الفكرة بعد السكرة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفكرة بعد السكرة

نشر فى : الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 9:21 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 9:21 ص

أما وقد مرت المباراة على خير، ولم يحدث الأسوأ الذى خشينا منه. فأحسب أن الأعصاب الآن أهدأ قليلا مما كانت عليه قبل 48 ساعة، على الأقل حتى يحسم الأمر فى مباراة الأربعاء بين الفريقين المصرى والجزائرى. وهذه «الهدنة» بين المباراتين تسمح لى بإبداء بعض الملاحظات على المشهد ألخصها فيما يلى:

< إن احترام مشاعر الجزائريين وكسب ودهم أهم بكثير من كسب المباراة. ولا ينبغى بأى حال أن نحرز أهدافا ونخسر شعبا شقيقا. ولئن قيل إن بعض الممارسات الصادرة هنا ردود أفعال لتحرشات وتراشقات هناك، فينبغى ألا ننسى أن الرعاع والحمقى موجودون على الجانبين. ثم إن الذين يتحرشون هناك ليسوا الشعب الجزائرى الذى لا تحصى فضائله ناهيك عن سجله النضالى المشرف. وفى كل الأحوال فإن التصرفات المصرية ينبغى ألا ننسى للحظة أنها تصدر عن مصر الكبيرة الأوسع صدرا والأكثر وُدَّا وبرا.

< إن مفهوم الرياضة بات يحتاج إلى إعادة نظر، بعدما أصبحت الروح الرياضية بمثابة مزحة غير قابلة للتصديق. ولا أعرف كيف يمكن إعادة الوصل بين الرياضة والأخلاق، لكنى أحسب أن تلك مسئولية القائمين عن الشأن الرياضى من ناحية، وأجهزة الإعلام الرسمية من ناحية ثانية. وأضع خطا تحت كلمة الرسمية بمعنى المعبرة عن سياسة الدولة، لأن بعض الأبواق الإعلامية الخاصة لم تكترث بمسألة الأخلاق هذه، وكان همها هو إثارة الجماهير وتأجيج مشاعرها. ولم تتورع فى ذلك عن استخدام أساليب اتسمت بالهبوط والسوقية.

< إننا فى مصر أسرفنا على أنفسنا كثيرا فى التعامل مع المباراة. وأعطيناها حجما أكبر بكثير من حجمها الحقيقى. رغم أنها لم تكن مباراة للفوز بكأس العالم فى كرة القدم (وهو مقام رفيع لا أعرف قيمته بالضبط)، بقدر ما أنها مباراة لتحديد الطرف الذى سيهزم فى النهاية أمام فريق البرازيل فى نهاية المطاف. لقد قرأت يوم 13/11 لأحد الزملاء فى جريدة محترمة هى «الأهرام» رسالة موجهة إلى منتخب مصر القومى قال فيها أحد الزملاء ما نصه: يا فرسان النيل يا أحفاد بناة الأهرام.. فقراء الوطن ينادونكم لتحققوا حلمهم الوحيد.. لا يبغون إلا شيئا واحدا: رؤية علم مصر يوم افتتاح المونديال ــ لو فعلتموها ستحلون كل مشكلاتنا وتداوون كل أوجاعنا وتقتلون كلاب بطوننا التى تعوى ــ هل هذا معقول؟!

< سمعت من كثيرين أن الناس تريد أن تفرح. وهذا حق مشروع أتفهمه. ولكن ذلك يثير السؤال التالى: ألم تعد فى بلادنا وسيلة لإدخال الفرح والسرور إلى قلوب الناس سوى مباريات كرة القدم. ولأن ذلك الفرح يستمر لأكثر من ليلة أو اثنتين، يعود بعدهما الناس إلى الاستغراق فى همومهم اليومية، فهل نكون فى هذه الحالة بصدد فرح يعمر القلوب ويسكنها، أم بإزاء مخدر يتعاطاه الناس لبعض الوقت ثم يزول أثره بعد ذلك ليفيقوا على واقعهم الذى لم يتغير فيه شىء. وإلا يعنى ذلك أننا حين فشلنا فى إسعاد الناس فإننا لجأنا إلى تخديرهم!

< إننى أتفهم حقا رغبة الناس فى الفرح، لكننى لاحظت أن اللوثة التى أصابت الناس وصلت عدواها إلى قنوات التليفزيون للرسمى. بل أزعم أن تلك القنوات هى التى قادت اللوثة وأشاعتها، الأمر الذى يدعونى إلى التساؤل عما إذا كانت الحكومة أيضا تريد أن تفرح؟

وإذا صح أن الحكومة مكتئبة وأن الشعب مكتئب بدوره، ألا يدعونا ذلك إلى النظر فى تشخيص المشكلة بصورة أعمق، ولا بالاختباء وراء التهليل لمباريات كرة القدم؟

< خروج الملايين لمناصرة المنتخب القومى له دلالات عدة، إحداها أن مشاعر الجماهير الجياشة انطلقت حينما وجدت قضية تعبر عن اعتزازهم بوطنهم أجمعوا عليها. وهو ما ينبهنا إلى غياب الأهداف المشتركة، التى تستقطب الجماهير وتستنفر همتها، الأمر الذى يشكل تحديا فشلت فيه السلطة. إذ بدلا من أن تستدعى الإجماع الوطنى وتعمل على تفجير طاقات المجتمع واستثمارها فيما ينهض بالبلد ويدفع عجلة تقدمه، فإنها اكتفت بدغدغة مشاعر الناس وقيادة حملة تخديرهم بفرح عابر لا يقوم شيئا فى حياتهم أو يؤخر ــ إن سكرة الفوز المؤقت حين تذهب، فثمة أكثر من فكرة ينبغى أن نعيد النظر فيها قبل فوات الأوان.  

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.