ولما حاولنا نتواصل مع المسئولين عن الملف فى وزارة الزراعة أو الإسكان، مش عايزة أقول لك دوخونا قد إيه، وفى الآخر ما عملناش الموضوع».
كانت الزميلة الصحفية تشكو حزنها وقلة حيلتها من كل المصادر الرسمية المسئولة عن قضية تكلم فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى أخيرا. كل مسئول يخشى أن يخطئ فى تأويل ما يريده الرئيس، ويرفض تقديم ما لديه من معلومات.
لم يعد «إعلاما». تزدحم الشاشات بالعناوين العاجلة عديمة الأهمية، وتقرأ أخبارا مطولة منزوعة القيمة، لا نعرف ما وراءها، كأنها مواد علاقات عامة لكل الوزارات والمؤسسات بلا استثناء. والإعلام الحر شرط أساسى ليصبح المجتمع حيويا، ديمقراطيا.
رغم هذا تزدهر برامج التوك شو والشبكات الاجتماعية بجدل صاخب عن قضايا تخطف الأبصار: تكفير المسيحيين، حقارة صلاح الدين الأيوبى، شتم رئيس السودان «جاهل ولازم يذاكر التاريخ»، وعرض حالة نادرة لفتاة تتغذى على الطوب الأحمر، واعترافات المذيع الوسيم بأنه تعرض للتحرش.
الأمريكية كايتلين جونستن، التى تصف نفسها على صفحتها بموقع تويتر بالصحفية المتشردة، نشرت قبل أيام الجزء الثانى من مقال طويل، تشرح فيه كيف تحول الإعلام الأمريكى تماما إلى أبواق دعائية لأصحاب النفوذ والمصالح، لتصل من بحثها إلى نتيجة سياسية، هى أن «الديمقراطية أصبحت غير موجودة بالمجتمع الأمريكى على نحو لم يسبق له مثيل»، لأن الإعلام أصبح مخنوقا.
تنقل الكاتبة عن ناعوم تشومسكى قوله إن «الطريقة الذكية للاحتفاظ بالشعب سلبيا ومطيعا، هى تضييق نطاق الآراء المسموح بها فى الإعلام لأقصى حد، ثم السماح بجدل صاخب يدور فى الهامش الضيق المتبقى». يضيف تشومسكى: من السخافة أن نتحدث عن الديمقراطية فى مجتمع تحكمه شركة عملاقة.
النخبة الحاكمة الآن لا تسجن المنشقين ولا تشنقهم، بل تستبعدهم من الأضواء بكل الأسلحة، وتهتم بالحفاظ على الأغلبية الساحقة المسحوقة فى حالة عبودية للشركة التى تحكم. وأسوأ أنواع العبودية هى تبعية العقول لأمواج التضليل وغسيل المخ المتواصلة.
تعلمنا أن إحدى رسائل الإعلام هى «إخبار الجمهور بحقائق ما يجرى، حتى يتسنى للناس المشاركة فى العملية السياسية بصورة أفضل». لكن ما يحدث هو أن الإعلام الأمريكى يخبرنا بما يريد أصحاب السلطة أن نعرفه، ويخلط الحقائق بالأكاذيب. أصبح الإعلام أداة للدعاية بأيدى السلطات بكل أنواعها، السياسية والاقتصادية والإعلانية، كما تضيف جونستن.
لن يتحدث مسئول للصحفى عن الأسباب الحقيقية لفشل مشروعات قومية، ولا عن المقبل من قرارات مؤلمة تمس حياة المواطن، أو حجم الديون التى سيسددها الأحفاد، ولا عن آليات استعادة أراضى الدولة. لن نعرف أسس المصالحات مع الفاسدين، وطريقة هروب بعضهم فى وضح النهار أحيانا. كلها ملفات شائكة يدفع المسئول غاليا إذا تورط بمعلومات عنها للصحفى.
يترك الإعلام تحت ضغوط كثيرة ملعبه الأساسى، وهو خدمة المجتمع وتعريفه بما يجرى، ليتلاعب بالعواطف الطائفية والنميمة، والخناقات التى يتم تدبيرها بمهارة لاعبى السيرك. كثيرا ما ينتهى الصخب فى موضوع ما، فنستدعى وكيل الوزارة من جديد على الهاتف، «وننفخ فى الرماد لعل نارا».
وإلى أن تتغير فكرة المسئولين عن دور الصحفى، لن يصل للمواطن من حنفية الإعلام سوى خناقة صلاح الدين الأيوبى، وفتاوى التكفير، وفتاة الطوب الأحمر. مازلنا فى هامش ضيق يرمينا يوميا إلى برامج الصخب الفارغ، برعاية الشركات العملاقة.

 

محمد موسى  صحفي مصري